بيان من أجل الحقيقة، هل فشل تدريس مادة الفلسفة بالمغرب؟
من صديق للفلسفة إلى من يهمهم الدفاع عن تدريس مادة الفلسفة .
ما مدى صحة الافتراض التالي : معظم تقييمات تدريس الفلسفة بالمغرب سلبية ،
وتنتقد المنظومة التعليمية ككل( بخلفياتها السياسية والإيديولوجية ) ومنها كل
الأطر المرجعية ،ومنها الكتاب الأبيض والمنهاج والمذكرات الوزارية المنظمة
لمقتضيات تدريس الفلسفة وغيرها ....وكل هذه الأطر المرجعية انوجدت في سياق الميثاق
الوطني للتربية والتكوين ولواحقه
وتحييناته وهي عند البعض والمسؤولين وثيقة
مقدسة ملزمة في أهدافها ومراميها الاستراتجية ومنها الغاية من تدريس مادة
الفلسفة......والحالة هذه إذا كان تدريس مادة الفلسفة فاشلا، فما مبرر الا ستمرار
في تدريسها ؟ وهل المنتقدون من مدرسات ومدرسي مادة الفلسفة هم خارج تجربة الفشل،
والسؤال من أية مرجعية يدرسون مادة الفلسفة؟ ما تفسير شيوع الأنماط الجاهزة في
تدريس مادة الفلسفة ومنها الإنشاء الفلسفي؟ أليس منتجو تلك الأنماط الجاهزة
والمصححون من مدرسات ومدرسي الفلسفة؟ هل يتعلق الأمر بواقعة إلهاء الرأي العام الفلسفي
وتعويم الدرس الفلسفي في متاهات شكلية وبراغماتية يلتقطها المتعلمون المراهقون
كوسيلة للتحصيل على نقط عالية موجبة للنجاح كما يراهن " تجار " الدروس
الفلسفية على ذلك، بل وصل بهم الأمر إلى تحديد مقومات إنشائية تضمن نقطة 14 أو 17 أو 20!!!!!!!!.
طيب ما هي عناوين هذا الفشل المفترض؟ يبدو أن أهمها هو فشل تحصيل التلاميذ
بطريقة فلسفية في التفكير ( كما يقول ميشال طوزي) وليس فقط تحصيلهم لمحتويات
معرفية. الفشل في عدم إدراك رهانات البرنامج الدراسي، والغاية من التحويل
الديداكتيكي للفلسفة،والتي أصبحت مادة دراسية،يمكن الرجوع إلى مدونتي للوقوف على حكم
الفليسوف الفرنسي لوك فيري حين كان وزيرا للتربية الوطنية، والذي اتهم مدرسي
الفلسفي بسوء تدريس مادة الفلسفة الأمر الذي جرّ عليه عاصفة من الغضب. وهنا أتساءل
هل المشكل في العدد الديداكتيكية أم في انبناء البرنامج الفلسفي موضوعات وإشكالات،بحيث
يبدو أن الهدف من استحضار تاريخ الفلسفة وعدد من إشكالاته والتي تجد موطنا لها في
المجزوءات وقبلها في الموضوعات لم يُفهم بشكل جيد، بمعنى هل الهدف هو معرفة
أطروحات الفلاسفة فقط أم توظيفها في تجربتين مترابطتين، الأولى ذات بعد منهجي يمكن
المتعلمين من مفهمة وأشكلة ما يواجهونه من قضايا ومشكلات فكرية وحياتية بالخصوص،
والثانية القُرب الفلسفي من تجربة فلسفة الفلاسفة لتحقيق البعد الأول؟
أقرأ في التوجيهات التربوية لسنة 2007، في الصفحة 3 والتي تحيل إلى البعدين أعلاه،نقرأ ما يلي : يشكل المنهاج الجديد لمادة
الفلسفة...التكوين الفكري والمنهجي والثقافي لتلامذة هذا السلك، وذلك بمساعدتهم
على النظرة التركيبية للمعارف والآراء
التي يتلقونها، وعلى ممارسة التفكير النقدي والحر والمستقل والمسئول، والتشبع بقيم
التسامح والمساواة والنزاهة والسلم والمواطنة والكونية.من هذا المنطلق تم تعميم
مادة الفلسفة في جميع مستويات السلك التأهيلي بدءا من الجذوع المشتركة."
هذا البعد الفلسفي والقيمي ظل متجاهلا
من مختلف النقاشان التي تنتقد تدريس مادة الفلسفة، والتي كانت تناقش الأزمة من
منطلق مدى مطابة الدرس الفلسفي للفلسفة نفسها، بحيث تنصب مختلف الانتقادات على
معارف البرنامج الفلسفي ومتاب التلميذ، وغالبا ما تكون الذاتية طاغية، وكل يلغي بلغاه بعيدا عن تقييم العدد الديداكتيكية القادرة على ترجمة ماورد في الصفحة 3 أعلاه.
وهذه الغاية نجدها عند غالبية المفكرين الذين يطالبون بالهجرة من عالم التجريد
الفلسفي بعد تمثله إلى أرضنة الفلسفة وجعلها جزءا من الممارسة اليومية للإرتقاء
الفكري والاجتماعي.وهذا ما يدل على حضور موضوعة " الفلسفة والحياة" في
البرنامج الفلسفي السابق للأولي بكالوريا كنموذج لقضية أرضنة الفلسفة ومساعدة
المتعلمين على إدراك هذا الانتقال الجدلي والتفاعلي من الفلسفة إلى الواقع
والممارسة،أقترح عليكم نصا للمفكر زكريا إبراهيم :"
قيمة الفلسفة في الحياة.
تختص الفلسفة
بكونها روح البحث المستمر، والحرية الفكرية، والتسامح العقلي، والرغبة الدائمة في
الحوار مع الآخرين. والحق أنه لا تكون ثمة فلسفة ما لم يكن هناك شعور بالحرية،
وإيقان بأن الحق فوق القوة، واعتراف بأن العلاقات البشرية ينبغي أن تقوم على
التفاهم والتسامح، لا على التخاصم والتنازع. ولعل هذا ما قصده أحد المعاصرين حين
قال :" إن الفلسفة لا تبدأ إلا حينما يتهيأ البشر أن يتنازلوا عن روح العنف
والشدّة، لكي يستعيضوا عنها بروح التفاهم والمودّة".
إذا كان للفلسفة
اليوم، أن تقوم بدور فعّال في مجتمعنا المعاصر، فلا بد لكل منّا... أن يفهم أنه
مواطن حرّ، وأن حرّيته لا تعني الانطواء على نفسه، أو قطع وشائج التواصل بينه وبين
الآخرين، بل هي تعني الحوار مع غيره من أبناء الجماعة، وتحقيق المزيد من أسباب
التفاهم بينه وبين الآخرين. وما دامت الفلسفة حديث الإنسان، وحوار المواطن الحر مع
المواطن الحر، فلا يمكن للروح الفلسفية الحقّة أن تقترن بالتعصّب أو العداء أو
الاستبداد بالرأي، بل لا بد من أن تكون حليفة الحرّية والتسامح والانفتاح وسعة
الأفق.
زكريا
إبراهيم. مشكلة الفلسفة. ص 258.159
وهذا يطرح سؤالا مسكوتا عنه وغالبا ما يتحاشاع المنتقدون ، من يشوش على تدريس الفلسفة؟ هل المنظومة
التعليمية الفلسفية نفسها، بمعنى واضعي البرنامج الفلسفي؟ ما الدليل على ذلك ؟ أذكر
أن مفكرين في مجال الفلسفة ومن العيار الثقيل ساهموا في الكتاب الأبيض بخصوص رهانات تدريس مادة الفلسفة بالرغم من الوضع الاستشاري لهذه اللجنة؟ السؤال الصعب الأول ، ما
حجم دور مدرسات ومدرسي مادة الفلسفة في تحقيق وضع سليم للدرس الفلسفي بالثانوي
التأهيلي؟ عادة ما يتم انتقاد العديد من إنشاءات المتعلمين، لكن لا أحد يبحث عن
السبب؟ السؤال الصعب الثاني، كيف نفسر استسهال تدريس مادة الفلسفة من قبل عناصر
لاعلاقة لها بالفلسفة وتدعي " المعجزة" وأخر العنقود لا يفرق بين
المفهمة والفهم؟ السؤال الصعب الثالث، هناك بالفعل عدد من
مدرسات ومدرسي الفلسفة لا يخجلون من الدفاع عن تعليم الأنماط الجاهزة للكتابة
الإنشائية سواء في الخفاء في فصلهم ( من دون النشر الرقمي) أو على منتديات ومواقع
التواصل الاجتماعي.السؤال الصعب الرابع، عدد كبير من منتقدي تدريس الفلسفة يحملون
المنظومة التعليميةفشل تظريس مادة الفلسفة ،لكن لا يقدمون الدليل على ذلك ولا يطرحون بديلا وخاصة
تجربتهم الفصلية التي لا علاقة لها بالفشل عند الآخرين والمدهش أنهم يتقمصون صفة
الفيلسوف المتعالي على تدريس الفلسفة والتجمل بأسامي فلسفية معروفة وتتكرر لديهم
باستمرار ،ولا يخجلون من توجيه سهامهم لمجمل عملية ومقتضيات تدريس مادة الفلسفة؟
إذن والحالة هذه لتجنب فشل تدريس مادة الفلسفة في البرنامج الفلسفي
القادم ،ما العمل؟
إضافة إلى ذلك من له الحق في محاسبة ما ينشر رقميا وأغلبه مسيئ لمادة الفلسفة ومختزل لها بطريقة مُهينة، بحيث تقدم أطروحات الفلاسفة مثل مقادير شوميشة الطبخية مع تغييب الخوض في مقتضيات التمرن الفلسفي في أفق تحصيل القيم التي أشرت إليها أعلاه.
طبعا وكما جرت العادة أقول إن التعميم بخصوص فشل أو إفشال تدريس مادة الفلسفة غير وارد.وأحيي المدرسات والمدرسين ،ليس من منطلق كونهم من الفرقة الناجية،بل بخصوص ما يبذلونه من اجتهادات جادة للإرتقاء بتدريس مادة الفلسة بالرغم من الصعوبات المعرفية والديداكتيكية والمناخ الاجتماعي المعادي للفلسفة.
السؤال لماذا يتم التركيز على الأطروحات وتجاهل مدى استفادة المتعلمين منها في مواجهتهم لمشكلات فكرية وأخرى حياتية؟ مشكلات من المفروض أن تُطرح في الامتحان الوطني وتخليص الفلسفة والمتعلمين من آفة الحفظ والاستظهار وكوبي كولي؟
0 التعليقات:
more_vert