في أفق محاربة الحفظ لماهو جاهز في مادة الفلسفة.

التصنيف



في أفق محاربة الحفظ لماهو جاهز في مادة الفلسفة

.
أتساءل عن أسباب ومصادر انتشار إدعاء قابلية مادة الفلسفة للحفظ، وما هذا الذي يتم " حفظه"؟ ومن يُروّج لممارسة الحفظ وكيف يتم هذا الحفظ وكيف يتعامل المصححون مع مواضيع تكون أنها عبارة عن عرض لما يفترض أنه حفظ وليس خطوات منظمة في سلم التفكير وبناء إشكالات موضوع الإنشاء الفلسفي؟
من خلال مشاهداتي للتلاميذ عند المكتبات ، يقبلون على نسخ أطروحات الفلاسفة تحديدا، مما يعني أنهم يحفظونها ويقومون بنسخها في مواضيع الإنشاء الفلسفي، وهنا السؤال: كيف يتم حفظ الأطروحات من دون فهم سياقاتها في المجزوءات وبالعلاقة مع أطروحات لها منظورات مخالفة لمواقف أخرى من نفس الإشكال؟
كان بعض التلاميذ يطلب مني مساعدته في فهم بعض الأطروحات التي نسخها من الكتب التجارية. لكني كنتُ أسأله عن سياق الأطروحة وما الإشكال الذي  تناقشه ضمن رهان المجزوءة. وبالتالي قبل الوصول إلى الأطروحة وجب معرفة مختلف السياقات التي  أوجدت الأطروحة؟ مثلا كنتُ أسالهم : ما الرهان من التفكير في هذه المجزوءة أو تلك؟ وهل هناك رابط وتكامل بين المجزوءات؟ وهل يمكن تبرير تبرير الانتقال من مجزوءة إلى أخرى ( ولماذا الأطر المرجعية تقترح إمكانية مطلب إنشائي يتضمن مفهومين من مجزوءتين؟)؟ وما دلالة وجود المفاهيم بالعلاقة مع المجزوءة؟ وكيف نفسر وجود محاور هي في الحقيقية إشكالات تجيب عن مبررات وجود المفهوم من خلال مختلف إجابات الفلاسفة؟ إذن قبل الوصول إلى الأطروحات المطلوب التدرج في فهم رهانات المجزوءة وسياقاتها والإشكالات التي تطرحها.وهذه قضايا مسكوت عنها ومطلوب من المدرسين الكشف عنها. وسبق لي في منتدى فيلوصوفيا أن ناقشتها بكل التفاصيل،وهو نفس المنحى الذي سلكه  الأستاذ شفيق كريكر وسعيد إيماني في مواقعهما الفلسفية.
مثلا، مطلوب من التلميذ أن يفهم خلفيات مجزوءة المعرفة كي يستطيع فهم كل أطروحة من خلال ربطها بالسياق المعرفي والإشكالي كما تجلت في تاريخ الفلسفة والعلم.
في نظري، مجزوءة المعرفة، هي في الحقيقة تتعلق بالمعرفة العلمية للواقع  الطبيعي أو الفيزيائي تحديدا. وهذا امتداد لإشكال العلاقة مع الغير، لتبدأ  العلاقة مع الآخر وهذا المفهوم يتضمن العنصر البشري والعالم الطبيعي، وهو ما اشتغل عليه هيجل في قضية الوعي والوجود. وبالتالي رهان المجزوءة هو كيف تتحقق ووفق أية شروط معرفة علمية بالواقع العلمي.فعبر تاريخ الفلسفة والعلم كان الواقع موضوعا للتفكير الفلسفي والتفكير العلمي، ومن ثمة فإن مدخل فهم رهان المجزوءة هو طبيعة هذا الواقع الذي تتعامل معه المعرفة العلمية، وطبيعته هي التي تحدد طبيعة المعرفة العلمية له.وكل معرفة تقتضي ثلاث عناصر : ذات عارفة وموضوع ومنهح. ولكل معرفة غاية.
هنا يختلف رهان مسلك العلوم الإنسانية ومسلك الأداب عن جميع المسالك العلمية. فرهان مفهوم النظرية والتجربة لدى المسلكين الأولين هو الوقوف على طبيعة المنهج التجريبي في تحقيق معرفة موضوعية بالواقع الطبيعي، هذا المنهج الذي وصل إلى تخوم اليقين والحتمية وخاصة لدى الاتجاه الاختباري( أو التجريبي أو الوضعي أو الطبيعي منذ أرسطو حتى التجربيين المعاصرين) وهل يمكن تطبيق هذا المنهح على الواقع الإنساني لنصل إلى معرفة حقيقية بموضوعه كما هو الشأن في العلوم الحقة؟ إذن هناك علاقة جدلية بين مفهومي النظرية والتجربة وإشكالية العلمية في العلوم الإنسانية. وبالتالي يكون مدخل تشريح المنهج التجريبي بهدف مواجهة إشكال مدى تحقق معرفة موضوعية وحتمية للواقع أو الظاهرة الإنسانية.وسيشمل مطلب الحقيقة كلاالواقعين : العالم الطبيعي والعالم الإنساني.
لكن في المسالك العلمية يختلف الإشكال بإزالة مسألة العلمية في العلوم الإنسانية، وينصب الإشكال على الاختلاف في تحديد ماهية الواقع العلمي عند الموقف العلمي التجريبي ( أرسطو، نيوتن ، كلو بيرنار، لوك وهوبز..)، والموقف العقلاني التطبيقي ( لتمييزه عن العقلانية الفلسفية التأملية : إنشتاين، باشلار) .وكل العلماء الذين حاولوا التوفيق بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية. وبالتالي تختلف النظرية العلمية باختلاف هذا الواقع الذي يكون موضوعا للنظرية، لكني أفضل بدل النظرية والتجربة  العبارة التالية : المعرفة العلمية بين العقل والتجربة.
فموضوع الموقف التجريبي/الاختباري/الوضعي /الطبيعي... هو الذي يفرض طبيعة المنهج، حين يكون الواقع هو الواقع الطبيعي المعطى الجاهز الحامل لخواص والمستقله عن تدخل الذات العارفة، في ظل هذا الموقف يتم فهم أطروحات نيوتن وكلو بيرنار  باختصار نحن بصدد معرفة علميىة للواقع الماكروفيزيائي.أما حين يتعلق الأمر بواقع علمي غير مرئي مثل الذرة والعوالم الكونية البعيدة بالسنوات الضوئية، فهذا موضوع يتطلب منهجا غير المنهج التجريبي لأنه واقع ميكروفيزيائي  وآخر كوني ، وهذا يقتضي معرفة علمية خاصة غير التي ينهجها المنهج التجريبي.وفي ظل هذا الموقف يتم فهم أطروحات إنشتاين وباشلار (أثير الانتباه بأن باشلار وإن تكلم عن أهمية التجربة لكن ظل على موقف أولوية العقل في المعرفة العلمية)
على ضوء هذا الاختلاف في الموضوع والمنهج والغاية، يمكن فهم وتوظيف مختلف الأطروحات، بل والاجتهاد الشخصي في فهم مختلف الإشكالات إن تم فهم السياقات عبر تاريخها وكيف تطورت والحلول التي وصلت إليها وما هو مآلها أمام السيرورة اللا متناهية 
 للتقدم العلمي.


درس النظرية والتجربة ( أنجز سنة 2009) ويمكن تحيينه.





شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: