مفارقات بيداغوجيا الدرس الفلسفي.مداخلتي في لقاء تربوي2015

التصنيف

 


مفارقات بيداغوجيا الدرس الفلسفي



مداخلتي في لقاء تكويني لفائدة مدرسي الفلسفة الجدد تحت إشراف السيد مفتش المادة الأستاذ رشيد العلوي.
2015/11/11
.

1-    يواجه مدرس الفلسفة مجموعة من المفارقات تنتُج عن صعوبة التوافق بين قطبين أساسين هما القطب الفلسفي، كما أُبدعت وتجلّت عبر تاريخ الفلسفة، وقُطب تحويل الفلسفة إلى مادة قابلة للتدريس،مُمأْسسة وما يقتضيه هذا من إجراءات بيداغوجية وديداكتيكية توظف من خلال مقاربة  الفلسفة خدمة لغايات ومرامي المؤسسة، الأمر الذي يجعل الفلسفة تتعالق، مُرغمة، من أهداف سياسية وأخرى اقتصادية واجتماعية.
2-   
ومدرس الفلسفة بالنهاية هو المنوط بتحقيق أهداف مأسسة الفلسفة، وهنا تبدأ المشاكل وتتزاحم المفارقات.
3-   
أتساءل، إلى أيّ حد يمكن الاستفادة من مواقف الفلاسفة أنفسهم حول تعليم الفلسفة، وكثير منهم قام بتدريسها، بل وكتب ونظّر في الموضوع مثل كانط وهيجل ونيتشه وهيدجر ودريدا وآخرون، إضافة إلى الاستفادة من مفكري ومنظري البيداغوجيا من أمثال فرانس رولان وفريديريك كوسيطا وهنري بينا رويز..وأخيرا ميشال طوزي ومَنْ معه ؟
4-   
أتساءل، كيف يجمع مدرس الفلسفة وظيفيا بين الخطاب الفلسفي حول تدريس الفلسفة، وخطاب العلوم البيداغوجية ، وكيف نفسّر خلفيات الجدل بينهما وهل تجوز المقارتة التفاضلية بينهما ،وهل من الممكن الحسم في ذاك الجدال : هل للفلسفة بيداغوجيتها أم تنفتح على مستجدات العلوم البيداغوجية " البرّرانية " ؟
5-   
كيف نتعاطى مع ديمومة وسفر وارتحال الخطاب الفلسفي في بحثه عن الحقيقة، حقيقة الذات في علاقتها بالغير والطبيعة، مقارنة مع القطائع الإبستمولوجية لتاريخ العلوم البيداغوجية ؟ واحتكامنا إلى التاريخ يشهد بتكذيب بعضها للبعض، وتبادل الاتهامات بالفشل والقصور، بينما المواقف الفلسفية بخصوص التدريس تحيا في فضاء من الخلاف في التأويل بغية السيادة وليس التكذيب، كمثال الموقف الهيجيلي المخالف للموقف الكانطي، وموقف هيدجر مقارنة مع نيتشه...ولازال النقاش مستمرا إلى اليوم من خلال موقف كل من دريدا وسبونفيل ولوك فيري وميشال أونفراي...
6-   
أتساءل، كيف للاتاريخي أن يعقل ويُفعّل التاريخي، وهو يحمل قابلية تكذيبه في ذاته كقصور محتمل في أداء وظيفته، علما أنه يزعم المطابقة بين التقني/ المهني والفكر الموسوم بالحرية والإرادة والانفتاح على الممكن ؟ وهذا حال تجاوز البيداغوجية الموضوعية للبيداغوجيا المعيارية، وفي نفس السياق " تجاوز " بيداغوجيا الكفايات لبيداغوجيا الأهداف التجزيئية ؟ والجديد أو التجديد في المستقبل.
7-   
أتساءل،إلى متى هذا التجريب البيداغوجي للفكر الفلسفي وهو يتحول إلى مادة تدريسية "؟ وإلى أي حد يُربك عمل المدرس الرهان الفلسفي نفسه. يمكننا الانفتاح على بعض الأمثلة من مفارقات التعالق بين الفلسفة والعلم البيداغوجي في ساحة التعلّم والتعليم، في أفق الوعي بالمشكل وتجاوز مفارقاته لحظة بناء الدرس الفلسفي :
أ‌-    من بين رهانات بيداغوجيا الكفايات تحقيق نتائج مباشرة تُفضي إلى النجاح، وذلك من خلال تطبيق ما تعلمه المتعلم من معارف ( وهل الفلسفة معرفة بالمعنى التقني والمهني ) ومهارات في سياقات جديدة. لكن الفلسفة مُضي في الطريق كما قال هيدجر، وترحال لاستكشاف الممكن عبر الاندهاش والشك والسؤال والتساؤل والنقد ومن ثمة هدم البداهات...وبالتالي هل يمكن التمييز بين الزمن الفلسفي ولازمانية العلوم البيداغوجية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف آنيا من خلال تمارين وأشكال للتقويم، بينما لا يُمكن تطبيق التفلسف كما تطبّق النظريات الاقتصادية والسياسية والعلمية ؟!!
ب‌-     تتجلى هذه المفارقة/الإشكال في كتاب التوجيهات التربوية في الصفحة الثالثة، حيث يتم الخلط بين أهداف البيداغوجيا المعيارية وإصرار بيداغوجيا الكفايات على تنزيل النتائج في الميدان، وهو ذات الخلط بين الرغبة والواقع، وخاصة في ظل فشل كل محاولات إصلاح المنظومة التعليمية، والدرس الفلسفي جزء منها. نقرأ في كتاب التوجيهات التربوية التالي:" ..ممارسة التفكير النقدي الحر، التشبّع بقيم التسامح والمساواة والنزاهة والسلم والمواطنة والكونية.."
ت‌-    وأتساءل، كيف يتم أجرأة هذه الغايات وتقويمها في الدرس الفلسفي في أفق تحقيقها في الممارسة؟ وكم من الزمن تقتضيه هذه الغايات حتى تُصبح جزء حيويا من ثقافة المُتعلّم ؟ وهل ينتهي الفعل الفلسفي على مشارف الامتحان الوطني للباكلوريا  أم الفلسفة، كطريقة خاصة في التفكير كما قال هيجل، هي مشروع وجودي سيرافق المتعلم طيلة حياته مهما كانت اختياراته المهنية ؟
ث‌-    وبالعلاقة أتساءل، هل تجسيد التفلسف ( بالرغم من اختلاف الفلاسفة حول طبيعة وشروط التفلسف) أقول هل هو شبيه بتحقق النتائج المباشرة للمعارف المهنية والتقنية وهي إحدى مجالات أشتغال بيداغوجيا الكفايات؟ حتى ميشال طوزي انتبه إلى هذه المفارقة،أي بين الممكن الفلسفي والحسم البيداغوجي في الدرس الفلسفي،إذ قال :" في الدرس الفلسفي لسنا بصدد إنتاج موضوع وإنما بصدد تكوين شخص وبناء فكر مستقل "
ج‌-    أتساءل، على سبيل المثال،هل الحكم الذي أصدره الفيلسوف الفرنسي " لوك فيري"Luc Ferry لما كان وزيرا للتعليم في الماضي القريب والذي قال : La philosophie est très mal enseignée dans nos classes، ينطبق أيضا على تدريس الفلسة في العالم العربي؟ اتهام صريح للمدرسين كونهم قاصرين فكريا ومنهجيا في تدبير الدرس الفلسفي...مما يعنى " كونية " مشاكل تدريس الفلسفة، مع وجود رغبة في تجويد التدريس من خلال الوعي بالمشاكل وإيجاد الحلول.
ح‌-    و ميشال طوزي ( عرّاب بيداغوجيا الكفايات ) يتخوف من "تحويل تدريس الفلسفة بالاهتمام بعملية الإنتاج على حساب المنتوج، وإهمال قيم الحقيقة باسم أولوية الذات المتعلمة."
خ‌-    ومن النتائج السلبية لعدم التوافق في ردم الهوة بين قيمة المعرفة الفلسفية ورهاناتها الإنسانية، وبين المطمح البياغوجي والديداكتيكي الهادف إلى تحقيق العقلانية والفعّالية للفعل التربوي، أقول هذه السلبية قد تُسقط الدرس الفلسفي في الشكلانية والتجريبية، واعتقال الفلسفي في جذاذات وجداول ، والبحث عن الجاهز والوصفات والنماذج، وهذا مع الأسف ما توفره سوق الفلسفة التجاري، الورقي والرقمي، بدل النزول إلى ماء الفلسفة والسباحة فيه مستعينين بتجربة الفلاسفة حول تدريس الفلسفة والاستفادة من مكتسبات العلوم البيداغوجية ليس كغاية في ذاتها / كما هو حاصل في الواقع، بل كسند يُساعد على تجلي الفلسفي في التفلسف وليس سرقة دروس جاهزة معروضة في الطريق وإملائها على المتعلمين!!!!!؟؟؟؟ وذلك في أفق تملّك آليات لا تتنكّر لحقيقة الفلسفة باعتبارها محبة للحكمة لا امتلاكها.
وأختم باعتراف مشيل طوزي ( وأعتبر هذا من ضمن نواياه اللاواعية بالرغم من تحمّسه لبيداغوجيا الكفايات) قال طوزي :" يجب مراعاة التوازن بين المرجعيات البيداغوجية وسمات الطريقة الفلسفية وإلا سيُصبح فعل التدريس مجرّد تطبيق لتقنيات بيداغوجية بدون أفق فلسفي." وهذا ما هو حاصل بالفعل في تدريس الفلسفة بالمغرب والتعميم غير وارد.
أستحضر موقف ابن رشد  من الحكمة والشريعة، وموقف كانط من التجربة والعقل...في إطار مفارقات التعالق بين الفلسفي والبيداغوجي، لأتساءل عن فصل المقال في تقرير ما بين الفلسفة والبيداغوجيا من اتصال.



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: