أرشيف الدروس الجامعية (نموذج دروس الأستاذ إدريس بنسعيد)ملاحظات أولية حول الفكر العربي المعاصر.1

التصنيف



أرشيف الدروس الجامعية (نموذج دروس الأستاذ إدريس بنسعيد)
كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط.السنة الدرسية 1978-1979




الثقافة العربية ( مُقارية سوسيولوجية )
ملاحظات أولية حول الفكر العربي المعاصر.
1-    هناك مجموعة من التساؤلات المنهجية تفرض نفسها علينا عند دراسة الفكر العربي. ونعتبر أن الإجابة عنها هي ما يبرر اختيار بعض الجوانب والإلحاح على بعض المواقف، ذلك لأننا لاينبغي دراسة هذا الفكر كما درسه المؤرخون أو الفلاسفة، باعتباره بنية نظرية مستقلة نسبيا عن الواقع،وإنما نحاول التعرف عليه من منظور سوسيولوجي أي أن الواقع الإجتماعي هو الذي سيكون حاضرا باستمرار في أذهاننا.وستكون دراستنا لهذا الفكر بمثابة رصد مُتغيرات الواقع، وهذه المهمة  قد تسهّلها علينا طبيعة الفكر العربي الذي  تميّز منذ  بدايته الأولى بطابع سياسي واضح. غير أن مصطلح الفكر العربي يطرح عدة مشاكل، من أهمّها التساؤل عن وجود عناصر الاستمرارية والانسجام داخل هذا الفكر، وبالتالي وجود عوامل  الاستمرارية والا نسجام في المجتمعات العربية والتعامل معها كوحدة متمايزة.وهكذا فإن اختيار أو تحديد عناصر هذا الفكر تؤدي بالضرورة إلى خلاصات ومواقف نظرية معيّنة، سواء إذا اعتبرنا أن هذه الوحدة يجسدها الإسلام أو اللغة العربية أو تشابه أنماط الإنتاج الأقتصادية،أو أن هذه الوحدة تتحدد سلبا بواسطة وحدة المشاكل التي تواجه العالم العربي وعلى رأسها الاستعمار والصهيونية.لذلك سنضطر إلى وضع مجموعة من المحددات الأولية ولو بطريقة مُتسرّعة لتحديد إطار نظري عام يحلّل على ضوئه الواقع كما يظهر على مستوى الفكر.
2-    إن دراسة أسباب التخلّف ( أو الانحطاط) الذي تعرفه المجتعات العربية المعاصرة، تعني بالنسبة للعرب إعادة قراءة الماضي.وهكذا فإن إحدى الخصائص الأساسية التي تُميّز هذا الفكر هي الحضور التاريخي المُكثّف في مختلف مراحل الفكر العربي وفي مختلف التصورات.ويمكن أن نحصر بطريقة أولية التصورات التاريخية المهيمنة في الفكر العربي في ثلاث اتجاهات :
أ‌-       الاتجاه التقليدي أو التاريخ المغلق :
يعتمد هذا الإتجاه في مقدماته على التصورات الدينية التي تعتبر أن العالم قد اكتمل باكتمال آخر الرسالات السماوية. وهكذا تُصبح اللحظة النبوية هي لحظة التاريخ المطلق الذي سجّلت آخر اتصال بين الأرض والسماء، وكل ابتعاد عن هذه المرحلة لا يكون إلا انحرافا وضلالا.ونجد هذا التصور في الاتجاه السلفي بمختلف تياراته.
ب‌- الاتجاه القومي :
     وهو اتجاه لا يدرس الماضي كواقع وإنما يدرسه كسلسلة من الأمجاد التي حققها العرب. وهكذا يصبح التاريخ عبارة عن سلسلة ذهبية يتم التركيز فيها على عصور وشخصيات ويتم نسيان شخصيات أخرى. وهكذا يصبح التاريخ العربي خليا من الكوارث والنكبات. ونجد هذا التصور في كل الكتب المدرسية وعند جميع التيارات القومية كالبعثية والناصرية.
ج  - الاتجاه الماركسي :
    ويُحاول هذا الا تجاه أن يقرأ التاريخ كتاريخ صراع بين الطبقات...ويتم تقديس كل التحركات والتمردات التي عرفها العالم العربي كثورة الزنج والقرامطة.وإذا كان هذا الاتجاه ينطلق أساسا من تصور علمي للتاريخ،فإنه يميل إلى الوقوف عند التصنيفات والتعميمات الكبرى.
   هذه التصورات المختلفة للتاريخ ستؤثر بصفة أساسية على المشاريع المستقبلية التي يخطط لها الفكر العربي، وتشرح لنا عجز النظرة الأوروبية المتمركزة حول ذاتها عن فهم العديد من مظاهر هذا الواقع والفكر العربيين وخصوصا الموضوعات الحيوية التي تتمتّع بثقل تاريخي خاص وتكون بمثابة ثوابت في الفكر العربي كالعلاقة بين الدين والدولة والتنظيم الاجتماعي والتقليد والتراث والأصالة.وهكذا فإن الحضور التاريخي يكون قويا في الفكر العربي ولذلك سنعمل على تتبّعه عند مختلف التيارات التي تُكوّن هذا الفكر.
   يدور الفكر العربي بمختلف تياراته حول سؤالين أساسيين، تسمح الإجابة عنهما بالقيام بتصنيف أولي داخل هذا الفكر، هذين السؤالين هما : لماذا تأخّرنا وكيف نتقدّم ؟
  ونستطيع حصر الإجابات في خمسة مواقف :
1-    الإجابة السلفية
2-    الإجابة الراديكالية
3-    الإجابة الوحدوية
4-    الإجابة الخصوصية
5-    (هناك مجموعة من الصعب تصنيفها في تيار فكري لكن يمكن تصنيفها كإيديولوجيا لشرائح اجتماعية أفرزها الاستعمار...التقدم لا يُمكن أن يتم إلا بتقليد الغرب كواقع حضاري ..من خلال إلغاء كل المميزات القومية والتاريخية باعتبارها بقايا ميّتة تعوق التقدم.......نجد هذا الفكر عند الكمالية التركية، وبعض المفكرين الليبيراليين كسلامة موسى وإدريس الشرايبي ونجدها عند بعض المفكرين الماركسيين.

يُتبع ( مع تحليل مختلف الإجابات الخمس في الحلقات القادمة مع بداية شهر رمضان الكريم. وسيتم التركيز بالتفصيل على مُختلف الحركات السلفية في المشرق والمغرب.)


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: