الدرس الافتتاحي للجذوع المشتركة. لماذا تم تأخير تدريس مادة الفلسفة إلى نهاية الطور الثانوي التأهيلي"

التصنيف



الدرس الافتتاحي للجذوع المشتركة.  لماذا تم تأخير تدريس مادة الفلسفة إلى نهاية الطور الثانوي التأهيلي"




  سأشرع في اقتسام تجربتي الفصلية المتواضعة في تدريس الفلسفة من خلال فتح حدائقنا الخلفية ووضعها أمام محكّ النقد والتصحيح وتبادل الخبرات، وذلك في إطار تطوير الدرس الفلسفي والخروج من شرنقة الكتمان إلى البوح الهادف بعبق التضامن البيداغوجي.

1- الدرس الافتتاحي لمادة الفلسفة. مستوى الجذع المشترك.

  أفترض أن تلميذ الجذع المشترك،يُقبل لأول مرة في حياته على تعلّم الفلسفة أو بالأحرى التفلسف، ليكتشف من خلال هذا الوضع الجديد عالما لم يسبق له أن اطلع عليه. لهذا السبب من الأفضل إبداع وضعية مشكلة يكون رهانها وضع المتعلم نفسه موضع السؤال والاندهاش ، بدل ما كان ينتظره من الإجابة عن السؤال : ما الفلسفة ؟
  لهذا أقترح أن نطرح على المتعلمين السؤال التالي : ما هي أسباب تأخير تعليم مادة الفلسفة إلى مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي؟ وما هي المبررات التي لم تسمح بإمكانية تعلمها في مراحل سابقة من أسلاك التعليم ؟


  نفتح المجال للمتعلمين كي يقترحون ما يرونه أسباب تأخير تدريس مادة الفلسفة. ومن بعض تلك الإجابات يتم بناء أسباب ورهانات ذاك التأخير، الغاية هي اكتشاف المتعلم لذاته وهو مقبل على تعلم الفلسفة. لكن، مع توجيه الاهتمام إلى أن إمكانية تعلم الفلسفة مرتبطة بهم هم كأشخاص، وهم مقبلون على مرحلة عمرية تتطابق مع إمكانية القدرة على إدراك مختلف شروط التفلسف والقدرة على ممارسته. هذا الحقيقة ستُشعر المتعلمين بنوع من الغرابة والاندهاش إلى حدّ الإحراج، وتتمثل في أن المتعلم أصبح هو موضوع التفكير وليس الفلسفة ،أو بالأحرى أنه هو ذاته بوّابة لولوج عالم الفلسفة والتفلسف.ضمنيا وبطريقة لاشعورية سيطرح المتعلم عددا من الأسئلة " مَنْ أنا ؟ وبماذا أتميز حتى أصبحتُ قادرا على تعلّم الفلسفة والتفلسف؟ كي أكتشف هذا التحوّل فيّ وما هي مؤشراته ؟ وهل كنتُ على وعي به أم صُدمتُ بإثارته من قبل مدرس الفلسفة ؟ هل أنا بصدد الاعتراف بقدرتي على المُساءى وطرح الأسئلة والتفكير فيما  كنتُ أجهل ما أنا عليه، كيف تسكنني حقيقتي وأنا غافل عنها؟ لماذا لم يُطرح سؤال التفكير في ذاتي وفي علاقاتي بباقي الأشياء في البيت مع الأسرة أو في الشارع مع الرفاق..؟...إذن لابد من خلخلة المتعلم من خلال أسئلة بيداغوجية مُحكمة الصياغة وهادفة ـ تُساعده على العودة إلى الذات واكتشاف بنفسه ما كان يجهله... الآن الموقف يقتضي إثبات قدرة الذات على المواجهة بسلاح السؤال والرغبة في المعرفة ،وتحويل المجهول إلى معلوم. في هذه اللحظة الوجودية الفارقة، يُمكن تحويل الغرابة والاندهاش من تعثُر أو تأخر في إدراك حقيقة الذات التي أصبحت مؤهلة لتعلّم الفلسفة وممارستها،إلى قضية شخصية ثم إلى قضية تهم جيلا بكامله مهما كان الزمان والمكان،أي من خصوصية الذات إلى كونية المشترك كتجربة وجودية من خلال العلاقة بين المتعلم والفلسفة لأوّل مرة، مع العلم أنه مُحمّل بكثير من التمتّلات حول الفلسفة وهي في أغلبها تنتقص من قيمة وأهمية الفلسفة.
  فإن مواجهة المتعلم بمثل هذه الوضعية ، ستجعله ينخرط بوعي متيقظ في البحث عن اكتشاف الذات. بمعنى أنه مَعْنيّ بدراسة الفلسفة، وعليه أن يتحمّل مسؤولية هذه الوضعية التي خوّلتها له مرحلته العمرية، ومساعدته على إدراك الحق في الفلسفة.

الفلسفة والمراهقة أية علاقة؟

  من خلال الحوار مع المتعلمين حول مقتضيات تعلم الفلسفة والسن المناسبة لها، سيدركون بالتدريج أنهم وصلوا فترة المراهقة. وأن وزارة التربية الوطنية برمجت تدريس الفلسفة لأسباب تراها مقولة بالرفم من وجود أطاريح تدافع عن إمكانية تعليم الفلسفة للأطفال بطريقة تستهدف تنمية التفكير لديهم، وهذا سيجعل المتعلم يُقدّر مدى أهمية هذا الاعتراف، وأكيد ستكون له نتائج إيجابية على طريقة تفكير وسلوك المتعلم المُراهَق.


   إذن، السبب الأكثر واقعية هو افتراض تناسب تعلم الفلسفة مع سن المراهقة. السؤال : ما الذي تتميز به مرحلة المراهقة وسيكون مبررا أو أرضية لتعلم الفلسفة وممارستها من خلال فعل التفلسف؟
   أولا، يتم الاشتغال على المفهوم الشائع عن المراهقة عند عامة الناس، وهذه مرحلة حاسمة في إعادة تشكيل ما يحمله المُتعلم عن مفهوم المراهقة وتخليصه من " الدوكسا ". المراهقة عند عامة الناس لها معنى تحقيري " التبرهيش "!!! غياب النضج !!!والاهتمام بالشكليات والتشويكات والجديد في " الموضى" من أجل التباهي....!!!لكن المراهقة من الناحية العلمية غير ما يُشاع عنها. ومن الأفضل أن يركز المدرس على الجوانب التي من شأنها تشرط فعل التفلسف والقدرة على تعقيل الذات لذاتها ومن خلال علاقتها بالآخرين.
تتميز المراهقة بميزتين هما من شرط التفلسف:
- الأولى،أن مرحلة المراهقة هي مرحلة " التمركز الذهني حول الذات " بسبب التطور البيولوجي (الجسدي ) وما يرافقه من تطور وجداني ونفسي عقلي وأخلاقي، هذا التحول الطبيعي في الانوجاد، يتم بموجبه الانتقال من عالم الطفولة ( عالم اللعب ) إلى عالم بداية الرشد ومن علاماته تحويل الذات إلى موضوع للتأمل والتفكير. ومن الطبيعي أن كل من يتأمل ويفكّر في الذات سيُنتج نظريات انطلاقا من فرضيات قابلة لأن تتحول إلى تفكير وازن. هذا الوعي بالذات، وجعلها موضوعا للاهتمام والتأمل ومحاولة إعطائها معنى ،يُفضي بالضرورة إلى الرغبة في الدفاع عن تلك النظريات أو الفرضيات الأمر الذي يضطر معه المراهَق إلى الدخول في حوار مع أقرانه من الجنسين....لهذه الاعتبارات سيتم لاحقا استثمار هذا الشرط من خلال الموقف الديكارتي وتفسيره فيما بعد من قبل هوسيرل...
- الثانية، وبالموازاة مع الشرط الأول، تظهر لدى المراهق الرغبة في ، أولا ، التحرر والشعور بالاستقلالية ...، وثانيا، القدرة على تحمل  المسؤولية، وهذه مؤشرات على بداية نضج البعد الأخلاقي في شخصية المراهق.


   لهذه الاعتبارات يجب أن يدرك المراهق حقيقته التي لم يكن يدركها بالوجه الأصح ،إمّا بسبب جهل الوسط السوسيوثقافي المحلي  لهذه الخصائص أو تجاهلها بسبب أولويات أخرى تتدخل فيها العادات والتقاليد والأمية...
   بالمحصلة ، الطريق إلى التفلسف يمر أولا عبر تفلسف الذات لذاتها ومن خلال مساءلة حقيقتها، وبدون وضع المتعلم المراهَق في هذه الصورة من الوجود الجميل، وليس كما يُشاع، سيحترم المتعلم مادة الفلسفة، وسيدرك من تلقاء نفسه أنه معني بهذه المادة، بقدر ما هو معني بإعادة اكتشاف نفسه، أولا في مجزوءة الثقافة والطبيعة، ثم من خلال مجزوءة : ما الإنسان وما هي مختلف فاعليته ثم من خلال مجزوءة الوضع البشري......وأخيرا مجزوءة الأخلاق...إنها رحلة طويلة وشاقة من اكتشاف الذات، ولكن البداية في هذه الرحلة يجب أن تكون سليمة ومُفكّر فيها،إننا نحن مدرسي الفلسفة، نراهن على تكوين شخص يعي ذاته ، وأهمية الوجود بالمعية، كشخص اجتماعي وتاريخي،وضرورة البحث عن حقيقة العالم الخارجي، وإدراكه لقيمة العيش في دولة الحق والقانون وأخيرا إدراكه لما يتطلبه سلوكه من ضوابط أخلاقية...



  1.    ليست لحظة الجذع المشترك، كما يعتقد البعض عن خطأ، أنها لحظة استراحة مقارنة مع الثانية بكالوريا، وعدد من مدرسي مادة الفلسفة يتحاشون تدريس الفلسفة للثانية بكالوريا وما تتطلبه من إكراهات بيداغوجية وديداكتيكية مرتبة أساسا بالإمتحان الوطني، بل إن ما سنزرعه في الجذوع المشتركة سنحصده في الثانية بكالوريا، بل حتى في المرحلة الجامعية حيث التخصص بشروط أكثر صرامة وعلمية.


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: