متى تأخذ قضية " أرْضَنة " التفكير الفلسفي حقها من النقاش والتشجيع؟

التصنيف



متى تأخذ  قضية  " أرْضَنة " التفكير الفلسفي حقها من النقاش والتشجيع؟

 
وأنا بصدد إعادة قراءة كتاب " الفلسفة واليومي " في الدرس الفلسفي، للباحث نور الدين الزاهي، أحببتُ التذكير بجوهر كلمة تقديم الكتاب من قبل المرحوم الأستاذ أحمد السطاتي الذي كتب :"...يعتقد كثير من الناس أن الفلسفة بمواضيعها ولغتها خطاب مخصوص لجماعة مخصوصة، تقع الإشادة بها على أنها معرفة أرقى تنأى بطبيعتها عن المحسوس والجزئي وتوافٍه المعيش لتغوص في عالم الكلّي المعقول والمطلق بعيدا عن شوائب الحس والتجربة.ويعتقد الآخرون أن الفلسفة حينما  تفارق الملموس وتتعالى عن المعاناة اليومية لعموم الناس إنما تمارس تجوالا وتسكّعا في فضاءات ميتافيزقية غائمة لاطائل من ورائها. يجوز أن تعرف ما لانعرف لكنها تجهل ما نعرف أو تتجاهله في أحسن الأحوال.وصفوة القول من أولئك أو هؤلاء إن الفلسفة إما ترف فكري أو عبث فكري.

ومع كل ما يقال عن ترف الفلسفة أو عبثها فنحن لا نفلت من قبضتها في جميع الأحوال. حياتنا اليومية بكل همومها وضغوطاتها نشعر معها في لحظات التروي والتدبّر بنبض ميتافيزيقي يدق في الأعماق.فكثير من القيم الثابثة والمطلقة التي تشكل أفق الرأي والرؤية وتؤطر السلوك ترسو ، إن حفرنا في تربتها، على قواعد ميتافيزيقية صلبة. حتى العلم  الذي نفاخر به في زماننا، ومعه التقنية وكل أشكال الحداثة، إنما هي تعبير عن  البعد الميتافيزيقي لعالمنا المعاصر..."

وفي ثنايا الكتاب يقول الباحث نور الدين الزاهي :"...لن تظل الفلسفة معرفة، بل ستتحول إلى حركة حياتية.لهذا عليها أن تخرج من دائرتها الاحترافية، دائرة المشتغلين بها لتخترق الحركة الثقافية بمعناها الواسع ومعها فئات اجتماعية وشعبية أوسع...وهذه الحركية قد تتوجه إلى النخب  التي ليست مستغرقة في أسئلة الحاجيات المادية المباشرة، مثل النخب السياسية، وبالضبط النخب الحاكمة لتخلق داخلها نوعا من المواجهة الداخلية إن ما يقوله الفلاسفة وما يرسمونه لا يُغادر نطاق التصورات والأحلام إلى التاريخ الفعلي أو الواقع (ص.55 )...لذا تظل الفلسفة منفصلة عن التاريخ وبعيدة عن الواقع ولا تمتلك إمكانية تحققها الفعلي..(ص 56)....إن التاريخ شاهد على غياب  هذا التحقق الفعلي، والواقع اليومي يبرز باستمرار انفصال الفلسفة وكذلك العلوم عن الإنسان بكل هواجسه وهمومه الحياتية، وربما قد يساعد هذا الانفصال على فهم أحد أسباب الإقبال الذي يتزايد كلما تقدمت المعرفة على المجالات الدينية والميتية وجعلها المرجع الموجه للعلاقة بكل من الفلسفة والعلم.."
    في هذا السياق، يمكن استحضار اجتهادات رواد الفلسفة الجديدة بالمغرب،والمتمثلة في الباحثين عبد العزيز بومسهولي وعبد الصمد الكباص وحسن أوزال، وأتأسف على تجاهل النقاد وباقي المهتمين بالشأن الفلسفي هذه التجربة الفتية والتي لا تسقط في استنساخ الأنساق الفلسفية والإستغراق في التأمل الفلسفي والتفاسير والشروح الفلسفية واحتراف الوساطة الفلسفية بين الباحث وقراءِ مفترضين....تجربة تؤسس لبداية تحقق فعل فلسفي لا يتعامل مع التنظير كغاية بل كمنطلق من التأمل إلى الفعل.

















شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: