موقفي من الدرس الفلسفي.1

التصنيف
التصنيف

الاعتراف رقم 1:

هل نحن في حاجة إلى الفلسفة اليوم ؟ نعم ،لكن برهانات متعددة، وأكثرها حساسية، أننا في حاجة إلى فلسفة لتطهير الفلسفة من " لافلسفة " تزعم لنفسها أنها فلسفة. والبداية من المؤسسة التعليمية، باعتبارها أحد روافد تغذية وحماية ما يُفترض أنه مجتمع فلسفي، كي تستمر الحياة الفلسفية وتدبّ، وإن على خُطى التحرر من ظنون الكهف نحو حقائق التنوير ،والتي تتطلب باستمرار الصعود الصعب والشاق نحو آفاق الفيلوصوفيا بمعناها الأصلي. وفي تجلياتها السقراطية.

الحاجة إلى العود الفلسفي هو أشبه بالعودة الديكارتية والنيتشوية والفرويدية للذات وتجديد منظورهاـ تحقيقا وتحقّقا لكون التفلسف هو المضي في الطريق، مُضي يكشف ويُبدع من خلال ما تناسيناه من رهانات " لماذا الفلسفة والتفلسف؟
أُخُِذ عليّ ، من بعض الأصدقاء،كوني بقيتُ لصِيقّ مُقتضيات الدرس الفلسفي ، معرفيا وبيداغوجيا وديداكتيكا،وكأن المؤاخذة هي نوع من سُبّة لم أفهم قصدها فينومينولوجيا، وأزعم لنفسي أني أنحتُ وأبدع رؤى من داخل الحرم الفلسفي بأفقه التعليمي قدر استطاعتي فيما أتوفر عليه من قدرات ومصادر ومراجع ونيّة حسنة في القيام بمهمتي نداء للواجب. أقول هذه وظيفتي بل وواجبي كمدرس للفلسفة، وكوني لم أتخطّ عتبة الدرس الفلسفي المدرسي، لا يعني أني قاصر على ارتياد ما أعتبره تفسيرا وشرحا لما قيل من كبار الفلاسفة، بينما يعتبره الآخرون تأليفا فلسفيا، بل أعتبره أنا رافدا ومن روافد تجديد الدرس الفلسفي، وأفتخر كوني مُدرّسا ، وهذه الصفة تُلازمني وتفرض علي الوفاء واحترام حق الدرس الفلسفي التعليمي صبرا تجاه كل معيقات التفقير الثقافي التي تتعرض لها ناشئتنا، واجتهادا كبديل لعدمية النمطية والرتابة، لهذا كنتُ دائما أقوم بمعاودة الترحال الفلسفي ، أصاحب الفلاسفة على قدر استطاعتي، أتنقل من متْن إلى آخر كنحلة تتشوّق إلى رأي حكيم قال به أبي حنيفة " اجتهد كما اجتهدوا هم رجال ونحن رجال " ، وألمس العذر للفقيه أبي حنيفة ،من جهة الإنصاف تجاه المرأة فالمدرسات الآن شقائق الرجال في التعليم والاجتهاد الفلسفي، تدريسا وتأليفا. هذا الأخير سيكون مثار نقاشي لاحقا، وبه وبسببه تفرّقت المواقف حول مدى كونه إضافة نوعية للدرس الفلسفي، وليس هروبا منه إلى عوالم وصفها البعض أنها أقرب إلى ما يشبه التسامي داخل عالم الفلسفة،بحيث أضحى البعض يكره التدريس بالثانوي، بحجة عدم التوافق بين أفقه الفلسفي ومستوى المتمدرسين، وهم أوّل ضحايا أعطاب الدرس الفلسفي إن لم نحسم في طبيعة الحاجة إلى الفلسفة..وكان الحل عند البعض، المُتدمّر من روتينية الدرس الفلسفي بالثانوي، البحث عن عوالم، تتجاوز هذه المفارقة تحت تبرير الحق في الارتقاء المعرفي والاجتماعي...وأبواب رحاب الجامعة هي الجنة الموعودة والمترجمة للحاجة إلى الفلسفة،أو التأليف إن بهمّ تجاري أو إبداعي، والبعض حاول الجمع بين الهمّين كالجمع بين رأيي الحكيمين، فاستفادوا وأفادوا الدرس الفلسفي والبحث الفلسفي، وهذا نهْج لا نُجادل فيه بالرغم أن هذه فلسفة والأخرى فلسفة، لكن العيب والعطب في الموقف والمنظور وليس في الفلسفة ذاتها،وإن كنا أمام فلسفات وبالتبعية العددية الاختلافية والنوعية، عن أية فلسفة يمكن أن تكون الحاجة إليها مطلبا ؟ومامدى ضرورة هذا المطلب؟ لهذا كانت الحاجة إلى الفلسفة لفهم أية فلسفة نحن في حاجة إليها؟ فرفقا بالفلسفة المدرسية،وأعاتب مفكرينا وباحثينا الجامعيين إهمالهم التفكير في تجديد شرط الوجود الفلسفي بالمؤسسات التعليمية، على شاكلة ، مثلا، موقف جاك دريدا ولوك فيري..الذين خصصوا وقتا من أوقاتهم للتداول في الفلسفة بالثانوي، وأعاتب الأستاذ عبد العزيز بومسهولي في كتابه " الفلسفة والحراك العربي،تجارب فلسفية جديدة في العالم العربي" و في سياق أطروحة ربط الفلسفة بواقعها والتي يدافع عنها بشراسة الأستاذ بومسهولي، الذي أورد حُكمين أثارا استفزازي،الحكم الأول ورد في الصفحة 22 ضمن مبحث الفلسفة. يقول :" إن توطين الفلسفة بالعالم العربي، لا يرتهن فحسب بنقل وترجمة المعرفة الفلسفية وتلخيص الدروس وإنجاز بحوث حول قضايا فلسفية بعينها، وإنما يرتهن بالانخراط في تجربة الفكر بما هي انخراط في تجربة العالم المعيش أي تجربة عالم عربي أدركته تغيرات جذرية...وتجربة الفكر هذه هي شرط ضروري لأيّ حياة فلسفية ممكنة .(انتهى) قد يبدو هذا الحكم ذو مضمون تضايفي بين الفلسفة المدرسية والفلسفة كما يتصورها الأستاذ بومسهولي. لكن في الصفحة 186، وضمن عنوان التفكير في المستقبل انطلاقا من الرغبة والجسد يقول :" إن رهان فلسفة جديدة ينبني أساسا على ممارسة الانفصال والقطيعة مع النزعة البيداغوجية المدرسية التي تقصر عمل الفكر على التلخيص والتلقين، وتمييز الخطأ عن الصواب... ويستشهد بالأستاذ عبد الصمد الكباص في نفس الصفحة بقوله :"فكلما تجدّرت إشكالياتنا في الوجود وليس في النصوص، كلما كانت أكثر عمقا وحيوية وقوة.." استفزّني التعميم بالرغم من صحة وجود ما ينتقده : التلخيص والتلقين.
أقول لنفسي وليس لغيري "أنا لا أدعي كوني فيلسوفا، ومُهمتي تقتضي تعليم مبادئ الفلسفة والتفلسف لتلامذة الثانوي قدر الإمكان والمستطاع."
شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: