تدريس الفلسفة وإشكال الاستقلال والإبداع الديداكتيكي.

التصنيف




تدريس الفلسفة من زاوية مسكوت عنها.




متى سيتم الحسم في طبيعة العلاقة بين البيداغوجيا وتعليم الفلسفة كمادة دراسية تقتضي ديداكتيكا خاصة باعتبارها طريقة في التدريس تتناسب مع طبيعة المادة المدرسة؟ لماذا يجتر مدرسو مادة الفلسفة والباحثون في تعليم الفلسفة نفس الإشكال من دون التقدم في الحسم والاهتمام بقضية تطوير وتنمية الدرس الفلسفي، وفتح المجال للإبداع والبحث؟ لماذا لا يطبقون ما يدعون إليه من عقلنة وحداثة بدل اجترار نفس الإشكالات وطرق التدريس من دون التقدم في تقديم حلول تساهم في تطوير وتنويع تدريس الفلسفة، وليس مراوحة نفس النقاشات التي قد تغدو بيزنطية كما يقال.

يشاع أنه في بداية التسعينات ،حصل صراع صامت وتحت الطاولة بين مدرسي الفلسفة بالجامعة وبين شباب من الباحثين في مجال البيداغوجيا ذات المرجعية الكندية والبلجيكية والأمريكية...
حول من له الأهلية في تأليف الكتاب المدرسي لمادة الفلسفة ؟ وهل نفهم من انتقاد المنحى الإيديولوجي للكتب المدرسية لمادة الفلسفة ما قبل التسعينيات ،أنه تبرير للقطع مع الإيديولوجي ( محمد عابد الجابري.سامي النشار ) وبداية ردّ الاعتبار للبيداغوجي في تدريس مادة الفلسفة؟

من عاش تجربة تغيير مقررات الفلسفة بداية التسعينات من القرن الماضي ،سيكتشف لا حقا كل الموجات البيداغوجية التي دخلت هي الأخرى في دوامة التجريب والاجترار غير بريئة ومُعافاة من الإيديولوجيا....وهل إصدار دفاتر فلسفية ، نصوص مختارة تدخل في ذاك الصراع الخفي بين الفلسفي والبيداغوجي، وكيف نفسر السيولة غير العادية لعدد من المؤلفات حول بيداغوجيا الأهداف والكفايات وبيداغوجيا الإدماج وكتب حول الوضعية المشكلة....ليتم إغراق السوق بشكل يفوق الحاجيات المطلوبة، ليحتدّ الصراع التجاري بين البيداغوجيين أنفسهم....لكن سيخبو الصراع في نهاية السنوات القليلة الماضية ،بسبب دحول الشبكة العنكبوتية على الخط، وظهور مدونات ومنتديات فلسفية كان الولوج إليها أسهل من الكتب الورقية.

الغائب في هذا الصراع، هو قلة إن لم أقل غياب البحث عن طرائق تدريس الفلاسفة للفلسفة. كيف يدرس فيلسوف الفلسفة كمادة دراسية؟ ( يتعلق الأمر بتجربة الفلاسفة الذين درّسوا الفلسفة  برحاب الجامعة )وهل بإمكان الفيلسوف خوض تجربة تدريس الفلسفة في الثانوي مع تلاميذ مراهقين ؟ قد يكون التدريس بالمحاضرة في المدرج أسهل من التدريس بالتفاعل المباشر مع المتعلمين في التعليم الثانوي التأهيلي؟ وأتساءل كيف لديكارت أن يرفض تدريس الفلسفة بزعم أنه ميسور أم كان يعلم بأن التدريس يقضتي قواعد منهج غير التي سطّرها العقل كما تصوره هو نفسه، وأن قواعد منهج تتعامل مع عقل المراهق أو الطفل تقتضي شروطا فلسفية الفيلسوف نفسه عاجز عن تحديدها، ليظهر البيداغوجي كوسيط ،ويحل مشكلة تنابذ الخطاب الفلسفي مع الواقع التدريسي وحتى الفضاء العمومي.تمنيت لو كتب أحد طلاب شوبنهاور تقييما لطريقة تدريس شوبنهاور التي نفر منها معظم طلابه بينما استحسنوا طريقة تدريس هيغل، وربما هذا من بين العداوة بين الفيلسوفين؟ مع الأسف كثيرا ما يتم الخلط بين محاضرة فيلسوف وبين درس فلسفي مدرسي، وأتساءل هل يمكن أن  يتوفق فيلسوف في تدريس فلسفته للطلاب المراهقين أو الفلسفة عموما وليس بالضرورة فلسفته؟ إن عجز عن ذلك فما مبرر وجود تدريس الفلسفة كمادة دراسية؟ وكيف يوكل تدريسها من قبل مدرس ليس بفيلسوف ؟ وهل شرط تدريس الفلسفة أن يكون المدرس فيلسوفا، وهل التكوين الفلسفي والبيداغوجي لمدرسي الفلسفة في مراكز خاصة له شرعية تدريس الفلسفة كمادة دراسية؟....كيف نفسر حضور فلسفة فيلسوف كمادة دراسية صاحبها يعجز عن تلقينها بيداغوجيا، بينما مدرس مادة الفلسفة يتقن تدريسها؟ قد لا يكون الأمر صعبا بالنسبة لفيلسوف درّس الفلسفة كمادة دراسية في التعليم الثانوي مثل الفيلسوف الفرنسي " ميشال أونفراي"، لكن في أحد الأشرطة المصورة إعترف ميشال أونفراي بأنه كان يستهجن الكتب المدرسية والأطر المرجعية بل كان يستهجن ملاحظات المراقب التربوي ويتحداه ولا يأخذ بتعليماته ويتمرّد على المنهاج !!!!!!!...وكان يدرس مادة الفلسفة بما هو مقتنع به شخصيا وليس وفق أطر مرجعية تطرح نفسها كتوجيهات تربوية مفروضة مؤسسيا. وهذا من بين النزعة الاستعلائية التي يُتهم بها ميشال أونفراي في كل فلسفته وحواراته وهذا ليس موضوعنا.حنى لوك فيري لما كان وزيرا للتعليم،أتهم مدرسي الفلسفة بأنهم يدرسون الفلسفة بطريقة سيئة،الأمر الذي جرّ عليه عاصفة من الاحتجاج والنقد والسخط.


ومع ذلك، يُحسب لكثير من الفلاسفة وخاصة الفرنسيين ،اهتمامهم بتدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي وعلى رأسهم جاك دريدا...بينما في المغرب نُسجل عزوف مدرسي الفلسفة بالجامعة عن الاهتمام بتدريس الفلسفة في الثانوي التأهيلي، وأيضا قضية تعليم الفلسفة للأطفال. وكثير منهم يعرف تعثرا ديداكتيكيا في تدريس الفلسفة بالجامعة بشهادة الطلاب.
ويمكن الرجوع إلى أعداد مجلة " فلسفة " التي كانت تُصدرها الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، والتي تضمنت عددا من المواضيع الخاصة بتدريس الفلسفة، ومنها ندوة مهمة حول تدريس الفلسفة بالجامعة ساهم فيها المرحومين محمد وقيدي ومحمد سبيلا وأخرون وكانت صريحة وكشفت عن عدة عيوب في تدريس الفلسفة بالجامعة وخاصة مداخلات سي محمد وقيدي وسأعمل على نشرها.
إذا كان مطلب الاستقلال الفلسفي والأبداع الفلسفي على مستوى إنتاج الفلسفة ، فما مدى إمكانية الحديث عن الإستقلال والإبداع الديداكتيكي في تدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي؟



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: