بعض مهام المثقف المسلم أو
العربي اليوم.
محمد أركون (مُقتطف من
كتابه : الفكر الإسلامي. نقد واجتهاد)
(مع تعليق هاشم صالح بخصوص المثقف الملتزم )
عندما نتصدى للحديث عن مهام المثفق العربي أو
المسلم اليوم سوف يكون من المضجر ولا أيّ قيمة أن نعود مرة أخرى إلى تلك المناقشات
التي دارت في فرنسا حول هذا السؤال : ما هو المثقف ؟(1).
... لقد قام الفلاسفة
بدور حاسم في تدشين الموقف النموذجي للتيار الذي أدى في الغرب الأوروبي إلى انبثاق
ما ندعوه بالمثقف أو ظهوره.نقصد بالمثقف هنا ذلك الشخص الذي يتحلى بروح مستقلة،
محبة للإستكشاف والتحرّي، وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم حقوق الروح والفكر
فقط (الفلاسفة الكلاسيكيون كانوا يقولون باسم حقوق القوة العاقلة أو العقل)
ويمكننا هنا تسمية نماذج كبرى من المثقفين الذين مارسوا هذا الموقف الحر والمستقل
، فمثلا الجاحظ والتوحيدي يُعتبران من أكثرهم جرأة و" حداثة".وهناك أيضا
الكندي والفارابي وابن سينا واربن رشد، لكيلا نستشهد إلا بالأسماء الكبري للفلاسفة
الذين مارسوا أيضا البحث الفلسفي الذي يحذف الفكر الديني وإنما يهضمه
ويتمثله...
لكن هذه المساحة الثقافية الخصبة ،قد بدأت تضيق بدءا من القرن الخامس الخجري/ الحادي عشر
ميلادي، عندما راح تأسيس المدرسة والإعلان الرسمي للمذاهب السنية يفرضان بالتدريش
ممارسة " أورتدوكسية " سكولاستيكية للفكر الديني بعيدا عن العلوم
الدنيوية (أو بشكل يستبعد العلوم الدنيوية).... ليختفي الموقف الفلسفي كليا.وانتصر
نمطان من العلماء ويسودان طيلة العصور السكولاستيكية هما : نمط الفقيه الذي يحفظ عن
ظهر قلب ويُعيد إنتاج الكتب المدرسية للفقه دون ابتكار أو تجديد عقلي...ثم نمط
الشيخ أو المرابط بحسب لغة أهل المغرب، وهذا الأخير يكتفي بكونه الرجل الوحيد الذي
يعرف أن يقرأ ويكتب من بين السكان الأميين
في القرية، وهو الوحيد الذي يعرف أن يكتب من بين السكان الأميين في القرية.وهو الوحيد
الدي يعرف أن يكتب تعويذة أو حجابا، ويشرف على تنشيط جمعية دينية من المؤمنين،
ويؤدي الصلوات الشعائرية، ويسهر على الحفاظ على الحد الأدنى من التواصل مع الفرائض القانونية للإسلام. "ص
8.7
..........................................................................................................
(1).علّق مترجم الكتاب هاشم صالح على هامش المقال قائلا
:"يُشير أركون إلى تلك المناقشات الخصبة والحامية التي دارت في فرنسا حول
المثقف والمثقفين، وهل ينبغي أن يكونوا ملتزمين أم لا. من المعروف أم جان بول
سارتر قد أثار المشكلة ليس فقط في كتاباته، و‘نما في ممارساته الشخصية، ونضاله
السياسي، وتدخله في الحياة العامة.
وقد سار على أثره فيما بعد الفليلسوف ميشيل فوكو على الرغم
من اختلافه الجذري، فلسفيا ، معه. والواقع أن فوكو وسارتر ينتميان، تاريخيا،إلى تراث طويل يرجع به
بعضهمإلى فولتير في القرن الثامن عشر، ويجد له
مثالا نموذجيا في شخص إيميل زولا وموقفه من مشكلة دريفوس في القرن التاسع عشر.مهما يكن من أمر
فالسؤال المطروح هو التالي : هل ينبغي على المثقف أن يكون اختصاصيا حرفيا لا يعرف شيئا
خارج دائرة اختصاصه، ولا يحشر أنفه في القضايا العامة،أو لا يتدخل في شؤون المجتمع
والسياسة والحياة،أم لا ؟من الواضح أن هذا السؤال يُهيمن بشكل ما على بحث
أركون، ومن الواضح أن جوابه هو " لا.فالمثقف مسؤول، ووليس فقط مجرد باحث
مٌتبحّر في بعض ميادين المعرفة والعلم.وبالطبع ينبغي على المثقف أن يكون عالما متخصصا ومنتجا للبحوث العلمية الموثّقة والناضجة، ولكن
ينبغي عليه أيضا أن ينخرط في هموم العامة لمجتمعه، وخصوصا إذا كان المجتمع يُعاني
من مشاكل حارقة كالمجتمع العربي الإسلامي.فالمثقف الفرنسي المعاصر يُمكنه في نهاية
المطاف ألاّ ينخرط وألاّ يلتزم إذا شاء.يمكنه أن يكون عالم اجتماع أو عالم نفس أو
تاريخ واقتصاد،..إلخ، وذلك لأن مجتمعه قد تجاوز مرحلة الانعطافات الحادة والأزمات
الكبرى
إنه ينتمي إلى مجتمع قوي ومُستقر نسيبا.أما المثقف العربي،
فكيف يُمكنه أن يكتفي بالتخصص العلمي أم التبحّر الموسوعي البارد، في الوقت الذي
تحدق بمجتمعه أخطار مُهلكه."
0 التعليقات:
more_vert