سارتر ومقص رقابة لجنة تأليف الكتب المدرسية. مشكلة الإلحاد.

التصنيف

سارتر ومقص رقابة لجنة تأليف الكتب المدرسية.




من الإشكالات المسكوت عنها بخصوص اختيار لجنة تأليف الكتب المدرسية للنصوص الوظيفية لعدد من الفلاسفة. إختيار يتسم بالإنتقائية والقفز القصدي على سياقات النص ضمن متنه، الأمر الذي يشبه مقص الرقيب الذي ينتقي ما يعتقد أنه مقبول  ويحذف ما يعتبره مسببا للإحراج. كما هو الأمر مع الأفلام والمقالات الصحفية....
 يشهد تاريخ الكتب المدرسية لمادة الفلسفة على عمل مقص الرقابة في عدد من النصوص والمرتبط أصلا بتقطيع النصوص الذي يخضع لضرورات بيداغوجية وديداكتيكية، لكن في بعض الأحيان يشتغل المقص بخلفيات إحترازية لما تتضمنه بعض النصوص من أطاريح ومواقف ربما تخدش الحياء العام ( مثال تحليل فرويد للحياة الجنسية لدى الأطفال ) أو تتناقض مع العقيدة الرسمية للدولة المشرعة لمادة الفلسفة وفي مقدمتها بعض نصوص ماركس وموسكوفيسي و نيتشه وهيدجر وسارتر ....
ما الإشكال الذي يطرحه مقص الرقابة لحظة تقطيع النصوص الفلسفية؟ وما مختلف التأثيرات على البنية المفاهيمية والحجاجية للنصوص ومن ثمة أطروحة صاحب النص ،بل ومشروعه الفلسفي الذي قد يُحرّفه التقطيع الذي تحكمه خلفيات قد تسيئ إلى الفيلسوف موضوع التدريس.
سأشتغل على نص مشهور لجون بول سارتر منقول من محاضرة كتبها سارتر في كتاب تحت إسم "الوجودية مذهب إنساني"( ترجمة عبد المنعم الحنفي.ط.1964.1)، يردّ فيه على منتقدي المذهب الوجودي كما يؤمن به سارتر ويشرح بالتفصيل مفهومه للإنسان والطبيعة الإنسانية من منظور الوجودية المُلحدة ( هيدجر  وسارتر ) وليس الوجودية المسيحية الكاتوليكية (جابرييل مارسيل، ياسبرز..)
النص موضوع التحليل ،جاء في سياق إشكال الطبيعة الإنسانية وتمت عنونة النص ب" ليس للإنسان طبيعة ثابثة" عنوان يلخص أطروحة الوجودية. كما جاء في النص على لسان سارتر :" على خلاف ذلك تعلن الوجودية..."
تبدأ المشكلة من طريقة تقطيع النص والذي تضمن ست (6) نقط الحذف، مما يعني القفز على عدد من أجزاء النص. وهنا أصل المشكل مع نص سارتر ، بحيث تتضمن تلك نقط الحذف دعامتين أساسيتين لفهم موقف النص من الطبيعة الإنسانية، بحيث إكتفت لجنة تأليف الكتاب المدرسي بالنتائج دون ذكر الأسباب والمنطلقات والمرجعيات التي استند عليها سارتر فيما يطرحه نص الكتاب المدرسي، وكما تم القفز على الحجج المؤسسة لموقفه من طبيعة " الطبيعة الإنسانية"، وتجاهل لجنة التأليف لتك المرجعية أو مبادئ الوجودية السارترية، ساهم في " اغتيال النص" من خلال تقديم نتائج فلسفية من دون مقدماتها والتي  يشرح سارتر بعضا منها في نص لجنة تأليف الكتاب المدرسي.

نص لجنة تأليف الكتاب المدرسي.

لنتحدث عن  هاته المقدمات السارترية  التي أبعدها مقص رقابة لجنة التأليف،وأطرحها بغاية الأمانة العلمية والفلسفية، والتي قفزت عليها لجنة تأليف الكتاب المدرسي.
يقول سارتر من خلال البياضات ونقط الحذف ، حيث أساسيات أطروحة صاحب النص :"
1-      لكن الوجودية الملحدة، والتي  أمثلها أنا ،لتُعلن في وضوح وجلاء تامين،أنه إذا لم يكن الله موجودا،فإنه يوجد على الأقل مخلوق واحد قد تواجد قبل أن تتحدّد معالمه وتبين. وهذا المخلوق هو الإنسان، وكما يقول " هيدجر " الواقع الإنساني" بمعنى أن وجوده كان سابقا على ماهيته.
2-      والآن ماذا نعني عندما نقول إن الوجود سابق على الماهية؟ إننا نعني أن الإنسان يوجد أولا، ثم يتعرف على نفسه، ويحتك بالعالم الخارجي...فذلك لأنه قد بدأ من الصفر..
3-      وهكذا لا يكون للإنسانية شيئ إسمه الطبيعة البشرية ،لأنه لا يوجد الربّ الذي تمثل وجوده هذه الطبيعة وحققها لكل فرد طبقا للفكرة المسبقة التي لديه عن الكل.
4-      الإنسان ليس سوى ما يصنعه بنفسه. هذا هو المبدأ الأول من مبادئ الوجودية....ونعني به أن للإنسان كرامة أكبر من الحجارة والطاولة."
هذه بعض الأساسيات التي يمكن من خلالها أن يفهم المتعلمون الخلفية التي من خلالها يقول ليس للإنسان طبيعة سابقة وثابثة، وبالتالي الفقز على هذه الأساسيات لن يستطيع المدرس أن يقنع التلاميذ بحقيقة القول السارتري " الإنسان يوجد أولا، يلاقي ذاته وينبثق في العالم...فذلك لكونه في البداية عبارة عن لاشيء.."

la moins scandaleuse, la plus austère; elle est strictement destinée aux techniciens et aux philosophes. Pourtant,elle peut se définir facilement. Ce qui rend les choses compliquées, c'est qu'il y a deux espèces d'existentialistes: les premiers, qui sont chrétiens, et parmi lesquels je rangerai Jaspers et Gabriel Marcel, de confession catholique; et, d'autre part, les existentialistes athées parmi lesquels il faut ranger Heidegger1, et aussi les existentialistes français et moi-même. Ce qu'ils ont en commun, c'est simplement le fait qu'ils estiment que l'existence précède l'essence, ou, si vous voulez, qu'il faut partir de la subjectivité.

Au XVIIIe siècle, dans l'athéisme des philosophes, la notion de Dieu est supprimée, mais non pas pour autant l'idée que l'essence précède l'existence. Cette idée, nous la retrouvons un peu partout: nous la retrouvons chez Diderot, chez Voltaire,
et même chez Kant. L'homme est possesseur d'une nature humaine; cette nature humaine, qui est le concept humain, se retrouve chez tous les hommes, ce qui signifie que chaque homme est un exemple particulier d'un concept universel, l'homme; chez Kant, il résulte de cette universalité que l'homme des bois, l'homme de la nature, comme le bourgeois sont astreints à la même définition et possèdent les mêmes qualités de base. Ainsi, là encore, l'essence d'homme précède cette existence historique que nous rencontrons dans la nature. L'existentialisme athée, que je représente, est plus cohérent. Il déclare que si Dieu n'existe pas, il y a au moins un être chez qui l'existence précède l'essence, un être qui existe avant de pouvoir être défini
par aucun concept et que cet être c'est l'homme ou, comme dit Heidegger, la réalité humaine. Qu'est-ce que signifie ici que l'existence précède l'essence? Cela signifie que l'homme existe d'abord, se rencontre, surgit dans le monde, et qu'il se définit après. L'homme, tel que le conçoit l'existentialiste, s'il n'est pas
définissable, c'est qu'il n'est d'abord rien. Il ne sera qu'ensuite, et il sera tel qu'il se sera fait. Ainsi, il n'y a pas de nature humaine, puisqu'il n'y a pas de Dieu pour la concevoir. L'homme est non seulement tel
qu'il se conçoit, mais tel qu'il se veut, et comme il se conçoit après l'existence, comme il se veut après cet élan vers l'existence, l'homme n'est rien d'autre que ce qu'il se fait. Tel est le premier principe de
l'existentialisme.


السؤال،هل مطلوب من مدرس الفلسفة أن يرجع إلى المتن ويفهم النص ضمن سياقه حتى لا يتعسف على الفيلسوف، ويتحلى بالأمانة العلمية والجرأة الفلسفية حتى لا يفتري على الفيلسوف ويجعله مقبولا ضمن المناخ الثقافي والعقائدي للمتعلمين بخلفية التعدد الفلسفي واختلاف المرجعيات،أم يساير تحايُل لجنة تأليف الكتاب المدرسي ، ويخضع لما تم تقريره ويمرر منطوق النص  الذي يفتقر إلى كل المبررات التي تفسر موقف سارتر في الفقرة الثانية، ويتقبلها التلاميذ كما هي جاهزة كنتائج مفصولة عن مقدماتها. بالرغم من أن المشكل العويص يتعلق بتفسير معنى الوجودية الواردة في النص وهي وجودية تعلن إلحادها كمبدأ فلسفي. وبالتالي يتم حرمان التلاميذ من تفعيل الحس النقدي بخصوص الموقف الإلحادي وتفسيره للطبيعة الإنسانية من هذه المرجعية.لا أريد الدخول في السجال حول راوي الإلحاد ليس بملحد، لكن من المفروض ممارسة تعليم ديمقراطي ينفتح على كل المواقف، والقابلة للتقييم والنقد .
في حالة اكتشاف التلاميذ لمقدمات ومنطلقات وحجاج أطروحة سواء من خلال كتاب الوجودية مذهب إنساني،أو من خلال تحليل مدرس بنفس الثانوية كان أمينا في إخبار التلاميذ  بحقيقة موقف سارتر  ولماذا رفض أطروحة الماهية سابقة على الوجود، وهذا من باب الأمانة الفلسفية بخلاف موقف  لجنة تأليف الكتاب المدرسي عنه والمدرسات والمدرسيبن الذين يسايرون نص اللجنة.ومن أراد الابتعاد عن " صداع الراس " يتجاهل النص ويستبدله بنص آخر وربما من الوجودية المسيحية أو الوجودية العربية (؟؟؟).
هذه عينة من إشكالات تتعلق بتقطيع النصوص، الأمر الذي يجعلنا نتساءل ما حدود الهوامش المتاحة لمدرسات ومدرسي مادة الفلسفة في التصرف في النصوص ووضعها في سياقها الفلسفي وضمن موقعها في المتن.؟

شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: