إبن خلدون : نقد أدب الفقهاء السياسي.2

التصنيف

إبن خلدون : نقد أدب الفقهاء السياسي.





وأنا أُنصتُ لمداخلة برهان غليون على شريط فيديو يُناقش فيه " انتصار" الفقهاء على المفكّرين والسياسيين المتخصصين، بسبب ما تسمح لهم به العديد من القنوات التلفزية وعلى رأسها قناة الجزيرة، الأمر الذي يُمكّنهم من استقطاب العوام ، تذكّرتُ ما قرأتُه في " مقدمة" ابن خلدون حول سياسة الفقهاء والكتّاب والفلاسفة، كما تذكّرتُ كتاب المفكر علي أومليل "السلطة الثقافية والسلطة السياسية". وبالتالي فالنقاش الدائر حول طبيعة الصراع يبن سلطة الفقهاء (الذين يحتلون مساحات واسعة في أغلب الفضائيات)والمثقفين الحداثيين أثناء لحظات تاريخية تتسم بالتحول من مرحلة إلى أخرى، لكن المشكلة تكمن في كونهم كما الفقهاء القدامى ،كما يقول علي أمليل:" يحاولون إدخال فن السياسة بمنطقها السلطوي والدنيوي تحت رداء الفقه ...إن الفقهاء اقتبسوا أدب الكتّاب السياسي، وحاولوا أن يحدّوه بحدود الشريعة، وقد سعوا من وراء ذلك إلى التأثير في السياسة الفعلية، وأن يثبتوا معرفتهم بالسياسة العملية لكي لا يظهروا بُعداء عنها، فيتقلّص نفوذهم داخل الدولة، كل هذا مع بقائهم شاهرين لدعواهم الأساسية وهي : أنهم وحدهم " الشهود " على مدى شرعية الحكم.ص 131.
ويضيف على أمليل:"وللتدليل على ضحالة الفكر السياسي الموروث، فإننا لا نحاكمه بالقياس إلى الفكر السياسي الحديث، وإلاّ حمّلناه ما يُحتمل، بل الرجوع إلى نقذ جذري وجّهه إليه أحد المفكّرين القدماء أنفسهم، وهو ابن خلدون.(ص 139)..لقد حكم ابن خلدون على " فكر الفلاسفة وفكر الفقهاء، وفكر الكتّاب حكما واحدا: فهي ليست من الفكر السياسي العلمي في شيء. والعلمية هنا ، بحسب ابن خلدون، هي ألا يختلط الخطاب السياسي بالذاتية المعيارية... وينتقد ابن خلدون أدب الفقهاء السياسي، والذين حاولوا فيه الجمع بين عموميات الشريعة ومقتضيات السياسة، ويختار ابن خلدون مثالا واحد من أبرز هؤلاء الفقهاء وهو الطرطوشس، وكتابه " سراج الملوك ". ابن خلدون ينقض المنهج الذي بنى عليه هذا الأخير فقهه السياسي. فالطرطوشي مثلا يورد مسألة سياسية، وبدل أن يتناولها بمنطق السياسي، فإنه- يقول ابن خلدون في مقدمته- يُبوّب للمسألة، ثم يستكثر من الأحاديث والآثار، وينقل كلمات لحكماء الفرس... وحكماء الهند...وغيرهم من أكابر الخليقة، ولا يكشف عن التحقيق قناعا، ولا يرفع بالبراهين الطبيعية حجاجا، إنما هو نقل وترغيب شبيه بالمواعظ ."(المقدمة). وابن خلدون يعتبر فقه الفقهاء السياسي ليس من علم السياسة في شيء. وتصوّره للعلم هو أن ينبني على معرفة بواقع المجتمع والسياسة، أو بحسب تعبيره:" العلم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات، واختلاف الأمم والبقاع والأعصار في السير والأخلاق والعوائد والنحل والمذاهب وسائر الأحوال، والإحاطة بالحاضر من ذلك ومماثلة ما بينه وبين الغائب من الوفاق، أو بون ما بينها من الخلاف (المقدمة). فلابد- يضيف على أمليل- إذا في رأي صاحب المقدمة من اعتبار تعدد المجتمعات وتغيرها بالتاريخ، فليس هناك نص ثابت حاكم يتحكّم في الواقع مهما تعدّد وتغير، أما منهج الفقهاء (ص 140)، أي القياس (أي رد أمور السياسة ردا تحكميا إلى نصوص قارة مجردة) فليس منهج علم المجتمع والسياسة. وهكذا فإن إغراق الفقهاء في التجريد والتحكم باعتمادهم منهج القياس الفقهي في ما يتعلق بقضايا المجتمع والسياسة هو الذي جعل ابن خلدون يقول إن :"العلماء من بين البشر أبعد الناس عن السياسة- لأنهم- يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهي، فلا تزال أحكامهم وأنظارهم كلها في الذهن... ولا تصير بالجملة إلى مطابقة، وإنما يتفرع ما في الخارج عما في الذهن من ذلك، كالأحكام الشرعية فإنها فروع عما في المحفوظ من أدلة الكتاب والسنة."( المقدمة) ويقيس عليه الوقائع السياسية التي تصبح عنده مجرد فروع تُردّ إلى الأصل النصي المحفوظ، وإذا لم يمكن إرجاعه، فهو إذن بدعة ينبغي أن تنبذ." ص 141.( السلطة الثقافية والسلطة السياسية.علي أومليل.مركز دراسات الوحدة العربية.الطبعة الثانية 1998.)
شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: