التأليف المدرسي- التجاري بين الطرح الإشكالي والطرح الذاتي.مفهوم الشخص

التصنيف



التأليف المدرسي- التجاري بين الطرح الإشكالي والطرح الذاتي.
( من يوميات مدرس مادة الفلسفة)
وجهة نظر ليس إلاّ 

يتعلق هذا العنوان بمُساءلة تمهيدات بعض الكتابات التجارية التي تظهر بين الفينة والأخرى، من مثل دفاتر فلسفية لمنشورات دار توبقال للنشر، التي تعاقدت في البداية مع الأستاذين عبد السلام بنعبد العالي ومحمد سبيلا، واللذين قدّما خمسة عشر عنوانا بدء بالتفكير الفلسفي وانتهاء بما بعد الحداثة: تجلياتها وانتقاداتها، ليتسلّم مِشعل الترجمة كل من الأستاذين المقتدرين محمد الهلالي وعزيز لزرق بدء من نصوص تتعلق بقضية الحرية و العنف والغير ثم الشخص... تحرص هذه السلسلة منذ العدد الأول على تقديم نصوص فلسفية بقصد، أولا: الحاجة إلى الفلسفة في زمن تحوّلات تقتضي بالضرورة امتلاك منطق ومفاهيم ولغة تُساير هذه التحولات"(التفكير الفلسفي.عدد1)، وهذا هو الظاهر، وثانيا وهذا هو المسكوت عنه، مواكبة تدريس الفلسفة بالنصوص، نتيجة الجدال الذي خلّفه حول مدى حقيقة بعض الترجمات بالكتب المدرسية، إضافة إلى إشكالية تقطيع بعض النصوص وما يترتب عنها من تشويه علاقتها بنسيجها الفلسفي الأصلي أو بتوظيفها ضمن إشكالية غير تلك التي أنتجتها بشكل مباشر.....
ستُسائل هذه المداخلة مفهوم " الشخص" العدد 19، وسيتم التركيز بالخصوص على أسئلة ومضامين كل من التمهيد والتقديم المتعلق" بتحديد مفاهيمي"ص 9، هاجسنا في ذلك الشعور بإمكانية تأثير أسئلتي التمهيد والتحديد المفاهيمي على فهم بعض مدرسي الفلسفة والتلاميذ لحظة مقاربة مفهوم الشخص ومحاوره الثلاث.
قبل ذلك لدي ملاحظة شكلية، ولكنها أساسية في فهم رهانات وجود سلسلة "دفاتر فلسفية".لمّا صدر العدد الأول تحت عنوان " التفكير الفلسفي"، أصرّ المؤلفان العالي وسبيلا على إبراز الغاية من وجود دفاتر فلسفية،هو" الحاجة إلى الفلسفة..بسبب ضخامة – بل وشراسة – التحولات التي تفرض علينا واجبا مضاعفا في التفلسف ويولّد لدينا حاجة مزدوجة إلى الفلسفة بغاية فهم ذاتنا وفهم الآخر...فهل نتوسّل إلى فهم هذه التحولات بمنطق ومفاهيم ولغة ومنظور حديث ومُلائم أم نكتفي باجترار وترديد ما ترسّخ في أذهاننا ومفردات لغتنا؟ لكن أضافا بشكل مُحتشم هاجسا تربويا تمثّل قولهما "..وأملنا أن تقدم هذه السلسلة من النصوص للمشتغلين بالفلسفة والفكر مادة أولية للتفكير، قابلة للاغتناء والتطوير مستقبلا. كما نأمل أن تكون هذه المحاولة لبنة في سياق المجهودات المختلفة لجعل الكتاب الفلسفي والنص الفلسفي حاضرا بقوة في المكتبة العربية الحديثة"( التفكير الفلسفي عدد 1 ). السؤال، هل تحقق هذا الرهان منذ قرابة العشرين سنة من إصدار سلسلة دفاتر فلسفية، سواء بالنسبة للمشتغلين بالفلسفة المدرسية وكذا الفلسفة الاحترافية؟
لدي اعتقاد، بالرغم من هاجس الحاجة إلى الفلسفة كرهان استراتيجي، وهو ظاهر وجود دفاتر فلسفية مع العالي وسبيلا،أن اهتمامات الأستاذين محمد الهلالي وعزيز لزرق تتأطر ضمن انشغالهم البيداغوجي بتوفير نصوص فلسفية موازية للكتب المدرسية، وهو اعتقاد نابع من طبيعة عناوين السلسلة: الحرية والعنف والغير والشخص، وهي أقرب في اهتماماتها إلى المقررات الدراسية منها إلى إشاعة الحق في الفلسفة كمطلب يرغب الفلاسفة في تحقّقه.وهذا لا ينقص بالطبع من الرهان الذي حدّده العالي وسبيلا في أول عدد من السلسلة سنة. 1991

مفهوم الشخص.
لو صحّ احتمال حضور الهاجس التعليمي في الأعداد الأربعة الأخير لدفاتر فلسفية، مع أنه من الصعب نفيه بالمطلق، بحجة حاجة مدرسي الفلسفة إلى تنويع نصوص التدريس إضافة إلى الحاجة إلى نصوص الوضعية المشكلة والمراقبة المستمرة والامتحان الوطني...،ستصبح إحدى زوايا النقاش تتمثل في مراعاة البعد الفلسفي والبيداغوجي المدرسي للنصوص المختارة بالعلاقة مع الإشكالات المطروحة في المقرر الدراسي ( تاركين القراءة الحرّة للنصوص من قبل العامة والخواص جانبا)، علما أن الفلاسفة المحترفين لا يُعيرون أهمية للنصوص المُجتزأة من سياقها  ما داموا قادرين على امتلاك وقراءة المتن الفلسفي من مصدره الأصلي.
من هذا المنطلق، ستُقبل شريحة كبيرة من مدرسي الفلسفة والتلاميذ على توظيف نصوص السلسلة موضوع التفكير، إما كتدريس أو كتمرين من قبل التلاميذ على تحليل نص الامتحان الوطني...السؤال: كيف سنتقبل نحن مدرسي الفلسفة تقديم مفاهيم السلسلة التي توحي عناوينها بمفاهيم الثانية بكالوريا؟ قد يستخف البعض بتلك التقديمات، ولكن الوقوف عندها ومُساءلة مُبررات منظورها وبنائها لمختلف سياقات المفهوم، سيساعدنا على فهم أكثر لما نحن مقلبون على تدريسه.

- تمهيد.

أول ما بدأ به الأستاذان محمد الهلالي وعزيز لزرق تمهيدهما، الحُكم التالي :" غالبا ما يتم الخلط في تناول الشخص بين مفهومين متقاطعين ومتباينين في الآن نفسه: يتعلق الأمر بمفهوم الشخص ومفهوم الشخصية. فإذا كان الحقل الإبستمولوجي الذي يؤطر مفهوم الشخصية هو العلوم الإنسانية بمقارباتها المتعددة، الأنتروبولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجي،فإن مفهوم الشخص يحيل تحديدا على المقاربة الفلسفية وما تتضمنه من أطروحات مختلفة ومتنوعة."
في اعتقادي انحاز هذا الحكم إلى التصنيف الفلسفي الاحترافي، بينما في الفلسفة المدرسية ( أقصد حين تتحول الفلسفة في بعدها العالِمي (بكسر اللام) إلى بعدها البيداغوجي التعليمي، فهذا التمييز غير ذي معنى بحجة أن أن مفهوم الشخص يندرج كمفهوم ضمن إشكالية كبرى هي : ما الإنسان؟ وما هي شروط وجوده؟ نعم قد يكون الخلط واردا بالنسبة لاهتمامات الفلسفة الاحترافية حيث التخصص باديا للعيان، لكن في إطار إشكالات مجزوءات الفلسفة المدرسية، يكون استبعاد التفكير في الشخصية بدعوى أنها من اهتمامات العلوم الإنسانية، والتعامل مع مفهوم الشخص باعتبار انتمائه إلى المجال الفلسفي،سببا في نوع من سوء الفهم لماهية الشخص كإنسان أولا. مع العلم أن مقاربة المقرر الدراسي شمولية تنفتح على العديد من جوانب الشخص والتي ستُحيل بالضرورة على شخصيته .ففي الوقت الذي انفتح فيه المنهاج الدراسي على شمولية المقاربات بحيث كان من نتائجها أولا إسقاط الفصل التعسّفي بين الفلسفة والفكر الفلسفي الإسلامي الذي أصبح ينظر إليه كجزء من التراث الفلسفي الإنساني، وثانيا لم يتم أبدا استبعاد توظيف نتائج العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية في الإجابة عن الإشكالات الفلسفية. صحيح أن المنهاج الدراسي لمادة الفلسفة في الصفحة 6 نبّه على طبيعة حضور نتائج العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية، وأمر بتجنب إحضار تلك العلوم بصفتها الوضعية المتخصصة...حفاظا على وحدة التكوين الفلسفي العام للتلاميذ. ومع ذلك فحضور نتائج العلوم الدقيقة والإنسانية ضمن إشكالية فلسفية يُغني فهم التلميذ لذاته المركبّة ومن تركيباتها ما لم يستطع الفلاسفة الإحاطة بها وكانت مقاربات العلوم الإنسانية ثورة في تغيير مفهومنا لذاتنا وأخصّ بالذكر المقاربة الفرويدية( التحليل النفسي ) ومقاربات مفكّري الاختلاف الذين يرفضون تسمية أنفسهم بالفلاسفة.نتذكر كمدرسين للفلسفة أنه في المقرر الدراسي السابق كان هناك محور تحت عنوان : الشخص ودوره في بناء شخصيته. (إشكالية الشخص بين الذاتية والموضوعية).
بالمحصلة الاتهام بالخلط بين الشخص والشخصية غير ذي معنى في المقرر الحالي، لأن الإشكال الفلسفي المدرسي العام : ما الإنسان؟ لا يقصُره على كونه شخصا، بل يمتد إلى أن للشخص شخصية هي جزء من كيانه الذاتي ولا يمكن الفصل بينهما. مردّ هذا التحليل إلى الفرق بين الإشكال الديكارتي بصيغة : " ماذا كنتُ أظنني من قبلُ؟ كنتُ أظنني إنسانا بلا شك، ولكن ما الإنسان؟...هذا الأشكال الديكارتي هو ذاته لا يحضر في مجزوءة الوضع البشري بنفس الغاية التي يسعى إليها ديكارت، والسبب أننا نروم فهم أوسع لمفهوم الإنسان باستحضار مختلف المقاربات الفلسفية ومقاربات العلوم الإنسانية وحتى المقاربات الفلسفية بخلفية  لاهوتية( بليز باسكل في حدود معينة" فهم الإنسان من مدخل مسيحي" )، وذلك من خلال طبيعة التركيب الإنساني دون اختزاله في الشعور أو العقل التفكيري أو الإرادة أو ......فرهان الفلسفة المدرسية إنتاج فكر تركيبي موضوعي يتناسب مع طبيعة تركيب الإنسان، ككائن وكفرد وكشخص وكشخصية وكمخلوق أو كمعطى طبيعي....وعندها يكون للتلميذ الحق في إدراك حقيقة هذا الإنسان بعيدا عن التحديدات الحصرية لمختلف الفلاسفة باختلاف مرجعياتهم.هنا يظهر المجهود الجبّار لمدرسي الفلسفة بالثانوية التأهيلية حين يستحضرون كل قضايا الفلاسفة ليركبوا منها مفهوما لما هو الإنسان.هذا العمل الشاق يقتضي إجراءين متكاملين: أولهما تمّلّك المعرفة الفلسفية المتنوعة بتنوع الأسئلة والاهتمامات المختلفة للفلاسفة لذات الإنسان، ثانيهما امتلاك القدرة البيداغوجية والديداكتيكية على توظيف المقاربة الفلسفية ومقاربات العلوم الإنسانية في إنتاج تصور لما هو عليه الإنسان كشخص وكشخصية بعد الانتقال من واقع الكائن (معطي طبيعي أو مخلوق..) إلى الفرد (باعتباره مجرّد عيّنة للنوع أي وحدة عضوية...) ثم إلى الشخص (الأنا الوعية بذاتها والحرة وبقدرتها على تحمل المسؤولية )وأخيرا الشخصية باعتبارها ما يشكل الطابع الكلي للشخص(المكون العقلي والنفسي والفيزيولوجي والاجتماعي) وهي ما تُميّز الشخص وتطبعه بطابع خاص.(هذه مستويات من الوجود متداخلة والتمييز بينها منهجي فقط) ولكن المقاربة الشمولية لحقيقة الوضع البشري تستلزم استحضار هذه المكوّنات والتي تجعل المتعلم على بيّنة بحقيقة أناه البشري.....
بالمحصلة، أتحفّظ من الحكم السابق موضوع المناقشة، بحجة أنه يطلب منا بالتحديد استبعاد المقاربة السيكولوجية للشخص بدعوى أنها ليت فلسفية والشخص : مفهوم يُحيل تحديدا على المقاربة الفلسفية !!!! هذا حكم متعلق بفيلسوف محترف لايرى العالم الخارجي إلا بمنظار فلسفي...أما الفلسفة حين تنتمي للمؤسسة فيكون لمقارباتها شأن آخر.
مردّ هذا الغموض، في اعتقادي، نابع من عوامل لاوعية لدي المؤلفين،فهما يحرصان على أنهما في حضن ضيافة المقاربة الفلسفية للشخص،ويُخاطباننا من كونهما "فيلسوفين" من الطراز الاحترافي، وفي نفس الوقت ترجما النصوص خدمة لمقرر دراسي يتعلق بالوضع البشري.وإلا كان من الأفيد أن يكون عنوان الكتيّب: مفهوم الإنسان في الفلسفة.لكن مفهوم الشخص والغير والعنف والحرية... إحالة على المقررات الدراسية.بحجة أن ما سطّره العالي وسبيلا في أول عدد، وهو نفس رغبة دار تبقال ..موجّه إلى " المشتغلين بالفلسفة" ولا أعتقد أن المشتغلين بالفلسفة الاحترافية من خلال دروس ماجيسترالية إلقائية سيهتمون بشذرات من نصوص تمت تجزئتها بعنف من خلال سياقاتها الحية.ولا أعتقد أنهم سيعتمدون على مثل هذه وحتى العامة، فدفاتر فلسفية ليست قصصا أو روايات حتى يستسيغوا حبكاتها وشخوصها...نحن مدرسي الفلسفة في الثانوي التأهيلي المعنيون بالدرجة الأولى بتوظيف هذه النصوص في دروسنا، وعلينا قراءتها طبق منهاج الفلسفة.
مما يدعّم تحفّظي، المتعلق بقضية الخلط بين الشخص والشخصية ،وهذا غير وارد بالتعميم ..، بالرغم من حضور معالمه في الكتاب المدرسي " مباهج الفلسفة" ص9 لحظة تقديم للوضع البشري، فمدرسي الفلسفة واعون بمدى التعالق السببي بينهما، إذ لا وجود لشخص بدون شخصية، ولا شخصية بدون شخص..أقول ،ما يدعّم تحفظي هو تراجع المؤلفين عن احتساب الشخص لصالح الفلسفة والشخصية لصالح العلوم الإنسانية، إذ في بداية " تحديد مفاهيمي" نجد الحكم التالي:" لقد ظل مفهوم الشخص لمدة طويلة، يدخل في اختصاص السيكولوجيا (كذا !!!!) والفلسفة." ص 9.وكل ما يلي هذا الحكم في الفقرات اللاحقة يصبّ في تدعيم النظرة الشمولية للفلسفة المدرسية للشخص " عقلا وسلوكا وروحا".وهذا ما جعلني أختار الحوار بين فرويد وديكارت ضمن إشكالية الشخص والهوية.وقد قرأتُ تحفّظا في بعض المواقع من الجمع بين فيلسوف ومحلل نفساني من قبيل نفس اتهام الفارابي(مع وجود الفارق) في جمعه بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو...وبقية القصة تعرفونها.فهما فيلسوفان وما بالكم بحوار ديكارت مع فرويد بخصوص حقيقة ما به ينوجد الشخص، مع العلم أن فرويد انتقد ديكارت صراحة وعاب عليه اختزال الشخص في الوعي التفكيري هاملا جانبا لاواعيا كأحد مكونات الجهاز النفسي، هذا البعد النفسي الذي أهمله ديكارت طبعا بسبب توجهه العقلاني المتعالي، ليخلص فرويد أن عيب ديكارت الأساسي هو المطايقة بين العقلي والنفسي مما ترتب عنه نقص في فهم حقيقة الشخص الذي يملك شخصية متعددة المكونات ودينامية...( محلل نفسي ينتقد فيلسوفا ) وهذا ما يجعل المتعلم بانفتاحه على مختلف المقاربات، أن يبني موقفا فلسفيا حول طبيعة الإنسان أي طبيعته هو وليس المهم فقط ما قاله فلان وفلان، ولكن كيف يتم توظيف ما قيل لنجعل المتعلم يقترب من فهم ذاته والآخرين والعالم.وهذه هي الموضوعات الرئيسية للفلسفة.
سؤال أخير: هل الأستاذان الفاضلان محمد الهلالي وعزيز لزرق تخلّصا من موقفهما الذاتي أم عملا على احترام البعد التداولي للنصوص المختارة ضمن حاجيات القراءة؟ هل تقديمهما يعكس تصورهما الشخصي لمفهوم مقاربة الشخص وكأنهما يقومان بتحضير درس فلسفي أم تقديمهما وتحديدهما للمفاهيم خضع لضرورة إشكالاتية موضوعية سائدة في الوسط الذي سيُقبل على قراءة وتوظيف النصوص المختارة؟ أنا هنا لا ولن أطلب منهما الكتابة تحت الطلب بل القصد أن رهان قراءة مثل نصوص السلسلة مرتبط بمدرسي الفلسفة أكثر من غيرهم وبالتالي مدرسي الفلسفة- والمؤلفان من خيرة مدرسي الفلسفة بالمغرب وكم ترجما وألفا في الفلسفة المدرسية معرفيا وبيداغوجيا-سيكونون مهووسين بتوظيف النصوص للإجابة على الإشكالات المطروحة في مفهوم الشخص ومحاوره، طبعا إلى جانب الاطلاع على مواقف بعض الفلاسفة من خلال جزء من متونهم الفلسفية؟



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: