الحلقة الرابعة " منطلقات وتوابث الفكر السلفي." دروس الأستاذ إدريس بن سعيد.

التصنيف


الفكر السلفي مع بداية تشكّل الفكر العربي المُعاصر
(دروس من رحاب الجامعة 1978)
مقاربة سوسيولوجية




أولا : الفكر السلفي لجمال الدين الأفغاني.

الجزء الأول:
تقديم :
1-    أصبحت وظيفة الفكر السلفي وظيفة إيديولوجية ضد أفكار وإيديولوجيات أخرى،أي أصبح المفكّر السلفي يُعَرّف فقط بما لا يُريد،وبالتالي لم تعد وظيفته ما هو النموذج الذي يُريد،بل اقتصرت مُهمّته في القول " لا للأفكار الهدّامة، لا للأفكار الناطقة بالإلحاد، والمناداة بالأصالة...".
2-   فكر ارتبط بحركات التحرر الوطني.
3-  السؤال، هل نستطيع أن نقول إن الفكر السلفي يُعبّر عن شرائح وطبقات اجتماعية مُعيّنة؟
جمال الدين الأفغاني.
(1838- 1897 )



ملحوظة : بالنسبة لهذا المفكر سنلاحظ أن شخصيته ليست واضحة كما هو الشأن بالنسبة لشخصية الطهطاوي.
  ولد جمال الدين الأفغاني في أفغانستان، ودرس بها، وبدأ في وقت مبكّر في المشاركة في الحياة السياسية.ثم انتقل إلى الهند ولمس عن قرب تأثير  الحضارة الأوروبية في الفكر الإسلامي. شارك في الحياة السياسية فطُرد من طرف الإنجليز من الهند.ثم إنتقل إلى إيران ليُصبح مستشارا للشاه.ساهم أيضا في الحياة السياسية، وقاد حركة مُقاطعة البضائع الإنجليزية ( سنرى لاحقا كيف تبنى علال الفاسي في المغرب هذا الموقف من خلال مُحاربة التدخين..) ،انتقل إلى تركيا وسوريا ثم مصر التي قضى فيها أخصب سنوات حياته، ولكنه طُرد منها صُحبة محمد عبده بتهمة تأسيس جمعية سريّة، فاستقر في باريز وأصدر  مجلة " العروة الوثقى".ثم انتقل إلى انجلترا واتصل بدعاة " حركة المهدي " في السودان. ثم انتقل إلى تركيا وعاش فيها إلى نهاية حياته. هذا على مستوى الشخصية،،أما على مستوى الفكر فليس للأفغاني كتاب نظري، وكل ما كتبه عبارة عن ردود ومُجادلات مع تيارات سياسية وفكرية مختلفة (يُقال له: رجل المناقشة).ومن أهم ماكتبه " رسالة في الردّ على الدهريين" ويحلل فيها الفكر المادي من ديموقريطس إلى داروين ويرد عليهم.وكتاب " الإسلام والعلم " الذي يرد فيه على المستشرقين.
    يتميّز الفكر السلفي ابتداء من جمال الدين الأفغاني بأنه فكر دفاعي وجدالي أكثر منه مما هو فكر يحمل في طيّاته مشروعا اجتماعيا وسياسيا واضحا. وقد تمكّن الأفغاني من خلال تنقلاته وقراءاته واتصالاته العديدة أن يتعرّف على معظم الأشكال وأوجه الإنحطاط التي عرفها العالم الإسلامي، كما تعرّف على الغرب كقوة عسكرية يُجسّدها الاستعمار، وكقوة  ثقاقة وحضارية يجسّدها العلم والفكر الأوروبيين.وقد وعى أن المقارنة بين الشرق والغرب، بين البلاد الإسلامية والبلاد المسيحية انطلاقا من الحاضر لن تكون إلاّ في صالح الغرب كواقع متقدم يفرض نفسه على جميع المستويات. لذلك فإنه يقوم بهذه المقارنة على مستوى الفكر، ويُقيم فصلا أساسيا بين الإسلام والمسلمين.فإذا تأخرت المجتمعات الإسلامية فإن ذلك راجع إليها كمجتمعات ابتعدت في تنظيمها الإجتماعي  عن الإسلام الصحيح،وإذا تقدمت فإن ذلك يرجع إلى الإسلام.
  وعندما ينتقل المُفكّر السلفي من دراسة الواقع إلى دراسة وفحص المبادئ التي يُؤسس عليها هذا الواقع،فإن ذلك يأتي من عدم اتخاذ موقف أو طرح بديل أصيل ومُتكامل. وهذا العجز يعكس في نهاية الأمر عجز الشرائح الإجتماعية التي يُعبّر عنها هذا المُفكّر على تقديم بديل يحفظ مصالحها  ويحميها في نفس الوقت من التغلغل الاقتصادي والثقافي للغرب الذي يُهدّد مصالحها مباشرة، ويحميها في نفس الوقت من الهزّات الاجتماعية ذات النفَس الثّوري التي دعت إلى المواجهة المباشرة والمسلّحة للإستعمار على الشكل الذي قامت به ثورة عرابي أحمد في مصر في المغرب.سيلجأ المُفكّر السلفي في هذه الحالة إلى إلغاء التناقض والاختلاف بإلغاء التاريخ ، وسيلغي الصيرورة التاريخية ليُعوّضها بتصور المستقبل بناء على الماضي، وهكذا يتم الفصل بين تا ريخ المسلمين الذي وصل إلى ما هو عليه الآن وبين الإسلام ،وهكذا يتساءل الأفغاني كيف أصبحت خير أمة أخرجت للناس على ما هي عليه الآن ،ففي الماضي:" ...كان للمسلمين في ولاية الإسلام السلطان الذي لا يُغالب.مدنهم كانت المسلمين آهلة ومؤسسة على أمتن قواعد العمران، حافلة بصنائع سكانه، تُفاخر العالمين يشموس الفضل ونجوم الهداية ودور العلم،لكن انحرف المسلمون عن الإسلام الصحيح وهو القرآن في المقام الأول، والحديث المتوارث وعلى إجماع المسلمين في صدر الإسلام،أما ما عدا ذلك من آراء واستنباطات ونظريات جاء بها الفقهاء المسلمون  يُستأنس بها كرأي، ولا يُعتمد عليها كقاعدة"  وعندما انحرف المسلمون عن الإسلام " تأخروا  عن غيرهم في المعارف والصنائع بعد أن كانوا فيها أساتذة العالم وأخذت ممالكهم تنقص وتتمزّق حواشيها."

  يؤدي إلغاء التاريخ عند المفكّر السلفي إلى  التشبّت بمنطق الهوية  وهذا سيؤدي إلى فهم الذات الإسلامية كآخر متعارض مع الغرب وليس اختلافا يكون فيه الآخر جزء من الذات. هكذا يُعيد المفكّر السلفي تركيب تاريخ الغرب كتاريخ مُضاد للإسلام ولا يمكن أن يُفهم إلاّ كوحدة رغم الاختلافات الظاهرة. وهكذا  فإن كل الأنماط السياسية والاجتماعية وكل الصراعات والتيارات التي عرفها  الغرب قد وجّهت  أساسا للقضاء على الإسلام.وقد زاد هذا الوعي حدّة مع انتشار  الأفكار اللبيرالية والاشتراكية في العالم العربي، ومع بروز القضية الفلسطينية  في الساحة الفكرية والسياسية.فعندما يعجز الفكر السلفي عن حلها على المستوى العسكري ( الجهاد) أو السياسي، وعندما يعجز عن فهمها كظاهرة إمبريالية، فإنه يستخدمها كحجة للبرهنة  على مسلّمته الأساسية وهي الإسلام الصحيح في مواجهة الأخطار والتشويهات.لكن هذا الإلغاء للغرب لا يعني الابتعاد عنه وإنما يؤدي إلى خلق مستويين داخل الفكر السلفي.وهكذا يتعامل هذا الفكر مع الإسلام والمسلمين بالعقل الأشعري، ومع الغرب بالعقل اللبيرالي ، عقل الثامن عشر.وهذا العقل المزدوج سيسمح للفكر السلفي بالانتقائية، لهذا يرفض الاشتراكية  ويتبنى الديمقراطية اللبيرالية باحتوائها داخل مبدأ الشورى، كما سيرفض العلم وستبنى التقنية.
سنحاول  من خلال استعراضنا  لبعض جوانب الانتقائية من خلال فكر جمال الدين الأفغاني التعرف على بعض ثوابت الفكر السلفي.
أ‌-       تبرير الانحطاط 

( في الجزء الثاني )
شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: