الإشكال : مطلب الحاجة إلى الفلسفة بين سيولة التنظير وشحّ في التطبيق.



هل نحن في حاجة إلى الفلسفة ؟ 

السؤال: هل نحن في حاجة إلى الفلسفة ؟ مساءلة السؤال : عن أية فلسفة نتحدث وبأي رهان ؟ وما إجراءات تحقيق حضور الفلسفة في حياة مَنْ هم في حاجة إليها؟

الإشكال : مطلب الحاجة إلى الفلسفة بين سيولة التنظير وشُحّ في التطبيق.

هو ذات الإشكال/المشروع الذي يحاول المفكران من المغرب "عبد العزيز بومسهولي" في كتابه " الفلسفة والحراك العربي..."و" الفلسفة والحاضر"والمفكر اللبناني "جرار جهامي" في كتابه "معرفيات ومسلكيات" يحاولان تحرير التفلسف من سلطة تاريخ الفلسفة والتحرر من ديكتاتوريته بجعل الفلسفة تسائل الراهن والمستقبل الممكن.
يقول الأستاذ أبو شربل منصور بخصوص مشروع جرار جهامي:"
"ينطلق جهامي في محاولة تكوين معرفيات تُعيد تحديد مسار توجيه العقل من الذات أو الطبيعة إلى الفرد ومنه إلى الجماعة، أي تَحوّل المعرفيات من حدود النظريات إلى تأسيس معارف مسلكية معيارية. فلا انفصال بين المعرفيات والسلوكيات، وإنما تواصل دائم. فهو يدعو إلى تقعيد هذه السلوكيات على قيم مستلهمة من خلقيات الحاضر، وتسليحها بالعلم والمعرفة. يحاول المؤلف، إذاً، أن يعيد إحياء دور الفلسفة، وتحديد هذا الدور في إطار خدمة الإنسان، داعياً إلى «وضع حدٍّ للفصل بين الفكر الفلسفي الخاص، والفكر الجدلي العوامي، وإلى وصل ما يمكن استنباطه من الفلسفة وتوظيفه في سبيل توعية المقدار الأكبر من الناس، خصوصاً المثقفين منهم» كما يقول. فالفلسفة لم تعد تقتصر على قضايا العقل والوجود والميتافيزيقا، بمقدار ما اخترقت العلوم كلها: من الاقتصاد إلى التكنولوجيا، إلى السياسة، فالأدب والاجتماع... إنها حاجة ثقافية تتيح لنا إعادة النظر في أوضاعنا، ومشكلاتنا، وحقوقنا، وتخلّفنا، وقيمنا."


وفيذات المنحى يقول المفكر عبد العزيز بومسهولي في كتابه" الفلسفة والحراك العربي" ص 9 "الفلسفة اشتغال بالمفاهيم، لكن هذه المفاهيم بالرغم من تجريديتها/ ما هي إلا أدوات للفكر من أجل فهم الحاضر، من أجل إنارة سبل الحياة، وبالتالي من أجل توجيه الحياة، وإعانة الفرد على حيازة وعيه بذاه والشعب على صناعة مصيره.



مقامة لكم فلسفتكم ولنا فلسفتنا.


 وأبعث باعتذاري لحراس المعبد الفلسفي.
ما سأطرحه هي خواطر غير منظمة هي أقرب إلى " بلبلة فلسفية" تحتاج إلى توطين فلسفي في مجتمع هو في حاجة إلى الفلسفة، لكن أية فلسفة؟ هذا هو السؤال.

لقد حان الوقت للتفكير في ميلاد " 
فلسفة بديلة" عوض " الفلسفة العالمة النخبوية"،إن صحّت الاستعارة، في مختبرات الفلاسفة الحرفيين ودور النشر الطامحة إلى  الشهرة والكسب المادي من خلال التسويق للمنتوج الفلسفي المُنتقى مبنى ومعنى وهذه لها مريديها وهذا حقهم.هو ذات الفرق بين الطب العالِم والطب البديل.الأول سقط في براثين مافيات الصناعات الكيماوية ومافيات الصيادلة وهذا ما تقوم به عدد من دور النشر، والثاني تُمليه الحاجة إلى نظام "غذاء - بيو" خال من كل محفزات الأمراض. لهذا أزعم بضرورة الحاجة إلى فلسفة/بيو، بديلة تُعطي لممارسيها ارتقاءا فكريا وجسديا بكل تلقائية وعفوية بعيدا عن تعقيدات الفلاسفة الاحترافيين الحرفيين ووصايتهم، بحيث أضحت روشيتاشهم الفلسفية أكثر تعقيدا وغموضا، بل أصبحنا نشاهد يوميا مفكرين مدمنين على استهلاك الفلاسفة كما استهلاك مختلف الأدوية، إدمان عطّل حاسة التفكير والإبداع الذي حلّ محله التفاسير والشروحات والتعريفات وتعريف التعريفات وتفسير التفاسير ...وكأننا ندور في حلقة مفرغة.هناك من يفضل مثلا قراءة هابرماس على أن يقرأ لمن يتحدث عنه أو ابن رشد أو غيرهما، وفيما ستفيدني هذه القراءات في ممارسة فعل التفسلف مع ذاتي ومع الآخرين،من دون التنصيص على الاطار المرجعي لان المتفلسف إنتقل من وضعية المتلقي إلى الفاعل الفلسفي والمسؤول وحده عن تداعيات تفلسفه.هذا هو المطلوب كي تصبح الفلسفة ملازمة للمتفلسف لزوم تجلي الفعل الاخلاقي  للقاعدة الاخلاقية.إذ لا ينفع الحديث عن الاخلاق من دون ممارسة الفاعل الاخلاقي.هي ذات العلاقة بين الفلسفة والفاعل الفلسفي عبر فعله الفلسفي.غير هذا تصبح الفلسفة مجرد حكايات وتصورات مجردة.لقد شوهت كثير من الدراسات والأبحاث التأويلية أو التفسيرية كثير من فلسفة الفلاسفة، بل نسب إليهم ما لم يقولوه، والمحصلة أصبحنا أمام فلسفة ملوثة بذاتية المفسر والشارح!!!! فسؤال الحاجة إلى فلسفة – بيو أصبح ضرورة لتعميم التفكير الفلسفي كحق كما المواطنة من دون وصاية أتقياء الفلسفة وأباطرتها.أن تُصبح الفلسفة جزءا من الحياة اليومية بعيدا عن أية نزعة شعبوية فارغة، فلسفة تشتغل على الوعي العفوي للناس وترتقي به بالمعية التفكيرية وليس بالمعية الأبوية الفلسفية،أقصد أن يتنفس الناس  الحق في التفكير من دون وصاية حراس المعبد الفلسفي ووصاياه الصارمة، ولكل كبير أكبر منه .فليس شرطا من أجل أن نتفلسف نقدم  الطاعة والولاء لمن يزعمون أنفسهم آباء الفلسفة وآلهتها من قبيل " لا يدخل على أكاديميتنا من لم يكن رياضيا ( أو مهندسا".." .هذا شرط نخبوي ضد-فلسفي حتى بالرهان السقراطي.ليس من الضروري الشخص قال، بل الضروري تحقق الفعل الفلسفي من خلال مميزات التفكير الفلسفي من دون الخوض في تفاصيل موضوعات متعالية، في مبناها ومعناها، بحيث أضحت عائقا أمام تملّك فعل التفلسف وأدواته ، والذي من مهامه تفكيك الراهن ومساءلة الذات في شروطها المحلية والراهنية وما المطلوب منها فلسفيا القيام به لتأكيد واجبها في العيش والفهم والارتقاء وليس التصنّع في اللسان الفلسفي وتعقيد المفاهيم والعبارات ، وهذا من بين أسباب غُربتها وبؤسها في مجتمع مفكك ومتأخر لم يستوف معظم الناس فيه شروط حياة كريمة.
نحن في حاجة إلى مُتفلسفة يساعدون مختلف الناس في تدبّر واقعهم اليومي في الميدان، نعم إلى مرافقين فلسفييين، يُصاحبون الناس وينصتون إلى طريقة تفكيرهم  ويساعدوهم كما في المثل المشهور " علّمني كيف أصطاد بدل أن تعطيني السمك".
لا يقتضي التفلسف الحقيقي التجمّل بمن يعتبرهم البعض كبار الفلاسفة، لكنهم عند البعض الآخر ليسوا كذلك.سأحكي لكم واقعة لصديق ينشر مقالاته في عدد من المجلات الخليجية وهذه ظاهرة منتشرة بين عدد من الكتاب.يختار موضوعا معينا، ثم يختار ستة فلاسفة وينتقي نصوصا تبدو له قريبة من إشكال الموضوع ويقوم باللصق فيما بينها بدهاء بحيث تبدو منسجمة في حين أن منهج الكتابة في البدء كان تلفيقيا، بل هناك من يعتمد عشرات المفكرين لمقال واحد بحيث يبدو الكاتب على اطلاع فلسفي واسع. وبالفعل تنطلي الحيلة على تلك المنابر وتعتبر كثرة وتنوع الإحالات من الشروط الأكاديبمية للنشر، مع أن الكاتب انتقى ولم يطلع على المتون في مجملها ،. وهذا ليس شرطا للحكم على الكفاءة الفلسفية ،في حين هناك مدرسون ومدرسات  للفلسفة جدّ أكفاء لكن لم يهتموا بسيولة المقالات والكتب، وهم كما وصفهم المهدي المنجرة ب " كاتمي المعرفة"، ، ومع ذلك إطلاعهم على تاريخ الفلسفة جد دقيق ويتجلى في علاقاتهم من غيرهم في مدارات الحياة اليومية وفي تنشيطهم لمختلف الندوات واللقاءات التي يحضرونها كمنصتين.
لهذه الأسباب وجب تغيير قواعد اللعبة ، وفتح النقاش حول فلسفة جديدة تقطع مع التقليد الفلسفي الرائج والممل والمُجتر لما قيل، في أفق جعل الفلسفة تعيش واقعها بين الناس من آليات تواصلية جديدة محفزة للإبداع وليس اجترار ما قاله الآخرون ولا أحد يجادل في القيمة الفلسفية لما قيل.فالنخبوية قاتلة للفلسفة من خلال حجبها عن الناس، على الفلسفة أن تخرج من حجرات المدرسة والجامعة والندوات إلى الفضاء العمومي المفتوح جغرافيا واجتماعيا،خاصة وأن هناك دعوات للتفكير في تمكين الأطفال من التفلسف، بحيث أن تحبيب الفلسفة للأطفال يندرج أيضا في تغيير نظرتنا للفلسفة العالمة وكيف نستفيد منها لإنتاج طرائق في التفكير مناسة لكل الظرفيات. لهذا  يجب التفكير في خلق فضاءات جديدة تسمح بالتفلسف الذاتي كمبدأ وهذا لا يعني التنكر لتاريخ الفلسفة وحضور الفلاسفة، بل ليتم إدماجهم في نسق جديد هو قيد التشكل وليس لدي وصفة جاهزة... ولكن مطلب فلسفة –بيو أصبح ضرورة كي يتم تعميم الفلسفة وإعادة النظر في في طريقة مبناها ومعناها.


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: