حوار حول تشريح الأصولية الدينية والعقل العلماني.

التصنيف


حوار حول تشريح الأصولية الدينية والعقل العلماني.






1- موقف عبد الكبير الخطيبي
هذا مقتطف من نص طويل، ولا مناص من الرجوع إلى النص لفهمه في كليته، حتى لا نُتّهم بتشويه موقف المفكر عبد الكبير الخطيبي الذي نُقدّره ونحترم مواقفه الجريئة في نقد فهم السلفية للتراث.والنص عبارة عن تعقيب ر قم 6 حول موضوع :الفكر الغربي والتغيير في المجتمع العربي، للمفكر أحمد صدقي الدجاني، ضمن إشكالية : الأبعاد الرئيسية لمشكلة الأصالة والمعاصرة.ص . 355/303  ضمن ندوة بعنوان " التراث وتحديات العصر في الوطن العربي.الأصالة والمعاصرة.وطبع في كتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية 1985.
يقول المفكر عبد الكبير الخطيبي:” ينبغي علينا أن نبحث عن شيء مغاير في تقسيم الوجود العربي والإسلامي، وأن نتخلص من وهم الأصل المطلق والهوية السماوية والأخلاق العبودية. شيء مغاير وبكيفية مخالفة- وفق فكر متعدد- في خلخلة كل ما هو متعال، ومهما كان ن تحديده، إنه الآخر الذي ليس وجودا متعاليا،وإنما مواجهة خارجية لا متماثلة : في الحياة والموت.
هذا الخارج وهذا الغير من شأنهما أن يهزّا ميتافيزيقا عالم أبقت عليه الثيولوجيا وصانه الطغيان، كلاّ إننا نأبى أن نكون حطام نهاية هذا القرن، إذا اعتبرنا هذه النهاية في حركة اكتساحها.
وحدها مغامرة فكر متعددة ( متعددة اللغات والحضارات والبناء التقني والعلمي) تستطيع على ما يبدو، أن تؤمّن لنا الوجود في منعرج هذا القرن على الساحة الكونية. ولا خيار لأي منا في هذا الأمر، إنه عالم لن يعود إلى أسسه الميتة.
لقد انهزم البعض منا وخضع لقهره اليومي وعبوديته، بينما استمر البعض الآخر في النضال السياسي، رغم كل شيء، سواء في إطار حزب أو النقابة أو أي تنظيم سرّي، ومات آخرون أو ما زالوا يقهرون التعذيب. “.
إن هذا ال” نحن “الذي نُعمل فيه فكرنا لا يوجد داخل مجال الميتافيزيقا، بل على هامشها، وهو هامش واع يقظ…لنقل بأن أي إله لن يحضر موتنا بعدو لا أي ملاك، بل ولا أي شيطان. لقد سبق أن بيّنا في مكان آخر أن نقدنا يريد أن ينزل الجنة والنار في فكر مغاير، لا يواجه إلا المرئي…”

2- موقف علي حرب : تشريح العقل الأصولي.

(مقتطف من كتاب :المصالح والمصائر.على حرب.ص 31-34.ط 2010.منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون).يقول علي حرب:
"
تشريح العقل الأصولي.
داء الاصطفاء وفخ الاستثناء.
من وقائع العصر الكبرى، أن الأصولية الدينية،وبخاصة، الإسلامية، أمست االيوم لاعبا أساسيا على المسرح وفاعلا قويا في المشهد العربي والعالمي.من هنا فهي مدار لقراءات وتأويلات مخنلفة ومتعددة.
...
بماذا نفسّر عودة الدين على المسرح بهذه القوة ؟ وإلى أين تقودنا المشاريع الأصولية؟ وكيف يتشكّل النموذج الأصولي ويعمل؟ أو كيف يصنع عقل المتديّن في مجتمع تعدّدي ...؟
*-
الهويّة العنصرية:
1-
أولها (المعتقد الاصطفائي) الذي يزرع في عقل المسلم منذ النشأة، شعورا عارما بالنرجسية التي تجعله يؤمن بأن أهل ملّته وفرقته ليسوا كبقية الناس،لأن الله اختارهم لكي يكونوا ناطقين باسمه أو يجسّدون كلمته...ولهذا فهم في نظره وحدهم أهل الإيمان الصحيح والسائرون على الصراط المستقيم والنهج القويم، وما عداهم في ضلال مُبين.إنه( داء الاصطفاء وفخّ الاستثناء.)
2-
والوجه الآخر للمعتقد الاصطفائي،هو (اليقين الدوغمائي) الذي يُهم كل مُتديّن، وبخاصة المُسلم... بأنه ينتمي إلى جماعة هم وحدهم مالكو مفاتيح الحقيقة والاستقامة والهداية والسعادة.
هذا الوهم المزدوج يتجسّد في نهاية المطاف في (هويّة عنصرية) تجعل أصحابها يرون إلى أنفسهم بأنهم الأحق والأصدق والأكمل والأشرف والأنظف علما وخُلقا أونسبا ومكانة أو عملا،ومالا،كما تملآ السمع والبصر الخطابات من جانب الدعاة على الشاشات.هذا هو الأساس الذي ينهض عليه المشروع الأصولي ويُفجّره في آن...
3-
الوجه الثالث للإصطفاء واليقين، هو( الفكر الأحادي).. ويترتب عن ذلك نفي أي إمكان وجودي للتعدد والتنوع أوللالتباس والإشكال والتوتر والتعارض أو للحركة والصيرورة...هكذا تُقرأ النصوص : المعنى واحد، والحقيقة مطلقة،واليقين قاطع،والحقّ بيّن لا لبس فيه ولا يقبل الجدال، نحن هنا إزاء ديكتاتورية الحقيقة وإمبريالية المعنى.
4-
الوجه الرابع لدعوى الاصطفاء والوثوق والوحدانية، هو المبدأ السكوني.فالأصل عندهم ثابت...إنه يقع خارج الزمان والمكان بقدر ما هو متعال على التاريخ، ولذا فإن أصحابة يعتبرون بأنه ينسخ ما قبله ويلغي ما عداه بقدر ما يعتبرون بأن ما يأتي بعده ينبغي أن يكون محرّد تجلّ له أو امتداد أو تطبيق وإلا كان مجرد انحراف وفساد أو زيغ وبطلان.
...
ولذا فالأصولي لا يُمارس فعل التفكير الحيّ والخلاّق...إنه يفكر بصورة مُغلقة أو أحادية، بقدر ما تتحكّم في تفكيره المقدّسات والمسلّمات والمسبقات.فهو إذن ليس ذاتا مفكرة، بل مجرّد جهاز إيديولوجي..بقدر ما يعتبر أن هناك مَن فكّر عنه وما عليه إلاّ الامتثال والطاعة، وتلك عقلية الحشد والقطيع."


محمد عمارة : تشريح العقل العلماني من خلال كتابه” الإسلام والعلمانية الغربية

إذا كانت الشريعة الإسلامية هي المنهاج الإلهي لرعاية وتدبير الاجتماع الإنساني، في مختلف دوائر هذا الاجتماع : الفردية والأسرية، والاجتماعية والسياسية،والاقتصادية والقيمية، وفي دوائر النظم والحكومات، وفي العلاقات والدوائر القومية والإقليمية والدولية..ومع ذلك في شؤون الدار الآخرة…أي في سائر مناحي عالمي الغيب والشهادة. ولأنها عقد وعهد الاستخلاف الإلهي للإنسان،كي ينهض بأمانة استعمار الأرض وفق ضوابطها وعلى هدى معالمها :”ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون.”(الجاثية 18).” قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيّما ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين(161) قُل إن صلاتي ونُسُكي ومَحياي ومماتي لله ربّ العالمين (162) لا شريك له وبذلك أُمِرتُ وأنا أول المسلمين.” (الأنعام).
إذا كانت هذه هي فلسفة الشريعة الإسلامية،ومقاصدها، فإن العلمانية الغربية هي على النقيض من ذلك، فهي عزل السماء عن الأرض،وتحرير العالم والإنسان والاجتماع الإنساني من التدبير الإلهي ومن حاكمية السماء
بدعوى أن العالم مُكتف بذاته، وأن الإنسان هو سيد هذا الكون،يُدبّر حياته ب” العقل ” و” التجربة ” دونما حاجة إلى رعاية أو تدبير من وراء الطبيعة وخارج العالم الذي يعيش فيه.
وإذا كانت أمتنا الإسلامية قد عاشت قرونا ما قبل الغزوة الاستعمارية الحديثة في ظل الحاكمية الوحيدة والفريدة للشريعة الإسلامية..ولما كانت العلمانية الغربية- إذا هي طُبّقت في المجتمعات الإسلامية – عزل الإنسان المسلم عن هويته الإسلامية، وانفلاته من حاكمية شريعته الإلهية، وتحويل قبلة الأمة عن تراثها التشريعي الفقهي إلى حيث تصبح قبلتها القوانين الوضعية الغربية، وفلسفتها التشريعية النفعية الدنيوية،ومنظومة قيمها التي تحرر ” المصلحة
من الاعتبار الشرعي..لما كان الأمر كذلك، كانت العلمانية الغربية من أولى كتائب الاختراق الاستعماري لعالم الإسلام وثقافة المسلمين..” ص 7/8


      موقف المفكر محمد عابد الجابري من إشكالية العلمانية 

كان جوابه على سؤال: يرى العلمانيون العرب أن لا إمكانية حقيقية لنهضة عربية إلا بتكرار تجربة أوربا في فصل الدين عن الدولة، كيف تنظرون إلى مثل هذه الدعوات؟(مواقف ع 26)   كالتالي:”مصطلح ” علمانية” أو ما يقابله في اللغات الأجنبية له تاريخ ويدل على شيء معين. فإذا أردنا نقله إلينا فعلينا أولا أن نعي معناه في مجاله الأصلي. العلمانية في الفكر الغربي لا معنى لها بدون الكنيسة، العلمانية هي إخراج السلطة الخاصة بشؤون الدنيا من الكنيسة ونقلها إلى الدولة. نحن لا توجد لدينا كنيسة، وفي الإسلام لا توجد كنائس. وشؤون الدنيا في يد الحاكم، هذا الحاكم مسلم، لأنه ينتمي إلى مجتمع إسلامي، سلوك يوزن بمقياس الدين. وفي نظري أن استعمال مصطلح العلمانية بهذا المعنى ( فصل الدين عن الدولة) والترويج له في الأوساط الشعبية عمَل ستكون نتائجه معكوسة تماما. لأنه سيفهم منه فصل الدين عن المجتمع وسلب الناس دينهم. لا توجد كنيسة تجسد هذه السلطة التي يجب أن تعزل أو تنعزل. فحين نقول بفصل الدين عن الدولة، فقد يعني أننا نفصل الدين عن المجتمع، والمجتمع هو الناس، وبالتالي نفصل الناس عن دينهم. هذا الطرح يشكل خطرا كبيرا على مجتمعاتنا لابد أن ننتبه إليه.
وفي المقابل فإننا يمكن أن نأخذ من العلمانية الغربية ما نحتاج إليه في مجال الحداثة، في ميادين التعامل على مستوى الفكر أعني الديمقراطية والعقلانية إذا استطعنا الأخذ بهذين الأمرين كأساس نبني عليه فأعتقد أننا سنكون قد أخذنا ما نحتاج إليه بالفعل من العلمانية.
الشعارات والمفاهيم هي كالأدوات، ما دامت تنفع وتساعد على التوضيح فهي مفيدة وضرورية، أما إذا كانت تزرع البلبلة وتثير ردود فعل معاكسة فيجب أن تستبعد
.”



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: