محاولة قراءة ماركسية في فصل المقال لابن رشد (مقتطفات من المقال)

التصنيف

محاولة قراءة ماركسية  في فصل المقال لابن رشد (مقتطفات من المقال)



حسين مروة.(مجلة الطريق)

* الموقف الإيديولوجي وظاهرة التغيّر النوعي.
لايمكن الحديث عن منهجية ابن رشد ما لم نتعرّف الأرض الإيديولوجية التي يقف عليها وهو يرسم منهجه ويقول فلسفته.إذن لا بدّ من السؤال : على أيّة أرضية إيديولوجية يقف فيلسوف المغرب/الأندلس" نجيب :...كانت هناك حالة من حالات القمع الذاتي التي تكوّنت نع تراكم القمع الخارجي الموجه إلى حرية الفلسفة،أي حرية العقل، من قبل السلطات السياسية وسلطة " الفقهاء" ومن آثار حملة الغزالي المعروفة على الفلاسفة ( تهافت الفلاسفة).ومع ذلك كان الفكر الفلسفي ،أو بسبب ذلك، ضئيل الحضور والفعل في دورة النتاج الفكري...لكن بالمقابل كانت تتشكّل قوى عقلانية داخل المجتمع نفسه، وهي قوى تتناقض حاجاتها ومطامحها مع الحاجات والمصالح المكرّسة للقوى السلطوية السياسية- اللاهوتية القائمة في أواخر عهد الدولة المرابطية....
* ابن رشد كظاهرة فلسفية.
...إن النص الفلسفي الرشدي كله، على اختلاف مصادره، يتميّز عن النص الفلسفي العربي الإسلامي السابق له  باتجاهين تأسيسين متلازمين:
الاتجاه الأول: هو الذي نرى فيه ابن رشد يحشد كل مخزونه الثقافي العربي الاسلامي، ولا سيّما الفقهي منه، لينزع من النص الديني (الإسلامي) نفسه، حكما فقهيا اجتهاديا يقضي بوجوب النظر في العلوم العقلية ( الفلسفة والمنطق..)،أي ليستخلص من الشريعة ذاتها حكما ملزما لأهل العلم من المسلمين أن يمارسوا بالفعل دراسة الفلسفة والمنطق واستيعابهما، لكونهما المصدر الوحيد اليقيني،
الاتجاه الثاني: هو الذي ينحو به ابن رشد منحى الهجوم المباشر على خصوم الفلسفة، وخصوصا الأشاعرة، وبالأخص الغزالي. وهذا الاتجاه يتحدد بأسلوب الرفض لكل الأدلة التي قام عليها بنيان النظام الفكري اللاهوتي للمتكلمين بعامة، وللأشاعرة بخاصة. وقد توجه الرفض كذلك إلى الفلاسفة الإسلاميين ( ابن سينا، الفارابي) رافضا الكثير من مقولاتهم ذات الطابع اللاهوتي أيضا، ورافضا خلال ذلك نظرية الفيض الآتية إليهم من الأفلاطونية المحدثة.وبالإجمال، حاول ابن رشد في هذا الاتجاه هدم الحلول التي اقترحها قبله المتكلمون والفلاسفة الإسلاميون وسجل هذا الاتجاه الثاني في نص خاص به سماه " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة"إضافة إلى " تهافت الفلاسفة".

إذن....إن ابن رشد اتجه إلى انتزاع حكم فقهي من نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي، يقضي بوجوب النظر في العلوم العقلية كطريق ضروري لتحصيل العلم اليقيني. أمّا الفلاسفة الإسلاميون أسلافه فقد كان همّهم الفلسفي منصرفا إلى إثبات عدم التعارض بين القول الديني والقول الفلسفي،أي إثبات أن الشرع والعقل متوافقان لا يتعارضان ولا يتناقضان. ولما كان كثير من ظواهر النص الديني الإسلامي يُبدي هذا التعارض والتناقض، كانوا مضطرين أن يحلّوا هذا الإشكال بالّجوء،إلى التفسير أو التأويل للنص الديني بحيث تؤدي عملية التأويل إلى توافق الشرع مع العقل.
....إن اقتراح هذا الشكل من " الاتصال بين الحكمة والشريعة"...يتضمن في الوقت نفسه ، موقفا هجوميا صداميا يتوخى به وضع أهل الجمود من الفقهاء في موضع الإحراج الديني لكي يضطرهم بذلك إلى الاعتراف بحق الفلسفة وكل أنواع النشاط الفكري العقلاني،في أن تكون لها مكانتها السامية في محمل الحركة الفكرية والثقافية....فصل المقال يرقي أيضا إلى مستوى تهمة الجهل،فإن من فعل ذلك " فقد صدّ عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس إلى معرفة الله، وهو الباب إلى معرفته حق المعرفة، وذلك غاية الجهل والبعد عن الله تعالى."
إن تصعيد الموقف الهجومي الصدامي على هذا النحو يعني أكثر من تهمة. إنه حكم فقهي استلزمه الحكم بوجوب النظر في العلوم العقلية، تطبيقا للقاعدة المعروفة في علم أصول الفقه بأن الأمر بالشيء يقتض النهي عن ضده،أي أن الحكم بوجوب النظر هذا يستوجب النهي عن منع أحد من هذا النظر، والنهي يعني التحريم في لغة الفقه. ومن هنا بالضبط جاء نص " فصل المقال"..." منهى نهى عن النظر (.....) فقد صدّ عن باب (.....)لاوذلك غاية الجهل والبعد عن الله.
**الاتصال الانفصال.
....يعنى الانفصال أن علاقة الاتصال بذاتها تحمل نقيضا دياليكتيكا. فليس من حاجة للكلام على الاتصال بين أمرين لو لم يكن بينهما انصال،أي لو لم يكونا أمرين اثنين منفصلين أحدهما عن الآخر،وإلاّ فالكلام على الاتصال يكون من باب تحصيل الحاصل، وهو مُحال.ينتج،إذن، هنا، أن ليس عند ابن رشد مشروع وحدة تندمج فيها الفلسفة بالشريعى أو يدمج فيها الفلسفي بالديني، وإنما الأمر كله يقتصر عنده على نقطتين:
1- كون الفلسفة والمنطق ضرورين للشريعة. أما الفلسفة،فلأنها طريقة في التفكير تقدم للشريعة الدليل البرهاني الذي هو وحده الموصل إلى العلم اليقيني بالعقائد/الأصول، للدين. أما المنطق رفلكونه طريقة في المعرفة تقدم الأدلة القياسية....أما غير أهل العلم ، فلا طاقة لهم إلاّ تحصيل العلم الظني،كالأدلة الجدلية أو الخطابية أو الدليل السوفسطائي..
2- إن الحق واحد، لا يتجزأ ولا يتعدّد. فليس هناك حق فلسفي مستقل على حدة، وحق ديني مستقل على حدة. والحق واحد هذا هو حق موضوعي. فليس يقرّر وجوده لا الوعي الفلسفي ولا الوعي الديني.
المسألة في نظري ،هي عند ابن رشد خاصة، مسألة مأزق عقلي-وجداني،أو معضلة عقلية إيمانية كان يُعانيها هؤلاء المفكرون الكبار بسبب من حالة تاريخية تتعلق بالوضع العام لنطوّر الوعي الفلسفي العقلاني. وعلى ذلك لستُ أرى ابن رشد إلا مؤمنا متديّنا كان إيمانه يتصارع مع ما يسكنه عقله من اقتناع قاطع بجدوى الموقف العقلاني في فهم الوجود والعالم.هذا الاقتناع ينضاف إلى الموقف الإيديولوجي الذي كان داخلا في ميكانيزم الصراع العقلاني- الإيماني...







شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: