.السؤال البيداغوجي واستراتيجية بناء الدرس الفلسفي

التصنيف



السؤال البيداغوجي واستراتيجية بناء الدرس الفلسفي
( من إنجاز المرحوم المؤطر التربوي عبد السلام حمراوي .30/10/1998 )




تذكيرا ببعض الأبحاث المتعلقة بإنجاز درس فلسفي تواصلي بشروطه البيداغوجية والفلسفية أقترح عليكم بعض الأبحاث التي سبق لي نشرها ولم يتمكن المدرسون والمدرسات الجدد من الإطلاع عليها،(ورقة المرحوم عبد السلام حمراوي ) وهي في نظري مهمة لما تحققه من تواصل وإفهام سليمين للمضامين الفلسفية ومساعدة المتعلمين على التفلسف.عادة ما يهمل مدرسو ومدرسات الفلسفة التفكير في التحضير الكلي للأسئلة البيداغوجية وتمييزها عن الآسئلة الفلسفية أو على الأقل التحضير الذهني لها كأولوية في التواصل الفلسفي مع المتعلمين. وبالتالي السؤال البيداغوجي الواضح الصياغة والمقصد عامل أساسي في تأسيس درس فلسفي واضح المعالم.

الجزء الأول:  في التمييز بين السؤال الفلسفي والسؤال البيداغوجي.
من المشكلات المطروحة ضرورة التساؤل عن الفرق بين نمط اشتغال كل من السؤال الفلسفي والسؤال اليبداغوجي داخل الدرس الفلسفي.ورهان هذا الموضوع هو تأسيس تعليم فلسفي من خلال الانفتاح على مرجعيات قد تُساعدنا على ضبط الإشكالات النظرية، وذلك في أفق ملائمة النظري مع الديداكتيكي، وهذا الأمر يقتضي الانتقال من قضايا عامة تتعلق بالأشكلة والحجاج والمفهمة، إلى قضايا جزئية نستخرجها من الممارسة الفصلية.
وأول العناصر المطروحة للنقاش تتعلق بالتمييز بين السؤال الفلسفي والسؤال البيداغوجي، ضمن سياق تُطرح فيه قضية الأشكلة لأنها لحظة مُؤسسة للدرس الفلسفي، وذلك من خلال العملية البنائية للممارسة الفصلية والتي تهمّ مجال الاشتغال والتشغيل ( المُعلّم والمُتعلّم )، وبالتالي لدفع المتعلمين إلى إضفاء معنى على تعلّمهم، يقتضي الأمر حسبPhilippe Meirieu ( يمكن زيارة موقعه التالي: http://www.meirieu.com/ ) توفّر منهجية بيداغوجية باعتبارها نمط من التدبير داخل مجال العلاقات بين المدرس والمتعلّمين والمعرفة، وبالتالي إذا غلب عنصر على باقي العناصر اختلّ الدرس الفلسفي، مثلا إذا غلب عمل المدرس يترتب عن هذا الوضع تحوّل المدرس إلى سلطة يمتنع معها تحقيق الوظائف المطلوبة من نمط اشتغال السؤال البيداغوجي في بناء الدرس الذي يحتلّ المدرس كل مساحاته تاركا المتعلمين في ساحة اللامعنى.

ومعلوم أن السؤال الفلسفي يروم الكشف عن المضمون الفلسفي إما بتفنيده أو دعمه (التجربة السقراطية)، بينما السؤال البيداغوجي يهدف إلى ترسيخ مهارة أو تحقيق كفاية معينة( شرح، تفسير ، فهم...(
لكن الأسئلة الفلسفية تخضع لعملية التحويل الديداكتيكي ، إذ يعمل المدرس على ملاءمتها حسب إكراهات المؤسسة، مما يعني أن السؤال البيداغوجي سؤال مؤسسي يهدف إلى التعليم، لكن هذا لا يعني أن السؤال الفلسفي لابيداغوجي، لأن الخطاب الفلسفي ذاته لا يخلو من بيداغوجية مُحايثة وثاوية، والفيلسوف هو الفاعل الأساسي بالنسبة للمتن الفلسفي، لكن حين يحضر النص الفلسفي في الفصل الدراسي فإن المدرس هو الذي يُصبح الفاعل التربوي من خلال الكشف عن المضمون الفلسفي ومُلاءمته مع الحاجيات البيداغوجية للمؤسسة. وهنا تُطرح مسألة تحوّل النص الفلسفي إلى رهان بيداغوجي من خلال استجابة النص لسلطة أسئلة بيداغوجية تم تحضيرها بشكل دقيق، وهي لا تستهدف فلسفة الفيلسوف لذاتها، أو تُصبح هي المقصودة، بل يتم التعامل وظيفيا مع النص وحسب موقعه ضمن مسار الدرس.
وإذا كان السؤال الفلسفي يُربك المألوف، ويُسائل البداهات وكل ما هو جاهز، فإن السؤال البيداغوجي مطلوب منه تحقيق هذا الإرباك من خلال لحظة البحث في الدلالات كلحظة بيداغوجية تتباعد عن المألوف ببناء المفاهيم دلاليا قبل بنائها فلسفيا في سياقاتها الفلسفية وبالعلاقة مع الرهان البيداغوجي الذي من خلاله يحضر نص فلسفي ما. من هذا المُنطلق يُسائل السؤال البيداغوجي التمثلات الطبيعية، ويستخرج التعارضات والمفارقات في أفق التحضير للأشكلة ومن ثمة بناء عملية التفكير (التحليل والمناقشة والتقييم.....) إلا أنه ، وكما هو معلوم تُخفي اللفة الأسئلة وتكتفي بالأجوبة، ولكن هذا لا يعني أن الفلسفة لا تهتم بالجواب ( أو البحث عن حلول للإشكالات المطروحة) بل الجواب هو إمكان من إمكانات الفلسفة، إلا أن الجواب في الفلسفة مُتعلّق بكيفية طرح المدرس للقضايا موضوع الأشكلة والتفكير.


إن السؤال الفلسفي ليس مجانيا، وليس هو سؤال الآخر، إنه سؤال الوعي بالتجربة وبالكينونة، إنه سؤال الذات، مما يعني أنه لا يمكن طرحه نيابة عن الذات ( هنا دور الفيلسوف باعتباره مُبدع لأسئلته بذاته)، بينما السؤال البيداغوجي ليس سؤال الذات بل هو سؤال الآخر، هذا الآخر الذي يدفع الذات إلى التعلم كما يقول Meirieu . وكما يقول " باشلار ":إننا نعرف ضد معرفة سابقة" ، مما يعني أن التعلّم الحقيقي هو الذي يؤدي إلى الانفتاح على الجديد.
ومن مميزات السؤال الفلسفي، أنه يتطور مع الوعي النقدي للمعيش وللبداهات، وهذه الميزة هي أساس المشروع الفلسفي، وبه فُتحت الطريق إلى ظهور الفلسفة ( السؤال الطاليسي). ويمكن الرجوع إلى قراءة نيتشه في كتابه حول : الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي"، من خلال تأويله للسؤال الطاليسي "ما أصل العالم، والاشتغال على الجواب: ماء. وكيف استخرج نيتشه من السؤال والجواب أو مبدأ فلسفيا في تاريخ الفلسفة : الكل واحد.وبالتالي تفسير الطبيعة باالطبيعة
هكذا هي الفلسفة باعتبارها مُساءلة إستراتيجية لمجالات متعددة...، والسؤال البيداغوجي أيضا ليس سؤالا مجانيا بل يستهدف الآخر بهدف بناء الوعي النقدي للمتعلم ومن خلال مسلك بيداغوجي يُراهن على إحداث تحويل أو تحوّل في الآخر.
الجزء الثاني:
*- مواصفات ومقتضيات السؤال البيداغوجي
1- من المعلوم أن للسؤال البيداغوجي طابعا وظيفيا على واجهتين:
أ- فهو يُساير الدرس في كل خطواته، ومن ثمة فهو يخدم مرحلة من مراحل الدرس.
ب- كون السؤال البيداغوجي تجزيئي ، ولحظة التجزيئ هته هي التي تجعل الفعلين التربويين عبء تحمّل تدبير تمفصلات بناء الدرس، والوعي بالأسئلة المناسبة بين كل تمفصل، ناهيك عن أسئلة التقويم التكويني المرافقة لتقويم تعلّمات التلاميذ.
3- كون السؤال البيداغوجي مطبوع بالتكرار، فهو لا يُطرح مرة واحدة وبنفس الصيغة، لأنه يُكرر بأشكال مختلفة بسبب كونه ذو طابع بيداغوجي.
4- يجب أن يحكم السؤال البيداغوجي مبدأ التدرج ، بمعنى إذ أراد المدرس أن يطرح قضايا مُركّبة عليه أن يطرح قضايا جزئية تُسهّل على المتعلمين التركيب.
مثلا قد نطرح سؤالا، لكن لا أحد من المتعلمين يُجيب، فيسود الصمت. هنا على المدرس أن يتساءل بخصوص السؤال، هل هو غير مصوغ بدقة؟ هل السؤال يفوق حاجيات التلاميذ؟ هل السؤال مُغرق في التخصص ؟ هنا يظهر دور البيداغوجيا ( وهنا يظهر حضور جان بياجي كمرجعية تُعيننا على الوعي بالاستراتيجية التعلّمية، بحيث المطلوب من المدرسة أن تُساير القدرات التعلّمية للمُتعلّم، وتقدّم لهم المعرفة حسب حاجياتهم ليتمكنوا من التفاعل الإيجابي معها.
ولهذ لكي يؤدي السؤال البيداغوجي هذه الأدوار عليه أن يكون سليما لغويا، ممّا يعني أن عدم التفكير القبلي للأسئلة البيداغوجية هو سبب كونها غير مفهومة بالنسبة للمتعلمين..من مثل:
- ماذا يمكن أن نقول عن هذا؟..!!!!!
- نعم هل من إضافةا؟....!!
- كيف يمكن فهم ذلك؟...!!!!
-ثم ماذا؟؟؟
............
مجمل لبعض تدخلات الاساتذة في هذا اللقاء التربوي بمدينة أزيلال 
1- ضرورة استحضار التجربة الكانطية في طرح السؤال
2- كذلك استحضار التجربة السقراطية، والتي كانت تطرح السؤال بعدة صيغ..
3- ربط السؤال البيداغوجي بالأهداف من تدريس الفلسفة، باعتبار أن السؤال البيداغوجي يجب أن يكون في خدمة الكشف عن رهانات السؤال الفلسفي.فالسؤال البيداغوجي ليس هدفا في حدّ ذاته، ولكنه مجرد وسيلة للوصول إلى تحقيق حدّ أدنى من التفلسف لحظة تنظيمه لمعارف وطريقة تنظيم المتعلّمين لمعارفهم من خلال فعل الجواب..
4- لكن السؤال البيداغوجي ممارسة يقوم بها المدرس، والسؤال الفلسفي من إنتاج الفيلسوف ، أو من إنتاج المدرس بناء على موقف فلسفي، لكن السؤال البيداغوجي يُثير ويُنظم فقط ما يمكن أن يخلقه السؤال الفلسفي من إشكالات. ولهذه الاعتبارات لا يجب الخلط بين نمط اشتغال السؤال البيداغوجي ونمط اشتغال السؤال الفلسفي.

5-طُرح مشكل موقع السؤال التقويمي ضمن مقتضيات السؤال البيداغوجي( مع العلم أن الدرس عبارة عن مسار مُنظم على شكل مقاطع ومراحل متناسقة وفق الأهداف التي حدّدها، والتقويم التكويني هو الأداة التي تضبط هذه المقاطع وتُصحّحها.فالتقويم التكويني يُجيبنا على سؤال أساسي وهو: هل التلميذ يُتابع بكيفية ملائمة مراحل الدرس؟ وبالتالي لا يخرج السؤال التقويمي عن مقتضيات كونه سؤالا بيداغوجيا من نوع خاص.
6-طُرح مشكل السؤال البيداغوجي ومسألة الحقيقة.كل من السؤال البيداغوجي والفلسفي، يُراهنان على إيقاظ الوعي من سُباته الدغمائي.هنا تُصبح العلاقة حميمية بين الدرس الفلسفي ورهانات المجتمع ما دامت الحقيقة صفة الجميع.الأمر الذي يقتضي التخلص من بعض الأوهام من مثل : في الثانوي لا ندرس الفلسفة، ولكن ندرس معرفة مدرسية تفرضها السلطات....!!!الأمر الذي يُشوّه الدور النقدي للمعارف الفلسفية، واعتبارها مجرد بضاعة يُمتحن فيها التلميذ آخر السنة.
7- طرحت قضية متى نطرح السؤال البيداغوجي؟ وكيف يُراعي السؤال البيداغوجي تعدد مستويات التلاميذ؟ وفي حالة ما إذا كان المقرر لا يأخذ بعين الاعتبار حاجيات التلاميذ، فما مصير الأسئلة البيداغوجية أمام هذه الوضعية.
لاغناء الورقة أعلاه ضمنت النقاش الوثيقة التالية




بعد قراءتي لهذا الجزء من الجذاذة أعلاه و التي نشرها موقع فيلوكوم لمدرس فلسفة من الجزائر،سجلتُ بعض الملاحظات التالية والمتعلقة بمقتضيات السؤال البيداغوجي.

لدي بعض الملاحظات حول طبيعة السؤال البيداغوجي للجذاذة.
-
مطلوب تنويع الصيغ الاستفهامية بالعلاقة مع مطلوب السؤال البيداغوجي بغاية فهم المتعلم قصدية السؤال البيداغوجي.وبالتالي لا معنى لتكرار الصيعة الاستفهامية (ماهي وما هو).مثال:
1. (
حدد ) مفاهيم النص المؤسسة والدالة على مقصود صاحب النص من القضية التي يعرضها؟ (لا يتعلق الامر بمصطلحات بل بمفاهيم منتقاة من اللغة الطبيعية لكن وظيفتها وطريقة نحتها وطبيعة علاقتها مع كلمات أخرى هي التي تعطيها صفة امتياز المفهوم.
2.( 
بـيـّـن) من هو صاحب النص ، وحدد زمان النص ضمن تاريخ الفلسفة.(أهمية الاضاءة التاريخية في فهم قضية النص)
3. (
أوضح ) سياق النص ومقصديته ضمن إشكال مميزات التفكير الفلسفي.
4.( 
أذكر) الاسباب التي كانت وراء القضية التي يثيرها صاحب النص....
قارن..
ميّز...
علّل لماذا ......
بهذه الطريقة يكون السؤال البيداغوجي دقيقا في طرحه بعيدا عن العموميات التي تشوش على فهم المتعلم للسؤال البيداغوجي.
يجب إعادة النظر في المحتوى المعرفي للجذاذة .








شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: