ماذا بعد تقديم وشرح مكونات أطروحة فيلسوف ما؟

التصنيف

 



ماذا بعد تقديم وشرح مكونات أطروحة فيلسوف ما؟


لا تُعطيني سمكة بل علّمني كيف أصطادها.

1--عدد من المواقع الرقمية الخاصة بتدريس الفلسفة ،حولت تدريس الفلسفة،تحت ضرورة التحويل الديداكتيكي للفلسفة،إلى فضاء بيداغوجي- تقني، وتكون بذلك ابتعدت عن التفكير الفلسفي وتاهت في التدبير البيداغوجي كغاية وليس كوسيلة للإرتقاء الفلسفي. وهذا من بين أسباب إفراغ الدرس الفلسفي من بعده الفلسفي ومدى تمثله للذات والواقع كخطوة ضرورية للإجابة عن السؤال : ما الغاية من تدريس الفلسفة؟وهل نحن في حاجة إليها؟

2- بعد الانتهاء من تحليل إشكالات مفهوم معين بتوظيف نصوص وظيفية، ما الذي يحتفظ به المتعلم كي يتخلص من الاستغراق في الواقع اليومي ومُساءلة هذا الآخير بجعله موضوعا للتفكير والتأمّل؟ كيف يمكنه التحرر من السرد الفلسفي المعطى إلى توظيفه في مُساءلة الذات والواقع اليومي؟ مثلا، بعد تحليل موقف جون لوك من مقتضيات الهوية الشخصية، كيف يكون جون لوك حافزا ليقظة المساءلة الفلسفية لدى التلميذ ، والتي من شأنها تغيير طريقة تفكير وسلوك المتعلم؟  ما مبرر الانتقال من جون لوك ( إشكال النص ومفاهيمه وحجاجه وأطروحته..)مثلا، ما تأثير مفهوم " العينية " La mêmeté،أي أنا هو أنا بالرغم من " تماسف " ( من المسافة) بين الماضي والحاضر ؟

هل يروم هذا المفهوم وسياقه مساءلة تحمل الذات (الأنا ) لمسؤولية أفعالها مهما تقادمت أفعالها؟ هل ينتقل بنا جون لوك إلى إشكال فلسفي متعلق بمقتضيات الهوية وما أساسها إلى إشكال قانوني وأخلاقي؟ ما الأسئلة البيداغوجية التي من شأنها الانتقال من الفلسفي المدرسي إلى مساءلة المتعلم لذاته وهو يكتشف مع جون لوك أنه هوية ممتدة من الزمن الماضي حتى حاضره،ويلعلب فيها التتذكّر دور الاسترشاد، وبالتالي فهو مسؤول عن أفعاله؟ هنا سيصبح المتعلم هو موضوع الإشكال وليس جون لوك.بمعنى سيعي المتعلم أن جون لوك أيقظه من الاستغراق في الواقع اليومي، ودفعه إلى مساءلة والتفكير فيه.عليه أن يعيد النظر في حاضره لأنه سيكون يوما ما تاريخا سيحاسب عليه،لأنه في النهاية هوهو.

هكذا ينقلنا جون لوك من إشكال فلسفي يتعلق بالهوية الشخصية إلى إشكال قانوني وأخلاقي، يحضر فيه التاريخ وطبيعة العلاقة مع الغير.فالتذكّرليس فقط شخصيا، بل أيضا يذكّرنا به القانون والمطلب الأخلاقي.وهذا ما يفسر لجوء المتنافسين في الانتخابات إلى ماضي المنافس للكشف عن ما من شأنه يورطه قانونيا وأخلاقيا ويفضحه أمام الناخبين ( هذا يحصل في الدول الديمقراطية، وأستثني ما يقع في غيرها من الأنظمة السياسية حيث يصبح الفاسد مُبجّلا والنزيه مذموما ) وهذه مفارقة لم تستطع الفلسفة السياسية فهمها.وهذا موضوع آخر سيكون موضوع نقاش في مجزوءة السياسة والأخلاق.

إذن الرهان هو دفع المتعلم إلى حمل الهمّ الفلسفي معه إلى الفضاء العمومي، وحتى لا يبقى حبيس الفصل والامتحان الوطني.هذا جزء من المقاربة ويمكن للمدرسين التوسع في ربط الدرس الفلسفي بحياة المتعلم بشرط أن يكون محور النقاش.

نفس المنحى،أي توريط المتعلم في التفاعل مع مواقف الفلاسفة، وليس فقط حفظ أطروحات نصوصهم الجزئية، يمكن نهجه مع باسكال أو سارتر مثلا. فالأول في نصه الافتتاحي يبدو أنه خلُص إلى صعوبة تعريف الشخص.وهذه مشكلة تتعلق بتقطيع النصوص، الأمر الذي يُلزم مدرسي الفلسفة بالرجوع إلى موقع النص في المتن الفلسفي...المهم، يتحفظ باسكال على إمكانية معرفة الشخص بالعقل وحده....ويدافع عن المعرفة الروحية المتمثلة في المسيحية خصوصا ،وعن طريق المعرفة القلبية /هي التي تساعدنا على فهم الشخص في هذا الإطار الديني المسيحي.

السؤال، ما الأسئلة التي يمكن من خلالها إشراك المتعلم وتوريطه، كما مع جون لوك، في اتخاذ موقف شخصي من الصراع بين العقل والقلب في فهم الشخص ليصل فيما بعد إلى الكلي؟وهذا إشكال ربما سيحرج المتعلم ،من منطلق أن فيلسوفا يدافع بخلفية مسيحية عن تصور هذه الأخيرة لمفهوم الشخص.ربما قد يقوم بطريقة لاواعية بانزياح نحو مفهوم الشخص في الدين الإسلامي.وربما قد يقارن بين وضعية الأشخاص المسيحين والأشخاص المسلمين.السؤال كيف سيضبط المدرس هذا الانزياح بسبب تدخل عامل ميتافيزيقي في تحديد مفهوم الشخص.وربما في لاوعيه أو وعيه أن مفهوم الدين الإسلامي للإنسان أرقي وأفضل من ما يعتقده بقية البشر( وكل الديانت تُقرّ بأن تابعيها هم أفضل الأقوام).وحتى لاينفلت النقاش مع المتعلمين إلى تخوم لافلسفية ، مطلوب من المدرس التحضير القبلي والجيد لمآلات الدرس ومخرجاته.

مثلا مع سارتر، سيكون الإشكال أكثر حدة من النقاش مع باسكال.هذا في حالة إذا كان المدرس أمينا في تقديم موقف الفيلسوف من دون تجزيئ يشوه موقف الفيلسوف.وقد كتبت في مدونتي موضوعا حول هذا الإشكال رابطه هو كالتالي:

 https://sidphilo.blogspot.com/2019/12/blog-post_20.html

 

إذن لا يقف درس الفلسفة عند الشكليات البيداغوجية التقنوية، بل المطلوب " تفجير " الإشكالات بانفتاحها كما أغفله تقطيع النصوص والذي يشوّش على انسجام المُعلن عنه مع حذف ما يفسره.كما وقع مع نص سارتر أعلاه.

ولمّا  يتحول درس الفلسفة إلى سرد وإملاء المطولات أكيد سيشعر المتعلمون بالملل،لأنهم لايجدون أنفسهم في ما يُدرّس لهم، والذي لا يخرج عن شرح وتفسير ما قاله الفيلسوف وربما بأقل ما قدّمه الفيلسوف  نفسه وكأننا بصد تحليل يشبه تحليل " التلاوة المفسرة " في الإعدادي.

شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: