النّبش في ما هو شائع لدى مدرسي الفلسفة.

التصنيف
التصنيف



النّبش في ما هو شائع لدى مدرسي الفلسفة.
أمثولة الكهف الأفلاطونية


هل بالفعل " نظرية المثل " ومن خلالها " أمثولة الكهف" نظرية فلسفية قائمة الذات وقابلة للتداول الفلسفي ؟ وفي بعض الأحيان المُحاججة  بها كحقيقة من أجل تفسير بعض من ممارسات الإنسان في واقعه اليومي ؟

لكن الذي لا يتم الانتباه إليه هو أن أفلاطون نفسه قام بإعادة النظر في نظرية المثل، في محاورة بارمنيدس، لكن اختلف مؤرخو الفلسفة حول ما إذا كان أفلاطون بصدد امتحانها وإبراز الصعوبات المنطقية التي تعترضها ومن تمة تطويرها،أم كان بصدد نقدها وتجاوزها لاستحالة تحقق المثال في نسخه لتفارقهما كلّية ؟

علّق المؤرخ يوسف كرم في كتابه تاريخ الفلسفة اليونانية، ط 5،على نظرية المثل الأفلاطونية من خلال اعتراضات أفلاطون نفسه على نظرية المثل كنظرية متماسكة الأركان، وذلك لسببين،الأول متعلق ببنية النظرية، والثاني متعلق بمدى استيعاب عامة الناس لها. يقول يوسف كرم في الصفحة 75:" لم يكن أفلاطون غافلا عن صعوبات نظريته في المثل. فقد عاد إليها يمتحنها في محاورة " بارمنيدس" فرأى أن المنطق يقتضي بأن يضع مثلا للمشابهة والواحد والكثير والجمال والخير، وما شاكلها، ولكنه يقول إنه كثيرا ما يتردّد في وضع مثل للإنسان والنار والماء...وإنه يجد من الغرابة بمكان عظيم أن يكون هناك مثُل للشعر والوحل والوسخ وسائر الأشياء الحقيرة، ثم ينتهي إلى أن هذا التردّد إنما يعرض له لأنه يلحظ رأي الناس، ولأن الفلسفة لم تستول عليه بعد بالقوة التي يرجو أن تستولي يوما، وحينئذ فلن يشعر في نفسه احتقارا لشيء.ومن بين الاستحالات المنطقية لنظرية المثل يقول أفلاطون : إذا كانت أشياء عدة تشترك في مثال واحد،فأما أن يوجد المثال كله في كل واحد من هذه الأشياء، وهذا يعني أن المثال يتحقق كله في نفسه، ومتحقق كله في في كل واحد من الأشياء أي مفارق لنفسه، وهذا خلف،وإما أن يوجد مقسّما في الأشياء المشاركة فيه، وحينئذ يفقد بساطته من جهة، ويلزم القول من جهة أخرى أن جزء الكبير بالذات صغيرا بالنسبة إلى كل كبير، وأن كل الصغير بالذات يُصبح كبيرا بالنسبة إلى جزئه،أي أن الشيء المشارك يصير على خلاف الشيء المُشارك فيه، وهذا أيضا خلف...وإن قيل إن نسبة الجزئي إلى المثال ليست كنسبة الجزء إلى الكل، وإنما هي كنسبة الصورة إلى النموذج،أمكن الإجابة بأن النموذج في هذه الحالة يشبه الصورة، فيتعيّن أن نضع فوقها نموذجا أخر يشتركان فيه، وهكذا إلى ما لانهاية...
ولكن أفلاطون يعود ويقول إن هذه الصعوبات ليست مُمتنعة الحل، وإنما يتطلّب حلّها عقلا ممتازا.أما إذا وقفنا عندها وأنكرنا المثل، فلسنا ندري إلى أين نوجّه الفكر :إلى التغيّر المتصل فيمتنع العلم، أم الوجود الثابت فيمتنع العلم كذلك ؟إن المثل : نقط ثابتة، فوق التغيّر تفسّره، وعليها هي يقع العلم."(تاريخ الفلسفة اليونانية . يوسف كرم. ط 5.ص 75/76.)

هذا النقاش يتضمن نقطتين أساسيتين :
1-      كيف لفيلسوف يبني تصورا فلسفيا غاية في التعقيد، ثم يكتشف أنه تعترضه صعوبات نظرية وأخرى منطقية؟ وبالتالي مصداقية تداول نظرية المثل رهينة بعقل ممتاز يحل مفارقات نظرية المثل.!!!!
2-      جميل أن ينتبه فيلسوف للقراء من عامة الناس ،ويأخذ رأيهم في الحسبان، علما أن محاورة بارمنيدي غاية في التعقيد وهي تقوم بتقييم نظرية المثل.
 بالمقابل هل يُمكن توظيف أمثولة الكهف بعد هذا النقاش في درس الحقيقة إذا اعتبرنا أن أمثولة الكهف جزء من نظرية المثل؟كيف سنفسّر هذا الكمّ من الأبحاث والصور التي شرحت وفسّرت بل وتبنت الأمثولة بالرغم من استحالة تحقق رهانها حسب مبدعها ذاته؟ هل بالفعل استطاع عقل  ممتاز حل الصعوبات التي اعترضت نظرية المثل؟ وماذا عن مفاهيم الظن والتطابق والتشابه والحقيقة فوق قبة السماء.....؟




شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: