الفلسفة وامتحانات البكالوريا
من إنجاز الأستاذين :
دراسة تحليلية لتجربة الإنشاء الفلسفي في فرنسا والمغرب.
بمجرد انتهاء
امتحان الفلسفة في البكالوريا بالتعليم الفرنسي، يبدأ في فرنسا حوار عام حول هذا الامتحان يساهم فيه مفكرون
وسياسيون، بينما امتحانات البكالوريا في باقي المواد لا تثير اهتمام الرأي العام الفرنسي.
وهذا الاهتمام بامتحان الفلسفة في البكالوريا، ليس مرده إلى كون الفلسفة هي المادة
الأولى التي تبدأ بها امتحانات البكالوريا، وإنما مرده إلى مكانته الخاصة في فرنسا،
فالذاكرة الجماعية الفرنسية مازالت تستمتع بماضي امتحانات البكالوريا خلال قرن من
الزمان، فقد كان امتحان الفلسفة، ذلك الامتحان المتميز الذي يتوج نهاية الدراسة
الثانوية.
((... فالفلسفة كانت مادة تستهدف إثارة الجهد
الشخصي للتلميذ، لأنه كان لا يطلب منه خلال امتحاناتها مجرد استظهار درس الأستاذ، ومع
ذلك فإن مادة الفلسفة استمرت حية، ولكن بصمت، ولم يكن هناك ما يبشر بمستقبل جميل
لها . " فقبل سنة 1823 كانت المقررات الفرنسية للفلسفة تتكون من
محاور تضم الأخلاق والمنطق والميتافزيقا، واللاهوت وتاريخ الفلسفة.
(...) إن شساعة موضوعات الفلسفة في امتحان
البكالوريا الفرنسية الذي كان آنذاك شفويا وباللغة اللاتينية، وغياب كتاب مدرسي
مرجعي في تعليم الفلسفة، ساهما بشكل كبير في ارتفاع نسبة رسوب التلاميذ في
الامتحان.
إلا أنه
ابتداء من سنة 1823 سيعرف المقرر المدرسي لمادة الفلسفة بالتعليم الفرنسي تركيزا على سلسلة من خمسين سؤالا، يكون على
من يجتاز امتحان البكالوريا في مادة الفلسفة، أن يختار عن طريق القرعة رقما معينا،
وأن يجيب عن السؤال الذي يحمله ذلك الرقم الذي اختاره، وذلك باستظهار ما تلقاه في
الدرس الذي يحيل عليه السؤال . " فإذا تم اختيار السؤال (رقم 1) مثلا من طرف الممتحن يكون مطالبا ببيان المحاور
الرئيسية للفلسفة، وأهميتها وفائدتها، وعلاقتها بالعلوم " . " وإذا وقع
اختيار الممتحن على السؤال (رقم 31) مثلا، يكون عليه القيام بتفسير ما يجعل مصير الإنسان
يشكل دليلا على خلود الروح ".
وفي سنة 1863 ستحول وزارة التربية والتعليم الفرنسية (...) امتحان مادة الفلسفة من امتحان شفوي إلى
امتحان كتابي باللغة الفرنسية عوض اللغة اللاتينية، امتحان في صيغة موضوع فلسفي
كتابي عوض امتحان يرتكز على الإجابة عن سلسلة من الأسئلة الفلسفية المجزأة
والمختلفة عن بعضها البعض.
وهكذا بدأ
الامتحان العصري للفلسفة في التشكل والنشوء، فرغم أن امتحان الفلسفة لم يصل بعد
إلى مستوى " الإنشاء الفلسفي " مع منتصف القرن التاسع عشر، فقد كان
المنتظر من التلاميذ تقديم إجابات على غرار ما يقدم في تاريخ الفلسفة، أو في عرض
مذهب فلسفي معين )) . (1)
(...) فابتداء من سنة 1863 تغير منطق الموضوعات أي تغيرت طبيعة موضوعات
امتحان الفلسفة ، فقد كان على الممتحنين في الفلسفة أن يجيبوا عن أسئلة من قبيل :
السؤال عما يميز الحجج الميتافيزيقية عن الحجج الأخلاقية المعتمدة في التأكيد على
خلود الروح، والسؤال عما هي المباحث التي تسمى بالعلوم البحتة، أو السؤال عما هو
المنهج المعتمد في هذه العلوم، وما يجعل وصفها بالعلوم البحتة.
وشيئا فشيئا
بدأ جيل من مدرسي الفلسفة بفرنسا يقترح في أقسامه موضوعات امتحانات للفلسفة في
صيغة " إنشاء فلسفي "، وهي صيغة تتطلب في إنجازها اعتماد تصميم من أربع مراحل تتمثل في مقدمة، وصلب
الموضوع، وتلخيص، وخاتمة ؛ " كما أن المطلوب في الجواب لم يعد هو تقديم تركيب
للدرس الذي يحيل عليه سؤال الامتحان، وإنما هو التمييز بين الصواب والخطإ واستعمال
قدرة الحكم في تقدير أطروحة معينة والدفاع عنها ".
(...) وفي القرن التاسع عشر بلغت بعض موضوعات
امتحانات الفلسفة في فرنسا قدرا من التداول أصبحت معه في متناول الممتحنين، كما هو
الشأن بالنسبة إلى الموضوعات التي ينطبق عليها هذا المثال : " هل من الصحيح
أن الإنسان لا يفكر أبدا بدون صور ؟ "
ففي الوقت
الذي كانت فيه مثل هذه الموضوعات معتمدة في فرنسا في مباراة الدخول إلى المدرسة
العليا للأساتذة ومباراة التبريز، سيصل إلى التعليم الثانوي أعداد من التلاميذ زائدة
عما كانت عليه نتيجة تعميم التعليم، وسيواجهون صعوبة متزايدة في التحكم في تلك
الموضوعات.
ومنذ سنة 1940 بدأ التفكير في فرنسا في تنويع صيغ امتحان
الفلسفة في البكالوريا، وأصبح من الممكن للتلميذ بحلول سنة 1966 أن يختار بين صيغة " الإنشاء الفلسفي
" في امتحان البكالوريا وبين صيغة الدراسة المنظمة للنص وبيان قيمته
الفلسفية. وهو ما أصبح معه تنوع وتعدد صيغ امتحان الفلسفة في البكالوريا ساري
المفعول في نظام التعليم الثانوي بفرنسا )) . (2)
الملاحظ أن
نظام امتحان الفلسفة في البكالوريا بفرنسا، وما عرفه من تغييرات وتعديلات طيلة قرن
من الزمان، لم يتوقف معه الرأي العام الفرنسي الأكاديمي والتربوي والسياسي عن
التفكير والحوار في شأنه، بل ولم يحل إجراء تلك التغييرات والتعديلات دون وضع
امتحان الفلسفة في البكالوريا من جديد موضع تساؤل.
هل يجب على
المدرسة أن تتمسك بثقافة الإنشاء الفلسفي ؟ إن استخلاص الإشكال ومعالجته لم يكن في
وقت من الأوقات تمرينا أو امتحانا سهلا، فلم ينشأ في فرنسا أي جيل من أجيال
التلاميذ مزود منذ البداية بتصميم للإنشاء.
(( هذا أكيد، إلا أن تمرين الكتابة الإنشائية،
لم يكن بدون شك أبدا بعيد المنال إلى هذه الدرجة التي هو عليها الآن، إذ يلاحظ صعوبة متزايدة لدى
التلاميذ في التعبير بلغة صارمة، وفي الصياغة بكيفية منطقية
استدلالية.
وفي هذا
السياق تشير بعض استجوابات أساتذة التعليم الثانوي بفرنسا، والتي اعتمدتها بعض
الأبحاث في موضوع " الإنشاء "، إلى أن سلوك تلاميذ الثانوي قد تعدل
بكيفية ملموسة منذ عشر سنوات ، وأن هذا السلوك يتوافق في عدة نقط مع السمات
المميزة للمجتمع الفرنسي وبخاصة سمته المتعلقة بأهمية الاستهلاك وأوقات الفراغ،
وديكتاتورية المباشر، والصعوبة أمام التركيز، وطلب الاعتراف بما هو ذاتي.
إن تحولات
سلوكات هؤلاء التلاميذ أصبحت تطرح سؤالا عميقا حول معنى واتجاه المدرسة في التعامل
مع المعرفة، وكيفية عرضها، كما كانت تطرح أيضا سؤالا ملحا حول ما إذا كان على
المدرسة أن تواكب التحولات الاجتماعية للتلاميذ، أم أن عليها أن تلعب دور الحارس
المكلف بغلق الباب، أي بمنع كل تحول ومواكبته، ولعب دور المحافظ على الأشكال
التقليدية للمعرفة، وطريقة عرضها وبنائها، وبعبارة أخرى هل بإمكان المدرسة أن تعدل
أو تغير من صيغة الإنشاء في امتحان الفلسفة في
البكالوريا كاعتماد صيغة الأسئلة ذات الاختيارات المتعددة للإجابة ؟ هل ينبغي
الانفتاح على قفزات الفكر، وذلك بحذف المقتضيات العقلية المعتمدة خلال أزيد من قرن من الزمان في الإنشاء وفي البرهنة الاستدلالية،
أم أنه على العكس من ذلك ينبغي إرغام التلاميذ على التفكير بكيفية أخرى تجعلهم يتذكرون
الاستعمال المنسي لأدوات الربط ؟ )) . (3)
إنه وعلى
الرغم مما يلاحظه المهتمون بامتحانات الفلسفة في فرنسا من تجنب التلاميذ الممتحنين في البكالوريا اختيار
الإنشاء كشكل للكتابة المتفلسفة في الامتحان، وإقبالهم على الدراسة المنظمة للنص، وبيان
قيمته الفلسفية للأسباب، (( التي سبق ذكرها أو لغيرها من الأسباب ، يبقى "
الإنشاء الفلسفي " كتمرين موروث عن الفيلسوف " أرسطو " وعن مناقشته،
يبقى هذا التمرين خطة عقلية تمكن من بناء الفكر وتأطيره داخل حدود منطق داخلي، وإن
هذا التمرين هو الذي يمكن من تكوين عقول منظمة، كما يؤكد الفيلسوف "
إدغارموران ". فالإنشاء الفلسفي " هو أداة لبناء الفكر، ففيه يربط التلميذ
بين المعارف المنجزة والمتفرقة التي تقدمها له ثقافته، ربطا يعطي لكل العناصر
المعرفية معنى واتجاها بفعل العلاقات المنطقية التي يقيمها بين العناصر .
(...) إن الانتقال من صيغة " الإنشاء الفلسفي
" – وما تفترضه مقتضياتها من انتقال من الأطروحة إلى النقيض إلى التركيب، وما
يستلزمه ذلك من تقيد بمجموعة من الروابط المنطقية–إلى صيغة جديدة ، أي إلى صيغة
الأسئلة ذات الاختيارات المتعددة للإجابة على الطريقة "الأنجلوساكسونية"؛
لهو انتقال إرجاعي كما يبدو بالطبع والبداهة، ذلك لأن اختيار كتابات متفلسفة على
طريقة " الأنجلوساكسون " يعتبر متعارضا مع
التقليد الثقافي المدرسي الفرنسي )) . (4).
لكن إذا كان
امتحان الفلسفة في البكالوريا بفرنسا يشغل بحق مساحة كبيرة في الفكر الفرنسي،
ويحاط باهتمام بالغ من لدن الرأي العام الفرنسي على خلاف المواد الدراسية الأخرى
في امتحان البكالوريا ومن تم يشكل قيمة ثقافية، بل تقليدا ثقافيا مدرسيا فرنسيا
بامتياز، فإن امتحان الفلسفة في البكالوريا
المغربية كان مصدر مشكلات ديداكتيكية وبيداغوجية، واجهت مشاريع حلها وتجاوزها، محاولات الإصلاح
والتغيير التي عرفها تاريخ امتحان الفلسفة في البكالوريا المغربية )) . (5)
فبعد عشرين
سنة من إقرار نظام بكالوريا مغربية تحتوي على تعليم للفلسفة باللغة الفرنسية ومن خلال أطر وأساتذة فرنسيين، بعد
عشرين سنة ، سيعرف المغرب بداية تعليم للفلسفة باللغة العربية، أي أنه منذ سنة 1960 سيتم خلق نظام بكالوريا معربة للتعليم
العصري بالمدارس الثانوية الحرة آنذاك، وهو نظام كان من مرحلة واحدة تمثل ختام
الدراسة الثانوية (6) ؛ وكان يعتمد مقررا دراسيا يضم الميتافزيقا، والأخلاق والمنطق وعلم النفس
وعلم الاجتماع والفكر الإسلامي .وكان هذا المقرر وكتابه المدرسي من
وضع مفتشي مادة الفلسفة " محمد عابد الجابري " و" أحمد
السطاتي " والأستاذ " مصطفى العمري ".
ويرتكز
امتحان الفلسفة تبعا لهذا المقرر على صيغة " الإنشاء الفلسفي " كما هو
الشأن بالنسبة إلى صيغة هذين الموضوعين :
(قيل إن الميتافيزيقا تبتدئ حيث ينتهي العلم – بكالوريا مغربية لسنة 1965.) (هل يمكن قيام حقيقة ميتافزيقية ؟
بكالوريا مغربية لسنة 1967).
(( وفي سنة 1971 سينطلق بمؤسسات التعليم الثانوي العصري
العمومي تعليم للفلسفة باللغة العربية وبجميع الشعب : الأدبية والعلمية والتقنية،
وخلال سنة واحدة (وهي السنة السابعة ثانوي)، وبمدة زمنية من ثماني ساعات للشعبة
الأدبية، وأربع ساعات للشعبة العلمية، وخلال هذه السنة (1971) سيتم وضع مقرر جديد للفلسفة مغاير للمقرر
السابق المدرس باللغة الفرنسية، وبصيغة تضم مقررين في نفس الوقت )) . (7)
مقرر تتمحور
دروسه حول أصناف التفكير والاتجاهات الأساسية في الفلسفة، وأسس المعرفة، ومناهج
العلوم وسيكولوجية وسوسيولوجية المعرفة، وفلسفة العلوم، ووحدة المعرفة، ومقرر آخر
يتناول دروسا في الفكر الإسلامي، وهما معا من وضع وإعداد نفس المجموعة المؤلفة
لكتاب الفلسفة للبكالوريا المعربة.
وتجدر
الإشارة هنا إلى أن امتحان الفلسفة في البكالوريا ظل محافظا على صيغة الإنشاء الفلسفي "
في الموضوعات الثلاثة الاختيارية المقررة التي يكون من ضمنها موضوع اختياري ثابت في
الفكر الإسلامي.
وابتداء من
سنة 1976 سيتم إقرار مقرر جديد، سيخضع لعملية دمج بين الفلسفة والفكر الاسلامي في
كتاب واحد بعد الفصل الذي كان بينهما في السابق، ليضم بذلك مصادر الفكر الاسلامي
وإشكالية العقل والنقل في علم الكلام وفي الفكر الفلسفي والصوفي العربي والإسلامي،
وإشكالية الفكر والواقع (مسألة التأسيس والأسبقية، ومسألة العلاقة والتغيير،
ومسألة الزمان التاريخي ثم المعرفة (اللغة والمعرفة العلمية وتكون مفاهيمها)،
والأبعاد الإنسانية (البعد البيولوجي والبعد السيكولوجي : الميول والدوافع،
والشعور واللاشعور، والشخصية، إضافة إلى البعد السوسيولوجي (الدولة، وإشكالية النمو والتخلف) . ((علما أن هذا المقرر كان في مراجعته من وضع لجنة تضم مجموعة متميزة من الأساتذة
أحدثها مفتش مادة الفلسفة آنذاك الأستاذ " نور الدين الصايل " الذي يقول عن هذا المقرر : (( لما عينت مفتشا لمادة الفلسفة سنة 1976، قبل ترسيمي في هذا التفتيش سنة 1979 أحدثت - داخل قسم البرامج بوزارة التربية والتعليم
- اللجنة الوطنية لمقررات الفلسفة، وتم ذلك بمعية مجموعة من أساتذة الفلسفة الذين
كانت كفاءتهم مؤكدة ، وطموحهم كبيرا في منح تدريس الفلسفة قيمة وأهمية كبيرة (...) ، وكان رهان هذه اللجنة هو القطع مع
الاستظهار في درس الفلسفة، ويدخل في هذا القطع، القطع مع الكتاب المدرسي أولا ،
والقطع مع الدرس الإلقائي ثانيا، ليكون هناك حوار بين المدرس والتلميذ (...) . وفي هذا الإطار تمت مراجعة مقرر الفلسفة،
وتمت صياغة بطاقات لكل تيمة من تيماته (...) ، واختيار وترجمة النصوص الفلسفية الأساسية للتدريس
بواسطتها ، ليكون دور الأستاذ في ذلك هو تقديم المعطيات الأولية للدرس ، وتحديد
المفاهيم إنطلاقا من تلك النصوص التي تجمع بين الفلسفة الغربية والفكر العربي
الإسلامي الكلاسيكي ، ومن خلال التركيز على التوجه الإبستيمولوجي في تدريسها،وذلك اقتناعا منا بأن الفكر العربي
الإسلامي جزء من الفكر الفلسفي الشامل (...) ، وبأن الممارسة الفلسفية تتحدد في نوع من المعرفة ونوع
من الممارسة (...) . والنتيجة – يقول الأستاذ " نور الدين الصايل " – أن أساتذة
الفلسفة قد تبنوا هذا المقرر والتوجه الإبستيمولوجي الذي يؤسسه ، إلا أن هذا
المقرر كان مصدر إزعاج بالنسبة إلى وزارة التربية والتعليم ، والمحافظين من كل صوب
، إذ أن " الفكر الحنبلي " هو ما بدأ يتجلى في وزارة التربية والتعليم
آنذاك (...) وتقوى في زمنها ، زمن الثمانينيات من القرن الماضي ، ولم تكن مقررات
الفلسفة في الحقيقة إلا مبررات لتصفية حسابات أعمق (...) .
لقد تمت
قراءتنا كلجنة لوضع مقررات الفلسفة قراءة سياسية من لدن وزارة التربية والتعليم ،
ووسمنا بالماركسية واللينينية، وبخصوم الدين، وبغير ذلك من الأوصاف (...) .
وفي النهاية
يقول مفتش مادة الفلسفة الأستاذ " نور الدين الصايل " قررت الوزارة سنة 1983 إلغاء مقررنا للفلسفة (...) ، فكان هذا القرار خطأ شنيعا ، إذ شكل هزيمة
كبرى للفلسفة ولتدريسها (...)، وهو ما جعلنا نطرح السؤال حول ما إذا كنا إلى الآن
نؤدي ثمن معاداة الفلسفة )) . (8)
وفي سنة 1991 ، وعلى سبيل المثال ، سيوزع مقرر الفلسفة الذي أعدته الوزارة سنة 1983 لمستوى قسم البكالوريا الأدبي توزيعا جديدا
يلائم عملية تقويم نظام الأكاديميات، حيث تم إقرار نظام الدورتين بدل نظام الدورات
الثلاث الذي ابتدأ به إحداث الأكاديميات سنة 1987، كما تم إغناء صيغة " الإنشاء الفلسفي
" في امتحان البكالوريا الأدبية العصرية، بإضفاء التنوع عليها لتشمل النص للتحليل والمناقشة
والقولة السؤال والسؤال المفتوح، مع التخصيص في هذا التنوع بين ما يتعلق بالدورة
الأولى لامتحان الفلسفة وما يتعلق بالدورة الثانية منه)) . (9)
والملاحظ أن تعليم
الفلسفة بالمغرب بقسم البكالوريا، وانطلاقا من مقرراته الدراسية وامتحاناته
النهائية ما بين سنة 1940 وسنة 1991 كان متأثرا بشكل قوي بالفكر الفلسفي الفرنسي على الخصوص إلى درجة أنه كان
ينقل عنه بدون مراعاة لشروطه التاريخية التي أنتجته ، وبدون مساءلة نقدية لهذا
النقل عن معناه وفائدته ووظيفته بالنسبة إلى واقع التعليم الفلسفي بالمغرب . (( إنه حينما كانت مثلا الفلسفة الوجودية تتمتع
بنوع من التأثير داخل أوربا، خاصة في المجتمع الفرنسي، نجد هذا التأثير يتشكل
عندنا في موضوعات مقررنا المغربي للفلسفة وفي كتابه المدرسي (...) ، ففيه نطالع موضوعات كالحرية والحقيقة ،
والله والإنسان ومصيره ؛ ولا يخفى هنا الطابع الوجودي الذي تحمله هذه الموضوعات ، خصوصا إذا عرفنا أن المقرر
والكتاب المدرسي قد اعتمدا في الستينيات من القرن العشرين ، ونفس التأثير مثلا نجده
في الكتاب المدرسي (دروس
الفلسفة) الذي ظهر في السبعينيات المرتبط بتعريب الفلسفة، حيث نطالع موضوعات
الديالكتيك والبنيوية مثلا، إذ أصبحت هذه الموضوعات الظاهرة الفكرية في السبعينيات
،ونفس (الأمر) نجده بالنسبة إلى المقرر، والكتاب المدرسي (الفكر الإسلامي
والفلسفة لسنة 1976)، حيث نطالع مثلا موضوعا كالموضوع المتعلق بمجال اللغة، (علما) أن هذا
المجال يعتبر في البنيوية هو النموذج الأعلى للعلوم الإنسانية )) . (10)
وسيدخل تعليم
الفلسفة ابتداء من سنة 1992 تجربة مغايرة لسابقاتها من وضع لجنة من المفتشين المركزيين
والمنسقين الجهويين لمادة الفلسفة، تجربة مُقرّر إجرائيّ يعتمد التدريس بالأهداف، كما يعتمد النصوص الفلسفية كمادة معرفية
وكوسيلة للتدريس مع استحضار الفكر العربي
الإسلامي في هذه التجربة ، كل ذلك في صياغة مقرر من جهة يتمحور حول وحدات
كانت بالنسبة إلى السنة النهائية آداب عصرية مثلا تتعلق باللغة، والمعرفة والبيان،
والمعرفة العلمية والشخصية والعلوم الإنسانية، ومسألة القيم الأخلاقية والجمالية،
ومن جهة أخرى في كتاب مدرسي للنصوص الفلسفية مرفقة بتأطيرات منهجية مساعدة على
تركيب النصوص في بناء الدرس وعلى تناول هذا الأخير في سياقه الإشكالي العام.
أما امتحان الفلسفة في البكالوريا فإنه وإن كان يرتبط
بصيغة الإنشاء، فإنه لم يقتصر في أشكال هذه الصيغة على الاشتغال على النص وحده ،
ما دامت المذكرة المنظمة لموضوع الامتحان تضع أمام لجنة إعداده اختيارا آخر كالقولة
السؤال أو السؤال المفتوح.
علما أن هذه
الاختيارات الثلاثة كان يفهم من منطوق المذكرة المنظمة لها أنها لفائدة واضعي
الامتحان وليست لفائدة الممتحنين، وهذا ما سيصحح فيما بعد، وكان للإشراف التربوي
بآسفي مساهمة في هذا الموضوع .
وفي سنة 1996 سيتم التراجع عن هذه التجربة في تعليم
الفلسفة، وهو تراجع لم يكن في القناعات، وإنما فرضه العمل بمقررها المدرسي، وما
طرحه من صعوبات ديداكتيكية وبيداغوجية بفعل جدة وأصالة المنهج الموضوعاتي،
وبالاعتماد على مركزية النص.
المهم أن
التراجع عن تلك التجربة قد تم، وان المقرر المدرسي المرتبط بها قد تم الاستعاضة عنه بمقرر للمفاهيم ينبني على أطروحة التعليم بالكفايات أعد وضعه من طرف
لجنة من المفتشين المركزيين ومنسقين جهويين
لمادة الفلسفة ، وهو يشتمل على سبيل المثال بالنسبة إلى مستوى شعبة الآداب
العصرية على اللغة والعقل والحقيقة والنظرية
والسعادة والشخصية والغير والحق والشغل.
ويشكل كل
مفهوم من هذه المفاهيم موضوعا لدرس مستقل بذاته، درس لا يخضع لمركزية النص بقدر ما
ينهج ديداكتيكية المزاوجة بين العرض والنص الفلسفيين، أما امتحان الفلسفة في
البكالوريا فقد بقى يراوح مكانه ضمن صيغة " الإنشاء الفلسفي ".
لكن بحلول
القرن الواحد والعشرين، وتحديدا في سنة 2007 سيكون لتعليم الفلسفة مقرر جديد من وضع مديرية البرامج والمناهج،
ومن إنتاج اللجن الحرة للتأليف الفلسفي لكتابه المدرسي، مقرر سيتخذ من الكفايات
وسائطه البيداغوجية، ومن التدريس بواسطة النص الفلسفي محتوياته وديداكتيكه، ومن
المجزوءات والمفاهيم عناصر بنائه، ومن تحيين وإضافة وتنقيح نص المذكرة السابقة رقم
133.04 في موضوع امتحان الفلسفة في البكالوريا أداته
المنهجية في صيغة أطر مرجعية في إعداد موضوعات الفلسفة في الامتحان الوطني الموحد
للبكالوريا (11) ، الذي حل محل الامتحان الجهوي سنة 2003 . (12) و كمثال
على مقرر الفلسفة الجديد يمكن الإشارة إلى مقرر مسلك الآداب والعلوم الإنسانية في
كونه يحتوي على مجزوءات الوضع البشري، والمعرفة والسياسة والأخلاق، كما يضم مفاهيم
كالشخص والغير، والتاريخ، والنظرية والتجربة، وعلمية العلوم الإنسانية، والحقيقة
والدولة، والعنف، والحق والعدالة، والواجب والسعادة والحرية.
يتعلق الأمر
إذن بتاريخ طويل لامتحان الفلسفة في البكالوريا المغربية، يمكن أن نسميه تجاوزا
بتاريخ تجريبي، تاريخ تم من خلاله تجريب مجموعة من الفرضيات على مستوى تعليم
الفلسفة إرتكز بعضها على المضمون المعرفي، وبعضها على النص، وبعضها الآخر على
المزاوجة بين العرض والنص، وقد كان هذا التاريخ تاريخا تجريبيا حتى على مستوى
الامتحان، حيث تم تجريب مجموعة من صيغ الامتحان كشفت نتائج التلاميذ الممتحين في أغلبها
على أكثر من مطعن فيها، خلال الماضي القريب . إن الفرضيات التي وجهت ذلك التاريخ
التجريبي على مستوى التعليم والامتحان في الفلسفة لم تكن كافية لفهم وتجاوز أزمة
تعليم وتعلم الكتابة المتفلسفة في امتحان البكالوريا .
والسؤال الإشكال الذي يطرح هنا : هل النتائج
المتدنية لامتحانات الفلسفة في البكالوريا ترجع إلى طبيعة المقرارات المدرسية ، وإلى طبيعة صيغ الامتحان المعتمدة ،
أم أن ذلك يرجع إلى عدم تحقيق تعليم الفلسفة لأهداف الفلسفة باعتبارها أداة تفكير بالفكر والعمل به لا مجرد مادة
لمعرفة الفكر من أجل المعرفة فقط ؟
إن المشتغلين بهذا الإشكال قد وجههم تصور ضمني مفاده الاعتقاد بأن حل هذا
الإشكال يتم عن طريق تعديد وتنويع صيغ امتحان
الفلسفة في البكالوريا ، وتمكين التلميذ الممتحن
من اختيار واحدة منها ، كما وجههم أيضا تصور ضمني أخر
مفاده الاعتقاد بأن العملية التفصيلية لمقتضيات الكتابة في كل صيغة – كما جاء في
المذكرة (159) والمذكرة المحينة لها ، والمنظمة لموضوعات الامتحان الوطني
الموحد في الفلسفة – تشكل حلا لمعالجة كل صيغة من صيغ الامتحان ، وتضع حدا
لمعاناة التلاميذ لما يواجهونه من صعوبة في الكتابة من جهة ، ولمعاناة أساتذة
الفلسفة أنفسهم من جهة أخرى لكونهم لم يتمكنوا في الظاهرة من الارتقاء بكتابة
تلامذتهم إلى مستويات أعلى، إلى درجة يمكن معها الحديث عن أزمة الكتابة المتفلسفة
في امتحان البكالوريا ، أزمة تدل بكيفية واضحة على أن حل إشكال تعليم وتعلم
الكتابة المتفلسفة لن يتحقق عبر قرارات إدارية
تترجمها مذكرات توجيهية ومحددة لصيغ موضوعات الفلسفة في امتحان البكالوريا وتعديدها
وتنويعها وإبراز مقتضيات الإجابة عنها ، لأن هذه الصيغ ومقتضيات الإجابة عنها رغم
تنوعها في الظاهر تظل في العمق تمرينا
يتطلب الجواب عنه خطة عقلية تظهر قدرة
التلميذ على بناء الفكر وتأطيره داخل حدود منطق داخلي ، يكشف عن تكوين عقل منظم
لدى التلميذ كما يؤكد على ذلك الفيلسوف الفرنسي " إدغار موران ".
وإذن، فإن تجاوز أزمة تعليم وتعلم كتابة "الإنشاء
الفلسفي" لا يكمن في تعدد وتنوع صيغ الامتحان، واختيار التلميذ بينها ، ولا
في تحديد مقتضيات الإجابة عنها ، وإنما يقتضي العودة إلى تعليم الفلسفة والتفلسف
في إطاره الأشمل ، ومن مُدخلات هذا التعليم إلى مُخرجاته .
وإذا كان تعليم الفلسفة والتفلسف في نظامنا
التعليمي المغربي في الوقت الراهن يعتمد مقاربة الكفايات ، وهي بيداغوجيا تنتقل
بنا من مستوى تعلم الأفكار الفلسفية إلى مستوى التفكير بالأفكار والعمل بها. فإن السؤال
الذي يطرح تبعا لذلك هو : هل ترقي موضوعات الفلسفة في امتحان البكالوريا المغربية ، في صيغها المختلفة إلى اختبار قدرة التلميذ الممتحن على
تعبئة مكتسباته المختلفة في حل مشكل جديد ، أو تحقيق مشروع فكري ، أم أن الإشكالات
المطروحة للمعالجة (أي الإشكالات التي
يطرحها موضوع الفلسفة في إمتحان البكالوريا ، وينتظر من التلميذ الممتحن الإجابة عنها)، هي إشكالات
متناولة في كل درس من دروس المقرر المدرسي، ويكفي هنا الاستظهار لتقديم معالجة لها
؟ وهذا ما قصده أحد الذين مارسوا ونظروا وخبروا الدرس الفلسفي ، حينما اعتبر أسئلة
الإمتحان ، التي تطرح من داخل ما درسه التلميذ في
المقرر، تجعل التلميذ تحت رحمة صاحب الكتاب المدرسي ، وتحت رحمة صاحب الدرس
وتحت رحمة من يضع السؤال. (13) وحينها نكون بعيدين كل البعد عن بيداغوجيا الكفايات،
وبعيدين كل البعد عن تعليم
فكر فلسفي من أجل اعتماده كفكر نفكر به ونعمل به ،فكر يكون أداة لإنتاج فكر جديد
يبرز معه المجهود المطلوب في صيغة " الإنشاء الفلسفي " .
وعليه فإن ما ينتظر أن يتناوله التلميذ في
مقرراته هو الفكر الأداة ، الفكر الذي ينتظر أن يعبأ ويسخر. أما المشكل أو المشروع الذي يتعين عليه أن يفكر فيه
بواسطة ذلك الفكر موضوع المقرر المدرسي، فينبغي أن يكون غير متضمن فيه ، فذلك هو
الشرط الضروري لتجاوز الاستظهار، والإجابات الإسقاطية ، وعمليات الغش في كتابة
الإنشاء الفلسفي، وإقدار التلميذ الممتحن على إبراز مجهوده الشخصي في هذه الكتابة
. ففكر موضوع المقرر المدرسي يكسب التلميذ الأدوات المعرفية والمنهجية والتواصلية
، ويمنحه الكفايات ، وامتحان الفلسفة في البكالوريا يفترض فيه أن يختبر ويقيس مدى قدرة
التلميذ على تعبئة وتسخير تلك المكتسبات، أي التفكير بها ، واستعمالها في
معالجة مشكل أو تحقيق مشروع .
وإذا تحقق هذا ، فمعنى ذلك من جهة أن قطيعة
حقيقية ينتظر أن تتم مع الأشكال التقليدية لامتحان الفلسفة في البكالوريا ، ومن
جهة أخرى فإنه ستصبح للفلسفة- بإعتبارها
ذلك الفكر الذي نعرفه ، ونفكر به ،
ونعمل به ونشتغل عليه – مكانة متميزة في نظام امتحان البكالوريا (كأن يطلب مثلا من
الممتحن انطلاقا من تأكيد " جون بول سارتر " بأن الإنسان محكوم عليه
بالحرية " تقديم فهم فلسفي لتأكيد البعض على خضوع الأفراد والجماعات لحتميات
مختلفة) ، أو (كأن يطلب مثلا من الممتحن انطلاقا من تصور " فرويد "
للشخصية تقديم تفسير لانتشار ظاهرة العنف في المجتمعات المعاصرة، وبيان مدى كفاية
ذلك التصور في تفسير هذه الظاهرة . ) .
واضح أن تغييرا من هذا النوع في إمتحانات
الفلسفة يعتبر أمرا صعبا للغاية ، ولكنه ضروري ، فهو تغيير يتطلب قدرا كبيرا من الجرأة ، ولكن غيابه يشكل
مصدر معاناة للجميع، وفي تصورنا أن الجرأة على البداية ، والشروع في التغيير تقتضي
منا الجرأة على التخلص من كل وصاية في وضع
المقررات المدرسية وصيغ امتحان البكالوريا ومضامين هذه الصيغ ، والالتزام بثقافة
الفلسفة ، ثقافة فكر نعلمه ونتعلمه لنفكر ونعمل به بعد ان نشتغل عليه، وذلك شرط
ضروري لتجاوز الاستظهار والإسقاط ونثر
النصوص، والكتابة الاحتجاجية والمسفة والغش ، وهو ما ينبغي أن يميز كل كتابة متفلسفة
في إنجاز الدرس من جهة ، وفي إجابات التلاميذ في امتحان البكالوريا من جهة أخرى .
ذلك ما ينبغي أن يكون ، وشتان بين ماينبغي أن
يكون ، وبين ما هو كائن ، فما هو كائن استظهار، وإسقاط، ونثر نصوص، وسطحية،
وتناقض، وتفكك ، وأخطاء لغوية، وكتابة احتجاجية ومسفة، وهي كلها علامات ضعف يعترف
بها الأساتذة عبر تقديراتهم المتدنية لأغلب إجابات التلاميذ في الامتحانات .
وفي تقديرنا أن أزمة الكتابة المتفلسفة لدى التلاميذ
في امتحانات البكالوريا تطرح مشكلة ذات علاقة وثيقة بالثقافة المدرسية في المغرب،
وعلاقتها بأشكال الثقافة التي تتوزع التلميذ في الأسرة، وفي المؤسسات الاجتماعية
المختلفة، وفي وسائل الإعلام، وفي مجتمع الشباب، وهي أشكال تجعل التلميذ أمام
استعمال لغات مختلفة داخل نفس اللغة التي يتكلمها، وأمام مبادئ مختلفة تتأرجح بين
العقلانية واللاعقلانية، وأمام استيعاب الثقافة المدرسية، وهي ثقافة لغتها اللغة
العالمة، ومنطقها المنطق العقلاني الذي تكون معه كل الأفكار، والمواقف والنتائج
قابلة للتفسير العقلي، ومفاهيمها هي المفاهيم العقلانية التي انتهى إليها الفكر
البشري عبر تراكمه التاريخي، مفاهيم تم بناؤها والتفكير فيها، وأصبحت أداة للتفكير
والعمل بها .
إنها ثقافة
زمانها في الظاهر، زمان ثلاثي الأبعاد (ماض وحاضر ومستقبل) ، وفي العمق ثقافة
زمانها متفاعل الأبعاد (فيه ماض يساهم في صناعة الحاضر، وفيه في نفس الوقت حاضر
يغير من قراءتنا للماضي نفسه، وفيه مستقبل، وعلى الأقل تصور لمستقبل يؤثر على
استعمالنا لحاضرنا ، وعلى قراءتنا لماضينا) .
أما ثقافة
التلميذ فهي ثقافة المباشر ، "ثقافة الآن L’instant"، وثقافة
الاستهلاك ، والمتعة المباشرة ، وثقافة تراجع التركيز والجهد لفائدة السطحية
والقفز، وبالتعبير الغربي ثقافة " الزابين zapping ". بهذا المعنى تكون الثقافة المدرسية مهددة
بعائق خطير يحول دون استيعابها، ودون التفكير بها والعمل بها، وهو ما يكشف أن
التلميذ المغربي، يعيش تمزقا ثقافيا ينذر بانهيار ثقافي لفائدة ثقافة الآن،
والاستهلاك، والمتعة المباشرة.
صحيح أن قبول
التعدد والاختلاف والانفتاح على ثقافات الغير ، هي مطالب نحن مدعوون جميعا إلى
قبولها، وفهمها وتفهمها ، إلا أن كل ذلك ينبغي أن يتم داخل مبادئ تشكل قاعدة لكل
تلك الثقافات رغم تعددها واختلافها في الظاهر ، أما التوزع الثقافي الذي يهدد
الثقافة المدرسية ، ويؤدي إلى هيمنة ثقافة الآن والاستهلاك والمتعة المباشرة، فهو
توزع ثقافي ينذر بانحسار الثقافي، وفيه إعراض عن أغلب ما انتهى إليه الفكر البشري
من مكتسبات ، والعجز عن التفكير فيها ، والتفكير بها والعمل بها والقفز عن حلقات
هامة من تاريخ الثقافة البشرية قفزا يفسر وصف ثقافة البعض بثقافة " الزابين zapping "، ثقافة نعجز معها على
استيعاب التفكير والعمل به .
وإذا صح ذالك،
فإن مفهوم الحق في الاختلاف والتعدد، وتفهم كل ذلك يحتاج إلى مراجعة على ضوء فكر نقدي وقائي توقعي
يقنعنا بضرورة الحرص على وحدة مبادئ الفكر، ومشروعية التعدد والاختلاف في التفكير.
ولكن داخل تلك الوحدة ، ليكون الحوار ممكنا، والتقدم عبر ذلك الحوار متحققا.
وإننا حين
نجرؤ على التأكيد من خلال نظامنا التعليمي، ومن خلال امتحاناتنا صراحة وضمنيا
بأننا نتطلع ونكافئ القادر من التلاميذ على استيعاب الفكر ، والتفكير به، والعمل به – حين نفعل ذلك
– نساهم في وضع حد لثقافة الاستظهار والإسقاط والمتعة المباشرة وثقافة تراجع
التركيز ، والجهد لفائدة السطحية ، والغش ، مساهمة يكون لها دور في وقف تراجع
تفكير تلامذتنا إلى مستوى يعجزون معه عن التفكير والعمل بما راكمه الفكر البشري من
مكتسبات معرفية ومنهجية وتواصلية .
الهوامش :
1- Revue « le Monde de l’Education » juin 2008 . France . P : 35.
2- Ibid , P : 36.
3- Revue « le Monde de l’Education »
Avril 2008 . France . P : 29.
4- Ibid , P : 30.
5- " العربي وافي " –
" منوغرافيا عن تعليم الفلسفة بالثانوي " ضمن كتاب تدريس الفلسفة والبحث
الفلسفي " – دار الغرب الإسلامي . طبعة 1990 – بيروت – لبنان – الصفحة من 274
إلى 278 – هذا بالإضافة إلى ما أشار إليه
الفيلسوف " محمد عابد الجابري " في كتابه : " حفريات في الذاكرة
" في " كونه اجتاز امتحان
البكالوريا بنجاح في يونيو سنة 1957 ، وهي
المرة الأولى – يقول – التي
تعقد فيها دورة البكالوريا المغربية المعربة بصورة رسمية " – طبعة 1997 – دار
النشر المغربية – الدار البيضاء – المغرب – الصفحة : من 274 إلى 278.
6- " العربي وافي " –
منوغرافيا عن تعليم الفلسفة بالثانوي – " ضمن كتاب تدريس الفلسفة والبحث
الفلسفي " الصفحة : 186 .
7- نفس المرجع الصفحة : 266.
8- Nouredine Saïl « Les groupes de pression
Idéologique excédent par fois même l’autorité Rationnelle et politique de
l’état » In / revue « Tel quel » n° 820 du 13 au 19 Juillet
2018, P : 30.
9- المذكرة الوزارية رقم 127 بتاريخ 26 شتنبر 1996 – في موضوع المراقبة
المستمرة وموضوعات امتحانات البكالوريا لمادة الفكر الإسلامي والفلسفة – الصفحة :
6.
10- " مرشد محمد " : ملاحظات
حول تدريس الفلسفة – مجلة الثقافة الجديدة – العدد : 14 – السنة : 5 المحمدية طبعة الأندلس – الدار البيضاء – 1980 –
الصفحة : 196.
11- المذكرة الوزارية رقم 159 بتاريخ 27 دحنبر سنة 2007 – في موضوع : الأطر
المرجعية لموضوعات الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا : مادة الفلسفة . وقد حينت
منقحة بتاريخ 25 يونيو 2014 في نفس الموضوع تحت رقم 093/74.
12- قرار وزير التربية الوطنية بشأن نظام امتحان البكالوريا للتعليم الثانوي
بتاريخ أكتوبر 2001 – الباب الخامس – المادة 27 – الصفحة : 6 و 7.
13- " أحمد السطاتي " : حوار
مع مجلة فلسفة – للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة .
العدد 6 – سنة 1998 – مطبعة " المغاربية
إتقان " – سلا . المغرب – الصفحة : 46.
0 التعليقات:
more_vert