صرخة فلسفية. في مشكلة الإجتهاد الفلسفي.

التصنيف




  
صرخة فلسفية



قال الكندي :" ..وينبغي إقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا والأمم المُباينة لنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق... فحسُن بنا أن نلزم إحضار ما قاله القدماء ...وتتميم ما لم يقولوا فيه قولا تاما على مجرى عادة اللسان وسُنّة الزمان."

إلى أيّ حدّ يُمكن اعتبار تاريخ الفلسفة القديم والحديث وحتى الفلسفة المعاصرة، عائقا أمام المفكرين العرب في الاجتهاد والإبداع الفلسفيين؟ فرق بين أن يعيش المفكر في جبة فيلسوف وأن يتملكه ويوظف بعضا من إجتهاداته في إبداع فكر ليس بالضرورة اجترارا وإعادة تفسير لنسق الفيلسوف؟ ديكارت أبدع لنفسه فلسفة خاصة به، ونفس الأمر بالنسبة لسبينوزا وكانط وهيجل ونيتشه وهوسيرل وهيدجر وسارتر وفوكو...السؤال، ما المانع الذي يحول دون اجتهاد أساتذة الجامعات بالمغرب والذين يدرسون الفلسفة في التميز الفلسفي لا في إعادة شرح وتفسير فلسفة " نجوم الفلسفة " المشهورين؟ لقد أصبح لدينا في المغرب شبه " قبائل فلسفية" : ديكارتية وكانطية وسبينوزية ودولوزية، في الوقت الذي كان من المطلوب استثمار اجتهادات الغير في الاجتهادات الذاتية ما دامت الفلسفة إعمالا للعقل في الموضوعات ، ولا نهائية الموضوعات تسمح بالاجتهاد كما اجتهد الآخرون علما أن إشكاليات العصر الحالي جديدة ونوعية لم يسبق لآي فيلسوف من تاريخ الفلسفة مواجهتها؟ مثلا ونحن نقرأ لمحمد عابد الجابري أو طه عبد الرحمان أومحمد أركون أو عبد الله العروي، والمحاولات الأخيرة لسعيد نشيد في ربطه الفلسفة باليومي...يظهر أنهم مطلعون على منهجيات فلسفات غيرهم وحاولو ا استثمارها في ما هم انشغلوا به، دون الإصرار بالتزيّن بأسماء فلسفية مخصوصة،بمعنى كثير من أساتذة الجامعات لمادة الفلسفة هم مرددون حرفيا لفلسفات غيرهم وخاصة من الجغرافية الأوروبية.ربما كان هذا قبل انتشار الثورة الرقمية وشح الكتاب الورقي ،أما قد أصبحث جل كتب الفلاسفة منشورة إلكترونيا ، فلم يعد من مبرر الاستمرار في تعليمنا منطوق هذا الفياسوف أو ذاك، وقراءته مباشرة أصبحت تغني عن التفسير بالوكالة أو الوساطة. السؤال،ألا يتناقض سلوك كثير من أساتذة الجامعات لمادة الفلسفة مع روح الفلسفة حين القيام " بحلب " سبينوزا مثلا كما تحلب البقرة ليقول لنا ما لم نستطع أن نكتشفه نحن من خلال واقع هو واقعنا وليس واقع سبينوزا أو ديكارت؟ هذا لاينفي المصداقية الفلسفية لهؤلاء لكن الخلاف حول كيفية حضورهم في القول الفلسفي الاجتهادي وليس الاجتراري،وبالتالي هل تم تجميد الاجتهاد الفلسفي كمشروع مستقبلي ـ ليتم قراءة الواقع المعاصر بعيون أفلاطون وابن رشد مثلا؟ وهل يمكن لابن عربي أن يفيدنا في تطوير التجربة الروحية في زمن الثورة الرقمية وما خلفته من آثار جديدة على منظومة القيم ؟لماذا نتهم التلاميذ في إنشاءاتهم الفلسفية بسرد الأطروحات تباعا وإعادة اجتراراها ونفس الإجراء يقوم به عدد من مدرسي الجامعات: إعادة شرح وتفسير القول الفلسفي من تاريخ الفلسفة في كتبهم ومختلف مقالاتهم. السؤال : ما الفرق بين الاجتهاد الفلسفي والتفسير الفلسفي ؟وكيف نشجع الناس على ممارسة التفلسف ونحن نقص عليهم بطولات الفلاسفة وليس استثمار الفلسفة في التفكير الذاتي لفهم الذات والاخر والواقع المحلي ؟ هل "الفلسفة العربية" إن وجدت تعرف خريفها بالرغم من أنها لم تعرف الربيع الفلسفي ؟ كثير منهم يتذرعون بالكونية، ولكن هل للكونية بعد واحد اتجاهه هو الفلسفة الأوروبية تحديدا؟ ماذا عن الفلسفة الإسلامية واليابانية والهندية...؟
وأخيرا ماذا يقول لنا سبينوزا ،كمثال،عن تسارع تدمير النيوليبرالية للبشرية بشكل لم يسبق للتاريخ أن عرفه، صحيح هناك ثوابث فلسفية لا يمكن التنكّر لها، لكن هناك أيضا متحولات لن يفهما السلف وموكول للخلف الاجتهاد ولإبداع ، لكن مع تلاحق التطورات الحالية المخيفة ...إلى درجة أن خطابات العقلانية واليقظة الفكرية...لم تعد تنفع مع اقتراب يوم القيامة الدنوية ومؤشراتها ظهرت مع الاحتباس الحضاري والهندسة الوراثية وتوصيات البنك الدولي المفقرة للشعوب بما فيها شعوب الدول التي أنتجت فلاسفة كبار، وفلسفتهم تتفرج على بداية انهيار كبير قريبا الأمر الذي يقتضي تغيير الإحداثيات الفلسفية قبل فوات الأوان. لم أكن أتصور فرنسا الأنوار يتم تفقير شعبها لتظهر الحقيقة مع السترات الصفراء وتنكشف عورة كثير من المآسي لشعب أنتج كبار الفلسفة ولكنه لم يستطع التداوي بالفلسفة التي أبدعها كثير من الفلاسفة الفرنسيين.ومن الغريب أن الاهتمامات الفلسفية الحالية منصبة على موضوعات بعيدة كل البعد عن بداية انهيار العصر البشري بتدمير مقدراته العقلية ( الذكاء الصناعي ) ومقدراته الطبيعية ( الاحتباس الحراري)؟
فأين نحن من "وتتميم ما لم يقولوا فيه قولا تاما على مجرى عادة اللسان وسُنّة الزمان."؟


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: