موقف باسكال من مفهوم الشخص، وقضية "ويل للمصلين."

التصنيف
التصنيف


موقف باسكال من مفهوم الشخص، وقضية ويل للمصلين.



وجب الانتباه إلى مشكلة اختيار النصوص وتقطيعها، فليس كل النصوص قد تتضمن حُكما صريحا ومُعلنا عنه، وهذا يترك المجال للتأويل أو تفسير ما يُمكن أن يكون حكما من خلال بناء صاحب النص لموقفه الفلسفي.وهذا يطرح مشكلة منهجية في حالة سقوط أحد أركان الأطروحة. مما قد يخلق التباسا في فهم أطروحة النص. لنأخذ مثال نص " بليز باسكال " الذي يتساءل فيه عن ما الأنا ؟ كثير من القراء لهذا النص كما ورد في كتاب التلميذ " في رحاب الفلسفة"ص 14، يخلصون إلى أن صاحب النص أقرّ بصعوبة تحديد هوية الشخص. ( والنص ذُيّل بسؤال حول الصعوبة ) مع أن النص هو إعادة ترتيب لما قاله باسكال من قبل " مارسيل غيرسان"،وهذا غير صحيح بسبب سوء تقطيع النص والافتراء على المتن الفلسفي لباسكال وعادة ما يتم التعامل مع النص طبقا ل" ويل للمصلين" وهو ذات التعامل مع " هيغل" بخصوص " جدلية العبد والسيد كما سنرى لحظة مقاربة ما يُفترى على هيجل أيضا...



بحيث أن النص الباسكالي  في الكتاب المدرسي " في رحاب الفلسفة" كُتب بشكل لا يُعبّر عن موقف باسكال من الإنسان في المتن خواطر....علما أنه ينتقد قصور العقل البشري وحواسه في فهم الإنسان ويُرجح أولوية القلب من دون إلغاء العقل... لكن يُمكن فهم الإنسان من خلال تعاليم الدين المسيحي يقول في بعض شذراته ومن خلالها يُمكن فهم أطروحته حول هوية وحقيقة الإنسان ومخرجه من فساده ونقصه، يقول في كتابه " خواطر " :.441- أما أنا، فأعترف أن الديانة المسيحية حالما تكتشف هذا المبدأ ألا وهو أن طبيعة البشر فاسدة وساقطة من لدن الله، تنفتح الأعين على سمة هذه الحقيقة في كل مكان،لأن الطبيعة هي الجلاء بحيث تدل في كل مكان على إله مفقود.433- الفلاسفة يدهشون عامة الناس والمسيحيون يُدهشون الفلاسفة...493- الدين الحقيقي يُعلّمنا واجباتنا، ويدلنا على وجود ضعفنا ( الكبرياء والشهوة) وعلى الأدواء ( التواضع والتقشف)...
 المشكلة أن النص وظّف في إطار فهم المجال الإشكالي، لكنه يتجنى على موقف باسكال بخصوص مفهوم الهوية والتي حدّدها باسكال في جل شذرات كتاب خواطر. فهل يجوز الافتراء على مفكر فقط  لضرورة منهجية كأن نثير في بداية بناء المجزوءة إشكالا نتعسّف فيه على المفكر الذي تم اختياره. إن طريقة تشكيل النص توحي بأن أطروحة باسكال لا تحسم في هوية الشخص وكتاب " خواطر" حسم فيها. وهذه من بين عراقيل بيداغوجية عمياء تنتقي النصوص من دون احترام شمولية الموقف المتضمن في أطروحة المتن. هذا التعسف طال كثيرا من المفكرين في كتاب التلميذ ومن الضحايا، سارتر وسبينوزا وكانط وفرويد...وسأعمل لاحقا على توضيح مكامن التعسّف والافتراء وسأستشهد من بعض الكتب التجارية التي يُقبل عليها التلاميذ لأسباب سنوضحها في حينها. وأتأسف على إهمال مناقشة وتقييم مختلف روافد الدرس الفلسفي، والتي تتعارض في كثير من الأحيان مع روح التوجيهات التربوية، ومنها اعتقاد المتعلمين أن "ملخص دروس الفلسفة" من خلال عنونة المقطع باسم فيلسوف هو أطروحة ذاك الفيلسوف، والمبثوتة في إطار محدد!!!. وهنا نطرح السؤال هل ملخصات الدروس هي أطروحات المفكرين....؟
وهل يجوز تقديم ملخص من دون سند نصي ؟ وهل يجوز فصل الأطروحة عن منظومتها الفكرية داخل النص وبسياقه في المتن الأصلي؟ تنضاف إلى هذه المشاكل مشكل آخر يُربك قضية " الأطروحة" ، يتعلق الأمر بحضور نفس الفيلسوف في محاور عدة ومن خلال إشكالات مختلفة، الأمر الذي قد يبدو معه تناقض نفس المفكر من نفس القضية بالرغم من اختلاف سياق الموضوع المفكر فيه، كنموذج موقف سبينوزا من " الحرية ". ففي محور الشخص بين الحرية والضرورة يعتبر سبينوزا أن الشعور بالحرية هو مجرد وهم يتعلق بالجهل بالأسباب...لكن في مجزوءة السياسة يُقر بضرورة الحرية، يقول "...بحيث يتسنى للناس أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا دون إشهار أسلحة الحقد...فالحرية إذن هي الغاية الحقيقة من قيام الدولة." لقد عاني الجسم التعليمي من موقف سبيتوزا من الحرية ، مع القضية تتطلب التمييز بين الحرية في سياق إشكالي يتعلق بالانوجاد، وحرية تتعلق بالفعل والسلوك والتدبير....وهو ذات الفرق بين سياق الأخلاق في مجزوئتي الوضع البشري ( من أين يستمد الشخص قيمته؟)والأخلاق ( من منطلق الواجب ).

وأخيرا، هل مفهوم الأطروحة في الفلسفة المدرسية هو ذاته كما يوظفه المفكرون، فلاسفة وعلماء إنسان؟ أم هو مفهوم بيداغوجي يُقّرب المتعلم من فهم موقف المفكر من قضية معرضة للتفكير من منطلق سؤال إشكالي لحظة اشتغاله على النص؟ هو ذاته السؤال حول مفاهيم " الأشكلة والمفهمة والحجاج" فهذه وإن تم استقاؤها من الخطاب الفلسفي، فهي مجرد إجراءات بيداغوجية وديداكتيكية القصد منها بَنْيَة النصوص بالتحديد. أما التفلسف، وهو الرهان من الدرس الفلسفي فيعود إلى لحظة من لحظات مقرر الجذع المشترك، يتعلق الأمر بمحوري : لماذا التفلسف ومعالم التفكير الفلسفي ونمط اشتغاله؟
شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: