الفلسفة تستغيث.





وقفة تأمل.


بالرغم من مختلف المحاولات الرامية إلى الدفاع عن الفلسفة وعن الحق في التفلسف...يظهر أن هذا المطلب لازال بعيد المنال، ولم يبرح عالم الكتابة والتنظير، بدل أن يجد له موطنا في الواقع الاجتماعي.
المؤسف، أن عددا من الداعين إلى حق وجود التفلسف، يُناقضون في مواقفهم وسلوكاتهم ما يدعون إليه ،بل يستغلون هذا المطلب لأغراض مصلحية وتجارية لا علاقة لها بالعقلانية والحداثة والنقد وكل ما يمت بالفلسفة من قيم نظرية وأخرى سلوكية ، وقد ينطبق عليهم قول " حوتا كتخنز شواري ".حتى الذين يتم تقديرهم بسبب جدّيتهم وغيرتهم الحقيقية على الفلسفة ..اختاروا حياة التوحد والانعزالية،وهذا يُناقض مفاهيم " البين-ذاتية، والبيإنسانية والموجودية والوجود بالمعية..وهذه لا تتحقق فقط من خلال وسائط الكتابة والندوات بل أصبح من الضروري تفعيلها واقعيا على الأرض، الأمر الذي يطرح سؤال مَنْ الموكول إليه تفعيل الفلسفة على أرض الواقع من غير " الانتهازيين" و" المتوحدين" والمُتعالمين والمُتاجرين بالخطاب الفلسفي؟ بقي عالم من الفلسفة تصدح به حناجر المئات من مدرسي مادة الفلسفة في مختلف الثانويات والجامعات، وهذه الأخرى لم تسلم من عدة معيقات تجلت في مساطر إدارية أغرقت الهم الفلسفي في مشاكل تقنية قضت على إمكانية انتعاش الفلسفة والتفلسف في المؤسسة المدرسية.أضف إلى ذلك قصور الجمعيات المهنية الخاصة بمدرسي الفلسفة ومحدوديتها في إشاعة الفكر الفلسفي من خلال منخرطيها، لكن يبدو أن هذه الجمعيات تعرف بدورها بعض المشاكل،لكن أقول إن قوة أية جمعية وطنية لا تكمن في مكتبها الوطني بل في فروعها بحسب كمها وفعّاليتها.
أضف إلى ذلك قصور بعض المؤسسات - الثقافية الجادة في الدفاع عن الفكر التنويري بصفة عامة في إقناع عموم الناس بالحضور إلى تلك المؤسسات....حضور لا يتعدى رؤوس الأصابع الأمر الذي أثر سلبا على الحاضرين الذين هُم بدورهم سيعزفون عن الحضور بسبب الطابع الشكلي للندوات. السؤال ما الغاية من أنشطة فكرية بشبابيك مغلقة؟
والحالة هذه ، الفكر الفلسفي التنويري في حاجة إلى فاعلين سياسيين وإعلاميين وحقوقيين وجمعويين بهموم تثقيفية تطوعية وليس تنموية كما الراهن، ولما لا تبني "لوبي فلسفي " المشروع الفلسفي، لوبي بمرجعية عقلانية وحداثية يستثمر في جدية الفكر وقابليته المساهمة في للتغيير، لوبي على الأقل يعيد للمكتبة الفلسفية وجودها كما في السبعينات،....كل هذه الفعاليات قادرة على وضع رهان التفكير الفلسفي ضمن تقاريرهم الإيديولوجية وقانونهم الأساسي وضمن برامجهم التثقيفية، ومشاريعهم الاستثمارية ...، هؤلاء وفي تواصلهم مع العامة والمنخرطين يمكن أن تجد الفلسفة لها مكانا في هذا التواصل.غير هذا ستبقى الفلسفة حبيسة الكتب وأسوار المؤسسات التعليمية وسلعة في يد تجار الفلسفة وما أكثرهم.
المفارقة، أنه بالرغم من الحراكات الاجتماعية، لم تحض الفلسفة بالنصيب الموضوعي في مساءلة مختلف التحولات الاجتماعية الراهنة، والمساهمة في التنوير وعقلنة ما يقع في أفق المساهمة في الخروج من التأخر الذي يعيق المجتمع منذ قرون.
السؤال ، هل تخلت الفلسفة عن وظيفتها الوجودية، وتركت المهمة للعلوم الإنسانية؟ وهل هذه هذه العلوم هي الأخرى تشق طريقها نحو العمومية أم وضعها يشبه وضع الفلسفة في مجتمع متأخر؟

شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: