قضايا للنقاش:مفارقة الدرس الفلسفي بين الثانوي والجامعي.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر في الاختلالات المنهجية والمعرفية بين الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي والدرس الفلسفي بالجامعة، وما بينهما من مراكز التكوين التي يشتكي من أعطابها كثير من المتخرجين عبر ربوع المغرب.؟
أول الأسئلة ، هل يجوز بعد تجربة طويلة من استقلالية الجامعة في وضع برامجها التدريسية وخاصة بكليات الأداب والعلوم الإنسانية،الاستمرار في تجاهل القطيعة بين مُقاربات الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي والجامعي؟ فإذا كان البرنامج الفلسفي بالثانوي التأهيلي يخضع لأطر مرجعية ملزمة لجميع مدرسي الفلسفة ومنها " منهاج الفلسفة"،فإن الدرس الفلسفي بالجامعة لازال يخضع لاعتبارات ذاتية للمدرسين قد تتعلق بنوع تكوينهم وربما بمرجعيتهم الفكرية والإيديولوجية، وأعطي مثالا، يتعلق الأمر بجماعة الأستاذ عبد الإله بلقزيز أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء،ويُشاع بين الطلبة والعديد من المدرسين أن الفلسفة في هذه الجامعة يغلب عليها طابع الدراسات السياسية بسبب حكم اتجاه مدرسي الفلسفة، وجامعات أخرى يسود فيها مدرسون لهم تكوين أو تخصص معين، بل وصل الأمر إلى حد الجهر بتصنيفات أقرب إلى القبلية منها إلى العلمية، على سبيل المثال، صرّح الأستاذ محمد المصباحي في إحدى الاستجوابات بوجود "فلسفة فاسية" وأخرى "فلسفة رباطية"، وعلل هذا التصنيف بحجة أن المدرسة الرباطية مدرسة يغلب عليها الطابع الإيديولوجي الأمر الذي ترتّب عنه التعسّف على التعاطي مع نصوص الفلسفة الإسلامية وعلى رأسها ابن رشد ، ولهذا الغرض تم إنشاء جمعية فلسفية تهتم بتحقيق علمي للنصوص التراثية وهي :الجمعية المغربية ﻟﻠﺒﺤﺚ في اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻹﺳﻼﻣية، والثانية " الفلسفة الفاسية "!!! المتخصصة في تحقيق النصوص..بحيث أصبح من المألوف لدى طلبة الفلسفة خضوعهم لإكراه تكوين واستراتيجية المدرس ورهانه من تدريس الفلسفة حسب طبيعة ونوعية تخصصه، والنتيجة إسقاط هذا التكوين على الطلبة، يكفي الاطلاع على بحوث الطلبة عبر الخريطة الفكرية للجامعات لنفهم أن الأمر قد يرتبط بنوعية ورهانات المدرسين وليس طبق اختيار الطلبة الباحثين، وهذا له انعكاس على تدريسهم للفلسفة بالثانوي التأهيلي كما سأوضح لاحقا.
السؤال، إذا كان الدرس الفلسفي بالمغرب، يهم الالاف من المدرسين والتلاميذ من الجذع المشترك مرورا بأولى بكالوريا والثانية بكالوريا، فالأولى أن يتم التفكير في ربط الجسور بين الثانوي التأهيلي والجامعة، علما أنه من الناحية العددية طلبة الجامعة في الدراسات الفلسفية أقل بكثير من تلاميذ الثانويات التأهيلية.
مقارنة بين مضامين الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي والدرس الفلسفي بالجامعة.
( من منطلق التجربة الفرنسية " السؤال : لماذا نجد في فرنسا أن المدرسين الجامعيين ليست لهم نفس نظرة مدريسينا بالجامعات المغربية، على سبيل المثال نجد كل من جاك دريدا، ولوك فيري، وسبونفيل و ميشال أونفراي، وهنري بينا رويز...يعتبرون الدرس الفلسفي بالثانوي هو القاعدة الأساسية للدفاع عن وجود فكر فلسفي حقيقي، وسأطرح موقف هؤلاء من تجربتهم مع الدرس الفلسفي في بلادهم.)
سبق لمجلة " فلسفة " التي كانت تنشرها الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بالمغرب، أن قاربت هذه المشكلة المتعلقة بمدى التقاطع والتكامل بين الدرس الفلسفي بالمرحلة الثانوية التأهيلية والمرحلة الجامعية، وقد شارك في هذا النقاش الأستاذ سي محمد وقيدي، ومحمد مصباحي.... لكن ، مع الأسف، لم يتم إعطاء المشكل ما يستحقه من الاهتمام، علما أن تدريس الفلسفة بالجامعة لا علاقة له بتدريسها بالثانوي التأهيلي، بحجة شهادة الواقع والطلبة بعد تخرجهم بحيث يجدون صعوبة في التدريس بسبب كثير من أعطاب الدرس الفلسفي بالجامعة وخاصة بيداغوجية الدرس الجامعي المبنية على الإلقاء والإملاء أو من خلال " المُحاضرة"في شكلها الإلقائي. وفي نطري يجب إعادة النظر في طريقة تدبير الدرس الفلسفي بالجامعة، بحيث يعتاد الطالب في مرحلة الثانوي على بيداغوجية متطورة تأخذ بعين الاعتبار موقعه الوجودي داخل الحقل الفلسفي وتحليل االنصوص والنقاش المباشر ومواجهة كثير من الفلاسفة مباشرة عبر شذرات من متونهم الفلسفية، وقد يتعلق الأمر بنفس الفلاسفة ولكن في سياقات مختلفة( ديكارت، كانط، هيجل ، سبينوزا، دوركايم..)،إضافة إلى تعلم منهجية كتابة مقال فلسفي....، بينما في المرحلة الجامعية يصطدم بممارسات تعليمية تبدو أقل فعالية مقارنة مع الدرس الفلسفي بالثانوي التأهيلي، وفي النهاية وبعد التخرج يتم إعداد مدرس الفلسفة في مراكز التكوين وفق واقع الفلسفة في الثانوي التأهيلي وليس وفق التعليم الجامعي، ليكتشف الطالب بأن ما تعلّمه في الجامعة لاعلاقة له بما سيدرسه بالثانوي. السؤال كيف يتم ردم الهوّة بين الدرس الفلسفي بالجامعة ( معرفيا وبيداغوجيا وديداكتيكيا وحتى وجوديا ) والدرس الفلسفي بالثانوي، وهو بالفعل درسي حقيقي ومؤسس بيداغوجيا ومعرفيا بخلاف الدرس الفلسفي بالجامعة الذي يخضع لاعتبارات شخصية ومزاجية وأحيانا سياسية إن لم نقل " قبلية" بالمعنى المجازي للكلمة ( القبيلة الفاسية، والقبيلة الرباطية... وقد تضاف إليها قبائل من أكادير ومراكش ومكناس...على شاكلة القبلية التي غزت الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: بحيث أصبح لكل جهة جغرافية من المغرب تنسيقية خاصة بها!!!!)
المشكل الأخر ، يتعلق بمراكز التكوين، وهي الأخرى تشكو من اختلالات وأعطاب،إذا ما أضفنا إليها أعطاب التعليم الجامعي...الأمر الذي يضع المتخرجين في أزمة مهنية قاسية. وقد لمسنا هذا الواقع مع زملائنا الخرّجين الجدد وخاصة في اختبارات الكفاءة والسنوات الأولى من التدريس، وبالتالي يكون ذوي الأقدمية والخبرة إضافة إلى توجيهات السادة مفتشي المادة من خلال اللقاءات التربوية والدروس التجريبية هم المرجع لهؤلاء الخرجين وليس أساتذة الجامعة. السؤال متى نجعل من التعليم الجامعي أحد الأطر المرجعية لتدريس الفلسفة بالثانوي. طبعا لا أنكر أهمية ما يتلقاه الطالب الجامعي من معارف، ولكن علينا إصلاح المنظومة الجامعية فيما يتعلق بمادة الفلسفة حتى تنسجم مع رهانات الدرس الفلسفي بالثانوية، ودليلي غي ذلك اهتمام مدرسي الفلسفة بالجامعة في فرنسا وبلجيكا وكندا... بأهمية التعليم بالثانوي لأنه هو أساس التعليم الجامعي وليس العكس كما يُشاع عندنا مع الأسف. وكما قلتُ سأعود إلى هذه القضية.....
هناك مشكل أخر ينضاف إلى مأساة الدرس الفلسفي، والمتمثل في أن بعض المفتشين لمادة الفلسفة، يسألون المتخرج عن تخصصه...بالمحصلة لدى هؤلاء تفاضل بين طالب متخرج ذي تخصص في علم النفس وعلم الاجتماع، وبين طالب متخرج تخصص فلسفة عامة. وبالتالي يتم التنقيص من تخصص علم الاجتماع وعلم النفس!!!!
0 التعليقات:
more_vert