أرشيف الدروس الجامعية (نموذج دروس الأستاذ إدريس بنسعيد) 2

التصنيف





أرشيف الدروس الجامعية (نموذج دروس الأستاذ إدريس بنسعيد)
كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط.السنة الدرسية 1978-1979



الحلقة الثانية

   يدور الفكر العربي بمختلف تياراته حول سؤالين أساسيين تسمح الإجابة عنهما بالقيام بتصنيف أولي داخل هذا الفكر.هذين السؤالين هما:لماذا تأخّرناوكيف نتقدم؟
  ونستطيع حصر الإجابات في خمسة مواقف وهي:
1-   الإجابة السلفية :وتعتقد بوجود تطايق بين التقدم الحقيقي وبين الإسلام الحقيقي.لقد تقدم المسلمون عندما كانوا مُتمسّكين بالإسلام واستطاعوا السيطرة على العالم المعروف آنذاك، لكن انحطاطه لم يبدأ مع سقوط بغداد على يد المغول أو مع الاستعمار، وإنما بدأ قبل ذلك بزمن طويل، بدأ مع الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى شيّع وطوائف عندما انتصرت المصلحة السياسية على المصلحة الدينية.ولذلك سيكون التقدم هو العودة إلى الإسلام الصحيح،إسلام السلف الصالح، وستكون النماذج الاجتماعية والحضارية التي ظهرت بعد الخلاف مُجرّد تقدّم مادي زائف.
2-   الإجابة الراديكالية:وتعتقد أن أسباب التخلف ترجع إلى اختلالات بنيوية في تركيب المجتمع لا يمكن إصلاحها.وقد عرفت المجتمعات العربية لمدة طويلة هيمنة الاستغلال بواسطة الأنماط القبلية والإقطاعية والشبه إقطاعية، وهي تدخل الآن في دائرة التبعية للنظام الرأسمالي العالمي.ولذلك فإن التقدم لن يتحقق إلا بالديمقراطية والاشتراكية كحل حتمي ووحيد لا بديل عنه.
3-   الإجابة الوحدوية :وترى أن الأمة العربية والإسلامية قد وصلت إلى قمة الإزدهار عندما كانت أمة واحدة، لكنها انحطّت وتخلّفت عندما انقسمت إلى دويلات ضعيفة ومُتصارعة فيما بينها.لذلك ستتقدم هذه الأمة من جديد إذا استطاعت إعادة تحقيق هذه الوحدة المفقودة،لأنها هي التي  تشكّل الهوية الحقيقية وستكون هذه الوحدة إما على شكل جامعة إسلامية (جمال الدين الأفغاني) باعتبار أن الاسلام هو الهوية الحقيقية،أو من خلال الجامعة العربية باعتبار اللغة العربية كأداة توحيد ثقافي وحضاري.ونلاحظ أن هذا التيار أكثر بروزا  على الساحة السياسية منها على مستوى الفكر، ونجدها متجسدة في فكرة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي وفي التيارات الناصرية والبعثية.ونلاحظ كذلك أن شعار الوحدة العربية أو الإسلامية شعار تتبنّاه جميع الأنظمة السياسية من المحيط الأطلسي إلى إندونيسيا،لأن هذا الشعار يسمح بتحويل التناقضات المحلية إلى تناقضات ثانوية، ولذلك نلاحظ أن تحديد معنى الوحدة العربية لا زال موضع نقاش، يحتدم مرة كل عشر سنوات على الأقل بمناسبة الحرب مع إسرائل.
4-   الإجابة الخصوصية : وترى أن الشعارات الوحدوية هي شعارات إيديولوجية مُضلّلة، والسبب الأساسي للتخلف هو فُقدان الهوية الوطنية المحلية، ولن يتحقق التقدم إل بتصحيج مسار التاريخ وربط الحاضر بالماضي الحقيقي.وتتجلى هذه الاتجاهات في الدعوة الفرعونية والبابلية والقرامطية والأمازيغية.
  هذه محموعة من المواقف لا نستطيع تصنيفها في تيار فكري خاص،وإن كنا نستطيع تصنيفها كإيديولوجية لشرائح اجتماعية أفرزها الإستعمار كالبرجوازيات التجارية والبيروقراطية.وهذه المواقف تُلغي السؤال الأول : لماذا تأخرنا؟ وتقتصر على السؤال الثاني : كيف نتقدّم ؟وترى أن التقدم لا يُمكن أن يتم إلاّ بتقليد الغرب كواقع حضاري مُتقدّم، وتوفير جميع الشروط التي تُحقّق التقدم وإلغاء كل المميزات القومية والتاريخية واعتبارها بقايا ميّتة تعُوق هذا التقدم.ونجد هذا النوع من التحليلات كإيديولوجية ضمنية وسائدة  أكثر مما نجدها كمواقف مُتكاملة ومُعلن عنها،وإن كنّا نجدها في بعض التيارات كالكماليةفي تركيا، وعند بعض المفكرين اللبيراليين كسلامة موسى وإدريس الشرايبي، ونجدها حتى عند بعض المنظّرين الماركسيين.
  وانطلاقا من هذا التصنيف الأولي، سنحاول تقديم نماذج من هذه التيارات على مستويين:مستوى المشروع الاجتماعي والسياسي ، ومستوى قراءة الواقع.وسنحاول أن نتتبّع في نفس الوقت تطور بعض المفاهيم وعلى رأسها مفهوم العقل والتاريخ، وتتبّع تطور بعض النقاشات وخصوصا ما تعلق بالتقليد والتراث.
( في الحلقة القادمة : الإنطباع الأول عن أوروبا. رفاعة الطهطاوي من خلال كتابيه : تخليص الإبريز في تلخيص باريس.و مناهج الأباب المصرية في مناهج الآداب العصرية)
  يُعتبر كتاب " تخليص الإبريز في لتخيص باريز "(1834) من حيث المحتوى بمثابة البداية الفعلية للفكر العربي المعاصر كفكر يهتم أساسا بنظرية السلطة والتنظيم الاجتماعي....

يُتبع.
شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: