الفلسفة بين رهانين.إشكال العلاقة بين التنظير والممارسة.

التصنيف




الفلسفة بين رهانين.إشكال العلاقة بين التنظير والممارسة.

منذ نشأة الفلسفة في بلاد اليونان القرن السادس قبل الميلاد إلى الراهن، لازال الخلاف حول ما الجدوى من الفلسفة يطرح نفسه برهانات مختلفة يمكن حصرها في تصورين متعارضين لما يجب أن تكون عليه الفلسفة. موقف" الفلاسفة الحرفيين" بتعبير كانط، أو "ممتهني الفكر" بتعبير حنا أرندت، يُدافع عن أنّ الفلسفة نشاط عقلي تأملي خالص، لا يُعير أهمية لإمكانية انفتاح الفلسفة على " الفضاء العام" ومساءلة مختلف إشكالاته بدعوى أن الفلسفة تفقد صلابتها العقلية حين تتورط في " تفاهات وجزئيات" الحياة اليومية.الموقف الثاني يربط وجود الفلسفة بما اعتبره الموقف التأملي الخالص عاديا وجزئيا ، أي من منطلق العلاقة الوجودية بين الإنسان والغير والطبيعة، وهي من صميم بل من مسؤولية التفكير الفلسفي باعتباره شكلا من أشكال الوعي الإنساني للذات في علاقتها بالناس الآخرين وبالطبيعة، ومن ثمة يكون " الفضاء العام" بمثابة الأوكسجين الذي يمنح الفلسفة  استمرارها في الوجود دون أن تفقد خصوصيتها وتتحول إلى ما ليس فلسفياوه ذات الأوكسجين الذي تنفسه سقراط في مختلف معاركه الفلسفية في ساحة الآغورا. وهذا ما يطرح إشكال " التقدم في الفلسفة" على غرار التقدم العلمي وغيره من المجالات الأخرى.وهل تطور الفكر الفلسفي يمكن أن يحصل بمعزل عن تطور الحياة اليومية؟وهل من مبرر للتنقيص من أهمية الحياة اليومية وما سبب تبخيسها ومطالبة الفلسفة بالتعالي عليها. لهذا اختلف مفهوم الفلاسفة للفلسفة بحسب اختلاف الزمان والمكان، وبحسب اختلاف طبيعة العلاقات بين الأشراط الثلاث، ومن تمة أتساءل إلى أيّ حدّ يكون تمرحل وتمفصل الحياة اليومية مع الفكر الفلسفي شرطا من شروط خصوبة وتطور التفكير الفلسفي، لكن عند البعض يعتبر أن الفضاء العام معيقا للوجود الفلسفي وهو يّنجرّ من سماء المعقولات إلى أرضنة  شراك الحس المشترك وقضاياه " الهامشية "!!!
السؤال، ما هي مبررات كلا الرهانين من حق الفلسفة في الوجود؟ هل يتعلق الأمر بفلسفة تسكن سماء المعقولات وتترفع أن تتحول إلى خطاب سياسي/اجتماعي مباشر ومكشوف أو تحريضي، يبحث في تفاصيل الفضاء العمومي عن شروط التغيير والصدام مع من تراهم الفلسفة من معيقات استعمال العقل في الموضوعات أم فلسفة تطبيقية منخرطة في لعبة الصراعات الاجتماعية ؟وكما قال عبد العزيز بومسهولي في كتابه " الفلسفة والحراك العربي. تجارب فلسفية جديدة في العالم العربي" : ...من المهام المطروحة...الكشف عن عودة الفكر الفلسفي إلى الفضاء العام.فالفلسفة اشتغال بالمفاهيم، لكن هذه المفاهيم بالرغم من تجريديتها،  ما هي إلا أدوات للفكر من أجل فهم الحاضر، من أجل إنارة سبل الحياة، وبالتالي من أجل توجيه الحياة، وإعانة الفرد على حيازة وعيه بذاته والشعب على صناعة مصيره."ص9
لكن السؤال كيف السبيل إلى ذلك، وهل سيتحول الفيلسوف إلى مناضل ميداني يجوب الفضاءات العمومية ناشرا ما يعتبره، فلسفيا، شرطا لتحول العقليات وأنماط التفكير كمدخل لتغيير الواقع المادي لعموم الناس لعلمه بإشكال صعوبة تبني الخطاب الفلسفي ومفعولاته فقط من خلال القراءة والاطلاع على المتون الفلسفية، أو من خلال وسطاء شارحين ومفسرين ومترجمين ومدرسين...؟
ما سكت عنه كلا الرهانيين هو كيف يمكن حضور الفلسفة في بعدها التأملي/التجريدي، وبعدها التطبيقي/العملي، في الفضاء العمومي بعد فشل تجارب "الفلسفة في الزنقة" و"المقاهي الفلسفية"و مختلف " الندوات " و" المقالات" والمواقع الشبكية"...وتجارب الدرس الفلسفي المدرسي في الثانوي والجامعي ...؟من العبث واللامعقول أن تعيش الفلسفة وضعية مسرحية صامويل بيكيت " في انتظار غودو"، ونسقط في اجترار سؤال ما الفائدة من الفلسفة محليا وكونيا ،وما المهام المطروحة عليها راهنا ومن خلال مستجدات لم يعشها تاريخ الفلسفة سابقا، الأمر الذي يجعل عددا من أهل الفلسفة الاستنجاد بتاريخ الفلسفة لتعويض نقصهم في قدرتهم على الإبداع الفلسفي وفق شروط الراهن.وهذا يطرح على المفكرين المحليين سؤالا مزدوجا " الاستقلال الفلسفي والإبداع الفلسفي.من دون الاختباء وراء الكونية كمبرر لتصريف واجترار ما قاله الفلاسفة ومحاولة استغلالالهم فيما فشل الراهنون على إبداعه.معروف القول الفقهي لأحد الأئمة" اجتهد كما اجتهدوا هم رجال ونحن رجال" وأبعث باعتذاري للفيلسوفات على النزعة الذكورية للفقيه صاحب المقولة.

شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: