من الانفعال إلى الفعّالية الفلسفية.عبد العزيز بومسهولي وعوائق التفلسف لدى المشتغلين بالفلسفة.

التصنيف





من الانفعال إلى الفعّالية الفلسفية.عبد العزيز بومسهولي وعوائق التفلسف لدى المشتغلين بالفلسفة.






قراءة في  بعض مواقف المفكرين عبد العزيز بومسهولي وعبد السلام بنعبد العالي من مطلب التفلسف وشروطه.
 كمال صيدقي.


تعرف الساحة الفكرية المغربية تيارين فلسفيين على طرفي اختلاف/صراع من مسألة الحاجة إلى الفلسفة ... " ولماذا نحتاج إلى الفلسفة دوما ؟ ولماذا تحتاجنا الفلسفة الآن ؟وما الفلسفة التي نحتاجها اليوم ؟"(1).سيتبين لنا لاحقا أن هناك تيارا فلسفيا يهتم بالبحث في المذهبية الفلسفية تحقيقا وترجمة وشرحا وتفسيرا، رهانه الأساسي ممارسة التفلسف التأملي في أبلغ صوره التجريدية. ...وفي الطرف المقابل نجد تيارا فلسفيا يهتم بالبحث في فلسفة العيش رهانها الأساسي أرضَنة الفلسفة " بوصفها إمكانية لتفلسف تدخّلي قد يؤثر بشكل إيجابي على حياة الموجود على الأرض... ولا يتعلق الأمر هنا ب" الفيلسوف المشتغل بالفلسفة باعتبارها تخصصا في تاريخ الأفكار والمذاهب الفلسفية، والذي لا يعنيه الواقع في شيء، بل ما يعنيه هو نقل النصوص والتعليق عليها وتأويلها على أبعد الحدود،أي أنه مهتم بحياة النص أكثر من اهتمامه بالتفلسف كمهمة حياتية تهدف إلى تأسيس أفضل حياة ممكنة..."(2)



ويعتبر المفكر عبد العزيز بومسهولي من رواد المطالبة بإبداع فلسفة تهتم بالمعيش من منطلق " ليست الفلسفة لا مبالية"(3) وسيوضح  هذا المطلب من خلال جملة من المفاهيم من قبيل " سعادة العيش" والعلة التأسيسية (وهذا مفهوم فلسفي مركزي في فلسفة بومسهولي )و" الأنسنة " و" الأرضنة"و " الموجودية"و" البيإنساني" و" التجربة الفلسفية"....مستدلا بموقفي هيجل وهوسيرل من ذات المطلب.

إن مسألة التفكير في الغاية من وجود الفلسفة أو ما الداعي إلى الحاجة إليها، ناقشه أيضا بعض المفكرين المغاربة ،لكن المفكر عبد العزيز بومسهولي جعل مطلب الحاجة إلى الفلسفة وأرضنتها في أفق التعامل مع الفلسفة والتفلسف "كمهمة حياتية تهدف إلى تأسيس أفضل حياة ممكنة.."كما مر معنا سابقا، بل أقول جعل المفكر عبد العزيز بومسهولي من هذه المسألة مشروعا فلسفيا كمقدمة لإبداع موضوعات جديدة وبأسلوب جديد في التفلسف يخلخل الجمود الفلسفي التي تعرفة الساحة الفلسفية بالمغرب رفقة زملائه في تأسيس فلسفة جديدة " عبد الصمد الكباص وحسن أوزال". صحيح أن عددا من المفكرين المغاربة والشرقيين تحدثوا عن مطلب العلاج بالفلسفة والفلسفة التطبيقية وفلسفة الفعل والفلسفة والفضاء العمومي ....مثلا كتب المفكر البارز عبد السلام بنعبد العالي  مجموعة مقالات في كتاب تحت عنوان " الفلسفة فنا للعيش"، بحيث ناقش في المقالة الأولى مسألة ارتباط الفلسفة عند اليونان وغيرهم من أهل الشرق بفن العيش، أي أن " الخطاب الفلسفي  لم يكن بناء لمنظومات نظرية أو مذاهب تُعلّم  وتُنقل إلى جيل آخر، وإنما كان وعيا بأسلوب عيش، ودعما لسلوك وتأسيسا لنمط حياة" (4) وهذا شأن الرواقيين مثلا الذين  كانوا يحيون المنطق والطبيعة والأخلاق كما يقول الأستاذ بنعبد العالي.



لكن عبد السلام بنعبد العالي جزم بعدم إمكانية إعادة هذه التجربة الذاتية راهنا في الممارسة الفلسفية، يقول :" يبدو من الصعب،والحالة هذه ،الحديث اليوم عن فلسفة من هذا القبيل، ليس فحسب لآن الفلسفة عرفت تطورا كبيرا وانفصلت عن التمارين الروحية وممارسة الحياة وفنون العيش، لأنها غدت نظريات ومؤلفات ومعرفة متخصصة تجد تعبيرها في لغة تقنية ولأن مفهوما للحكمة  قد يجد بعض الصعوبة في أن ياخذ مكانا مناسبا في حياتنا المعاصرة...ناهيك أن فن العيش ذاته قد غدا في حياتنا المعاصرة أساسا " فن العيش- معا"...وأن ما كان يسند للفلسفة قد أصبح من اختصاص العلوم الاجتماعية"(5)

 كما نجد في بعض من مؤلفاته مناقشة مسألة مدى ربط فلسفة الفيلسوف بواقعه السياسي والاجتماعي.كتب في معرض حديثه عن عبد الرحمن بدوي" لماذا اقترن هذا التنوع في اهتمامات عبد الرحمان بدوي، وهذه الموسوعة الفكرية، وهذا الحضور  في جميع المناحي الثقافية، والذي دام أزيد من نصف قرن، لماذا اقترن عند المرحوم بنوع من " الغياب " على الساحة الإيديولوجية والسياسية؟ لماذا لم تشمل الهموم  الثقافية التي كان يحملها كل الهم الثقافي العربي في جميع أبعاده؟ " (6) هذه المؤاخذة تطال أيضا المفكر الكبير زكي نجيب محمود، بحيث أورد الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي موقف بعض منقدي فلسفة نجيب زكي محمود، وهذا الموقف يؤثت المشهد الفلسفي العربي برمته من خلال الاختلاف بين فلاسفة التأمل الفلسفي شرحا وتفسيرا وترجمة وفلاسفة الفعل أو التطبق أو العيش أو الحياة...."...كثيرا ما قرأنا أن فلسفة نجيب زكي محمود فلسفة إيجابية لا تعطي مكانا للسلب، ولا يمكنها بالتالي، أن تفتح الأبواب للنقد والجدل.فهي إذن فلسفة " برجوازية " لا يمكنها أن تخرج،في أحسن الأحوال،عن أسورار الجامعة.وحتى داخل تلك الأسوار ليس باستطاعتها أن " تفعل فعلها" ما دامت تفتقر إلى المناخ العلمي اللازم" (7) يقصد الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي أن فلسفة زكي نجيب محمود أُتّهمت بالتغريب بسبب اهتمامه بالتيارات الوضعية الأوروبية وبالتالي لا يمكن لمحاولاته الفلسفية أن تبنى إلا في مجتمع متقدم علميا وتقنيا. هذا الانتقاد لعدم فعالية فلسفة زكي نجيب محمود وصل إلى اعتبار فلسفته عديمة الجدوى اجتماعيا " ..من يسلم بهذه " الإنتقادات" لا بد أن ينتهي إلى اتهام هذه الفلسفة باللاجدوى وعدم الفعالية، وبأنها عاجزة لا عن تحويل العالم فحسب وإنما حتى في تأويله.وأن صاحبها رحمه الله لم يخلف أثرا ولم " يفعل فعلا"(8). حاول عبد السلام بنعبد العالي فحص هذه الانتقادات " لفحص هذه الانتقادات ربما كان يجب أن نطرح في المبدأ سؤالا لن يسمح بالإجابة عنه المجال ولا المقام، وهو المتعلق بدور الفلسفة ومجال فعلها وعلاقتها بالسياسة والمجتمع" (9) إلا أن الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي سيدافع عن زكي نجيب محمود من خلال إبراز جانب إيجابي في اشتغاله الفلسفي.يقول" الأهمية التي يُعطيها معتنقوا النزعة الوضعية للغة، ومن يقول اللغة  يقول اليوم كل شيء، يقول الإنسان والرمز والمجتمع والسياسية." ( 10)

لا أحد يجادل في أن عبد السلام بنعبد العالي كان أيضا من مؤسسي فلسفة جديدة وجدّية تنهل من " فكر الاختلاف "، لكن نضعه في مرمى نفس الاعتراض الذي وُجّه للمفكر زكي نجيب محمود " هل ذهب عبد السلام بنعبد العالي بالتفلسف إلى أبعد مداه من حيث دوره الفعلي في واقع وحياة محبي وممارسي الفلسفة، ليس فقط تحليل وشرح للنصوص وترجمتها، بل تفعيل التفلسف كنمط حياة له مقتضياته التي تختلف عن رهان التنظير الفلسفي الأكاديمي؟وهذا الإشكال هو ما يحاول المفكر عبد العزيز بومسهولي التفكير فيه والعمل على جعله قضية رأي عام يُناقش في الفضاء العمومي وبكل ما يتصل بالحياة اليومية، ليس بالتعالي الفلسفي بل من خلال " الموجودية والبيإنسانية"، وهذا عالم غير عالم التأملات الصورانية المجترة والمكررة لما قاله الفلاسفة.وهنا فجّر  المفكر عبد العزيز بومسهولي اللامفكر فيه حين قال "إننا لا نغدو فلاسفة بحق ما لم نكن متفلسفين،فالتفلسف وهو نوع من استثمار تأثرنا بفلسفة فيلسوف ما...في التفلسف يكون ما تأثرنا به وسيلة نحو تشكيل أفق جديد، أي أفق أنفسنا بما هو نوع التحول من موقف الانفعالية إلى موقف الفعالية (11)
ومع ذلك، كان  بومسهولي متواضعا وصريحا في مساءلة هل المنتوج الفلسفي الحالي وهل يرقي إلى مطمح التفلسف المتحرر من " النزعة الفلسفية المذهبية التي يصاغ من خلالها أسلوب للتفكير وفق كمبادئ صورية قد تقودنا إلى التموقع في نَمْدجة نمطية‘أي الوقوع في شرك دوغمائية مذهبية ذات بُعد وحيد.؟(12 بتصرف)

في الختام نصل إلى الإشكال الأهم والمسكوت عنه، هل يوجد في المغرب فلاسفة تفلسفوا بالفعل وتحرروا من الانفعال الفلسفي بغيرهم ليؤسسوا فعلهم الفلسفي المستقل ،أي تمكنوا من إبداعهم  تجربتهم الفلسفية الخاصة بهم وانطلاقا من "المحلي" ليلجوا الكونية؟





"حجاب التجربة" أو عوائق التفلسف.


كتب المفكر عبد العزيز بومسهولي ما لم يتجرأ غيره من المفكرين المغاربة على الاعتراف به أو على الأقل التلميح إليه من باب الإخلاص للتفلسف من خلال نقد ذاتي لا علاقة له بجلد الذات بقدر، ما يؤسس بالفعل  الانتقال إلى الفعل الفلسفي وتطويره، لأنه لم تعد الغاية كما يقول إنشاء مذهب "وإنما فلسفة تدشّن نمط تفلسف جديد"(13)

يقول المفكر عبد العزيز بومسهولي في نص بالغ الأهمية والجرأة " غير أن ثمة سؤالا مُحرجا لنا نحن – المنشغلين بالفلسفة- سؤال يقضّ عقولنا المنبهرة بالتجارب الفلسفية الكونية،التي نجدُ أنفسنا مهتمين بإنجازاتها الكبرى، منهمكين باستعادتها، فلا يبلغ أقصى جهدنا واجتهادنا سوى إعادة صياغتها، من غير أن تبلغ بنا الجرأة إلى ولوج عتبة تجربة التفلسف، بما هو عتبة الإبداع الفلسفي.ربما تكمن علة هذا الأمر- في منظوري الشخصي – إلى ما أسميه " حجاب التجربة" فما معنى" حجاب التجربة ؟ (14) (يمكن الرجوع إلى الكتاب لمعرفة معنى حجاب التجربة)




هذه الجرأة في مساءلة مدى قدرة المشتغل بالفلسفة على التفلسف، طرح المفكر عبد السلام بنعبد العالي هذه المسألة بطريقة غير مباشرة حين استشهد بحكم لجيل دولوز في حق سارتر، فتحت عنوان المقالة  "قليل من الغضب الفلسفي" قال دولوز"...إن ما كان يأتي من سارتر هو الموضوعات الجديدة بشيء من الأسلوب الجديد، وطريقة خصامية وشرسة جديدة في طرح المشاكل...كان سارتر يعرف كيف يخترع الجديد.."(15)ومن ثمة هل كان عبد السلام بنعبد العالي يطمح  كما سارتر إلى" إرساء نوع من اللافلسفة تخرج الفلسفة عن عالم أكاديمي تندر فيه فرص التفكير، عالم يغرق الفلسفة في الكتب والمذاهب ويحبسها داهل أسوار الجامعة، ويجعل منها امتحانا وتحصيل معلومات وحصولا على مراتب وشهادات.." كما وجه انتقادا  حادا للنخبة المثقفة في المقالة المعنونة " الملاحقة" بقوله "...إن هموم المثقف الحالي ( وليس المثقف التقليدي الملتزم ...) لا ترقى إلى محاولة فهم الحدث ووضعه في مكانته التاريخية المحلية والكونية والوقوف على على بعض أسبابه، ومحاولة الدفع به به والمساهمة في توجيهه،وإنما هي هموم من يعشق المنابر ويتصدّر الندوات ويجني الثمار ويُلاحق الفرص "(16)

وهو ذات تنصيص عبد العزيز بومسولي"...ليس الفيلسوف مت يحمل لقبا جامعيا يضيفه إلى ألقاب النسب،ولكن الفيلسوف هو من يحمل مفاهيم ويعاني من جراء تأويلها...بينمت تتبارى الحالة العربية المريضة في تسابق اللساتذة لا على الاضافة النوعية والابداع الفكري وإنما في إضافة الالقاب من قبيل الدكتور والعلامة والشيخ والتي لا نجد لها مثيلا لدى كبار الفلاسفة والمفكرين في العالم."(17 )

************************************************************************
1-   عبد العزيز بومسهولي.الفلسفة والحاضر.المركز الثقافي العربي.الدار البيضاء.ط1...2006. ص 5

2-   نفس المرجع.ص 35-36

3-   نفس المرجع. ص 38

4-   عبد السلام بنعبد العالي .الفلسفة فنا للعيش.ص10

5-   نفس المرجع.ص 11

6-   عبد السلام بنعبد العالي.لعقلانية ساخرة.دار تبقال للنشر.ص 34

7-   نفس المرجع. ص 48

8-   نفس المرجع.ص 48

9-   نفس المرجع ص 49

10-   نفس المرجع ص 49

11-   عبد العزيز بومسهولي.نفس المرجع .ص 29

12-   نفس المرجع.ص 7

13-   نفس المرجع.ص 29

14-   نفس المرجع.ص 30.

15-  عبد السلام بنعبد العالي .الفلسفة فنا للعيش.

16-  نفس المرجع.

17. بومسهولي نفس المرجع ص 67.



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: