ملحوظة : نموذج من دروس فلسفية لمدرسي الفلسفة بتونس ( مع الأسف موقع الأستاذ باسم العيادي تم حذفه لأسباب مجهولة.ومن حظي أني قمت بسجيل جل دروسه منذ عشر سنوات خلت . كما لم أتمكن من تحميل بعض النصوص التي خضعت للتحليل للسب السابق.)
التعريف:
يتعلق الأمر هنا ببلورة ما يفترضه القول الصريح
للكاتب في النص من أوليات ، يعتبرها الكاتب عن وعي منه أو عن غير وعي ، بديهية، و
تشكّل هذه المسلمات الضمنية شرط إمكان القول الصريح كما هو وارد في النص . تنبيه:
لا يتعلّق الأمر عند تدريب المتعلّمين على هذه المهمة المنهجية بدعوتهم إلى البحث
عن مسلمات النسق الفلسفي للكاتب ، بل فقط إلى الكشف عن المسلمات الضمنية للنص
المقترح عليهم ، دون اعتبار ضروري للنسق أو المذهب .
الهدف: أن يصبح المتعلم قادرا
على استخراج مسلمات النص الضمنية وتحديد تبعاته باعتبار ذلك شرطا ضروريا لفهم النصّ
وتحليله من جهة، ومحاورته نقديا أو تنسيبه عند الاقتضاء من جهة أخرى وذلك من خلال
إعادة النّظر في مدى وجاهة مسلماته الضمنية أو قيمة التبعات النّظريّة والعمليّة،
المترتبة عنه .
التطبيق:
1- نصّ لأفلاطون من محاورة " غورجياس " " وهذا هو السبب
الذي يجعل النّاس في ميدان القانون يحكمون على الطموح إلى الحصول على ما هو افضل
مما لدى عامة الناس بأنه طموح غير عادل وقبيح ، وهذا ما يسمونه ظلما. ولكن الطبيعة
نفسها، حسب رأيي تعلن بأنه من العدل أن يحظى الأفضل بأكثر مما يحظى الأسوأ، وأن
يحظى الأقوى بأكثر مما يحظى الأضعف . إن هذه الطبيعة تكشف لنا بواسطة أمثلة عديدة،
أن الأمر هو كما ذكرنا وأن الناس قد حكموا لا فقط بالنسبة إلى عالم الحيوان بل كذلك
بالنسبة إلى الجنس البشري قاطبة، مدنا وأعرافا، بان العدالة تقتضي أن يحكم الأقوى
في من هو أقل قوة منه وأن يحظى بالنصيب الأوفر. وبالفعل لنا أن نتساءل بأي حق دفع
كسرساس الحرب إلى بلاد اليونان ، وبأي حق دفعها أبوه إلى بلاد " السيت " فضلا عما
يمكن ذكره من أمثلة لا حصر لها من نفس القبيل . كل هؤلاء في اعتقادي يقومون بهذه
الأعمال وفقا لطبيعة الحق ووفقا - وحق زيوس - لقانون الطبيعة، لا - حسب الظاهر -
وفقا للقانون الذي وضعه ا لبشر. ألسنا نكون أفضل من فينا من الأفراد وأقواهم وذلك
منذ نعومة أظافرهم مثل الأشبال لنستعبدهم وذلك بفتنهم وبإغرائهم بالشهرة، مؤكدين
لهم أن في احترام المساواة يكمن الجمال والعدل ؟ ولكن يكفي أن يبرز رجل له من قوة
الطبع ما يكفي لزعزعة هذه القيود وكسرها و الإفلات منها حتى يثور - وأنا واثق من
ذلك - ليدوس كتبنا وأمجادنا وتعاويذنا، وكل قوانيننا المضادة للطبيعة، فنرى فيه
عندئذ سيدنا، وقد كان من قبل عبدنا، وعندها يسطع حق الطبيعة بكل نوره . إليك يا
سقراط الحقيقة التي تزعم البحث عنها: أن الترف ، وإطلاق العنان للشهوات والحرية،
عندما تسندها القوة، إنما هي عين الفضيلة والسعادة، أما ما عدا ذلك ، وأعني هذه
الأفكار الجميلة وهذه الاصطلاحات المضادة للطبيعة فلا تعدو أن تكون حماقات وعد ما.
" أفلاطون : غورجياس
أ- المسلمات ا لضمنية : تمكن قراءة متأنية لنص أفلاطون هذا من
معاينة جملة من الإقرارات الضمنية التي يستند إليها موقف كاليكلاس ، من ذلك:
- -
إقرار ضمني بتصور للطبيعة مفاده أن الطّبيعة تخضع لضرورة بمقتضاها يتغلب القوي على
الضعيف.
- - إقرار ضمني بان الطبيعة وقوانينها تعد مقياسا إيجابيا ومرجعا أو نموذجا
يستند إليه في تحديد القيم ، وفي هذا استبعاد لتصور آخر للطبيعة يقوم على اعتبارها
معيارا متعاليا على الإنسان ( أفلاطون ).
- - إقرار ضمني بتصور للانسان بما هو كائن
رغبات وأهواء أي أنه يستبعد وجود مبدأ منظم أعلى مرتبة من الرغبة هو النفس .
ب-
التبعات: أما التأمل في ما يمكن أن يترتب عن موقف كاليكلاس في هذا النص من تبعات
نظرية و/ أوعملية فإنه يكشف عما يلي : - - تثمين الفردية المتمثلة في التركيز على
الفرد باعتباره كائن الرغبة الذي يمكنه أن يشبع كل رغباته بصفة لا مشروطة اعتمادا
على ما منحته الطبيعة من قوة يؤول إلى إقصاء الكلية كقيمة وجعل العنف يصبح سيد
الموقف بين الأفراد.
- - كما يترتب عن موقف كاليكلاس المكرّس لاستراتيجية اللذة
استحالة كل حوار حقيقي ، لان الخطاب قد وقع تأليته (تحويل الخطاب إلى أداة صرا ع ).
هناك إقصاء للكلية وللحوار لأن الدياليكتكية تفترض التناقض ، ولكن التناقض هنا وقع
إقصاؤه . مآل هذه الاستراتيجية هو انهيارها المحتم بسبب تهافتها الداخلي الراجع إلى
أن الرغبة لا تندرج في الزمن من حيث هو ديمومة بل هي لا تظهر إلا في الحين ،
والسعادة الموجودة تبقى رهينة القوة التي تبقى أساسا ظرفية. إن اللذة المرتبطة
بسياسة القوة ليست لذة ثابتة لأنها مهددة بسبب تولد قوة أخرى تكون لها الغلبة على
القوة الأولى مما يخلف لها ألما أقوى من اللذة، فعلاقة السيد بالعبد هي علاقة
متداعية وإبادة ما تكون عن كونها طبيعية.
- - يترتب عن موقف كاليكلاس كذلك تكريس
الوضع السياسي السائد واستبعاد كل إمكانية للانفتاح على ما يمكن أو ما يجب أن يكون
... وعلى مستوى العلاقة بين الشعوب ، لا يمكن لهذا الموقف إلا أن يفضي إلى تكريس
سياسة إمبريالية ونزا ع دائم .
2) نص لجان جاك روسو: " إنه لكثير أن يكون الحاكم قد
تمكن من جعل النظام و السلام يستتبان في جميع أرجاء الجمهورية، وكثير أن تسلم
الدولة ويحترم القانون ... ولكن إذا وقع الاقتصار على ذلك فالأمر في هذه الحالة
يكون مظهرا أكثر مما هو واقع ، وستجد الحكومة عندئذ صعوبة في أن تطاع إذا كان لا هم
لها غير الطاعة. وإذا كان من المستحسن معرفة استعمال البشر كما هم في واقع أمرهم
فإنه لمن المستحسن أكثر بكثير جعلهم يصبحون على نحو ما هو مرغوب في أن يكونوا عليه.
إن مطلق السلطة هي تلك التي تنفذ إلى أعماق الإنسان وتمارس على الإرادة بقدر ما
تمارس على الأفعال . وأنه لمن المؤكد أن الشعوب تكون على المدى الطويل ، على النحو
الذي جعلتها عليه حكوماتها، فهي تجعل منهم محاربين أو مواطنين أو بشرا متى أرادت
ذلك ، وتجعل منهم سوقة أو أراذل إذا ما عن لها ذلك - لهذا السبب فان كل أمير يحتقر
رعاياه يفقد بفعل ذلك شرفه مبيّنا بدلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين
بالاحترام. كونوا إذن بشرا إذا أردتم أن تحكموا بشرا فإذا أردتم أن يطيع الناس
القوانين أحرصوا على أن يحبوها، بحيث يقومون بالواجب حالما يخطر ببالهم وجوب القيام
به . " ج ج . روسو
أ - المسلمات ا لضمنية: يقوم موقف روسو في هذا النص على جملة من
المفترضات المسلم بها ضمنيا من ذلك :
- - أن الإنسان قابل للاكتمال
- - أن كل ما
يصدر عن " أعماق الإنسان " وعن إرادته لا يكون إلا كليا وخيرا .
- - أن الإنسان
يفتقر إلى سلطة سياسية لأن الإنسان في المجتمع لم يعد على طيبته التي يفترض أنه كان
عليها في "حالة الطبيعة" بل تشوّه.
- - أن مقصد روسو الصريح هو أن ينعم المواطن في
ظل السلطة بالاستقلالية. ويفترض ذلك ضمنيا نفي العلاقة الخارجية بين الطاعة و
القانون و الإقرار بعلاقة تلازمية بين القانون و الإرادة. و الإرادة المعنية في هذا
السياق هي إرادة غير قابلة للمساومة و التنازل ومعبرة عن جوهر الإنسان.
- - أن
المواطن هو الشخص الذي لا يقتصر سلوكه على مطابقة آلية وخارجية للقانون بل هو من
يكون سلوكه نابعا من باطنيته و إرادته ومطابقا للإرادة العامة (بناء على قوله في
النص : " يقومون بالواجب ... في وجوب القيام به ".
- - إنه من الضروري التفريق بين
القانونيّة والمشروعية في الحديث عن السلطة السياسية (بناء على ما ورد في النص من
نقد للحكومة التي " لا هم لها غير الطاعة " وبناء على قوله بشأن المشروعية "...
مبينا بذلك أنه لم يستطع أن يجعل منهم أناسا جديرين بالاحترام ".
ب - ا لتبعات: مما
يترتب عن موقف روسو في هذا النص :
- - أن التربية عملية ضرورية في إكساب الفرد صفة
المواطنة، فالمواطنة ليست معطى بديهي بل هي مكسب يتحقق بفضل عملية تربوية شاقة
ومتعقلة.
- - إن وجود الدولة أمر ضروري ومتأكد لتحقيق هذا المطلب ( لاكتساب صفة
المواطنة ) ذلك أن " المرغوب فيه " الذي يمثل بالنسبة لروسو قيمة مرجعية لا وجود له
في وعي الفرد ولا في الوعي الجمعي بصفة تلقائية بل يوجد في ظل الحكومة كمؤسسة. يلزم
عن ذلك أن دور الدولة لا يتمثل في تطويع النفوس بل وظيفتها تربوية ( تتمثل في
مساعدة الذات على الانفتاح على الكلي ) و أخلاقية ( تتمثل في جعل المواطن قادرا على
أن يقوّم عقلانيا القوانين فيخضع لها بمقتضى الاستقلالية لا بمقتضى الإكراه والقسر
الخارجي ).
- - التأسيس " لحكومة " مثالية لا تستمد شرعيتها من الإكراه والعنف بل
من إرادة المواطنين . إن اعتماد الغائية كفكرة ناظمة يسمح بتقويم ا لوضع السياسي
القائم ويمكن من الانفتاح على أفق تتحقق فيه الفضيلة ومن أوجه هذا التقويم أنه
خلافا لما عليه الحال في الحكومات الواقعية فان السياسة الحق لا يمكن أن تكون قائمة
على الديماغوجية التي يتلاعب فيها الساسة بأهواء الناس قصد ضمان استئثارهم بالسلطة،
ومن أوجه هذا التقويم كذلك اعتبار أن السلم الحقيقي لا يكون عنفا. إن السياسة ليست
مجرد تقنية تصرف في الحيلة الاجتماعية يعهد بها إلى أخصائيين وخبراء بل يجب أن تكون
حقا فضاءا لتحقيق غايات أخلاقية تتمثّل أساسا في استقلالية المواطن
. 3 - نص
لأفلاطون من محاورة " تيتاتوس " ( انظر النص )
أ- المسلمات الضمنية: إن قراءة معمقة
لنص أفلاطون هذا تسمح بالكشف عما تستند إليه أطروحة الكاتب فيه من مسلمات ضمنية
أهمها: - - أن الحقيقة مطلوبة لأن حتى بروتاغوراس نفسه يطلبها ولكن نوع طلبه لها
يجعله يفقدها.
- - أن الحقيقة واحدة (لا تقبل التعدد والنسبية).
- - تصور ضمني
للوجود يقرّ بمقتضاه أفلاطون أن الوجود في أساسه ثابت قار وان ما هو متغير ليس إلا
المظهر.
- - أن دور الخطاب يكمن في قدرته على قول الوجود وأنه بالتالي لا ينبغي
الخلط بين الوجود و المظهر.
- - كما يمكن الكشف عن المسلمة الضمنية الأساسية
للأطروحة المقابلة ( التي يدحضها أفلاطون في نصه ) وتتمثل في الإقرار بالطابع
البراغماتي النفعي للحقيقة ، كمقياس تقدّر به قيمتها.
ب - التبعات: لموقف أفلاطون
في هذا النص تبعات نذكر منها :
- تبعات ابستمولوجية (من وراء دحضه للنسبوية
السفسطائية يهدف أفلاطون إلى وضع الأسس الانطولوجية و الابستمولوجية " للعلم "،
بحيث يكون للخطاب مرجع أنطولوجي ثابت (يمثل الحقيقة)، وعندها يصبح التحاور ممكنا،
وهدا ما يهيّئ لقيام العدل بين أفراد المدينة. - من تبعات الأطروحة المقابلة (
الأطروحة السفسطائية ) التي يدحضها أفلاطون في نصه تعارضها مع مبدأ الهوية (
وبالتالي مبدأ عدم التناقض ) وهو ما يجعل العلاقة بين الناس علاقة صراع بلاغي يهدف
أولا و آخرا إلى إفحام الخصم ( أي إلى الغلبة ) فتنتفي بذلك كل الحظوظ لقيام تواصل
حقيقي . - أن هناك حاجة متأصلة إلى العدل لدى الإنسان وهو ما يوجب ضرورة محاربة
العنف والظلم .
4- نص أرسطو : " الإنسان حيوان سياسي ":
أ- المسلمات ا لضمنية :
يقوم موقف أرسطو في هذا النص على جملة من الإقرارات الضمنية نذكر منها :
- إقرارا
بأسبقية المجتمع على الفرد الإنساني. - إقرارا بأن العقل ( لوغوس ) هو ما يجعل
المدينة أمرا ممكنا لأنه بدون العقل لا نطّق وبدون النطق يتعذر التمييز بين العدل
والظلم وبالتالي بين الخير والشر.
- ما يوحد بين البشر هو " اللوغوس " فالاشتراك في
مشاعر الخير والشر لا يكون إلاّ عن طريق اللوغوس .
- إقرارا بان الوجود السياسي
للانسان يقوم على منظور غائي ومعياري للطبيعة يتلخص في أن الطبيعة قد خصّت الإنسان
بالقدرة على النطق بما هو شرط إمكان توحيد البشر داخل أكمل أشكال الوجود الاجتماعي
ألا وهو " المدينة"
- إقرارا بتصور مزدوج للإنسان فهو عقل ( لوغوس ) من جهة وأهواء
من جهة أخرى ( وذلك بناء علّى قوله بأن الإنسان يشترك مع بقية الحيوانات في التصويت
الذي يشير إلى الألم واللّذة.
ب - التبعات : من أهم ما يترتب عن موقف أرسطو في هذا
النص :
- إذا كان أساس المدينة ينبني على خاصّية النطق الإنسانية فإنه يترتب عن ذلك
أن العلاقات البشرية يجب أن تنبني على ما به يكون الإنسان كائنا ناطقا. ( أي العقل
) وإلا أفضى ذلك إلى انتظام التجمع البشري وفق التصويت أي وفق الصراع وطبقا لمبدأ
اللذة و الألم فيكون المجتمع مجتمعا حيوانيا.
- حتى تكون المدينة فاضلة لابد من
الاحتكام إلى العقل ، وعدم تحقق اللوغوس في تنظيم الشأن السياسي من شأنه أن يُحدث
طوارئ من قبيل تشوه السياسي المتمثل في طغيان الظن وسيطرة الأهواء المفضية جميعها
إلى تفشي مظاهر الصراع و العنف .
- ضرب المنظور السفسطائي للسياسة من جهة كونه يقوم
على نظرة اصطلاحية للشأن السياسي .
0 التعليقات:
more_vert