ما مبررات تكرار حضور فلاسفة بعينهم دون غيرهم في عدد من الأبحاث الفلسفية؟
هل يقُدُّ بعض الباحثين أبحاثهم على مقاس فلاسفة بعينهم دون غيرهم
أم طبيعة أبحاثهم تبرر حضور فلاسفة دون آخرين؟
وهل من مبرر الزعم بالتخصص في فلسفة فيلسوف ولا يرى المتخصص مختلف الإشكالات إلا من خلال فلسفة هذا الفيلسوف؟من حسنات الفلسفة المدرسية إطلاع مدرسي الفلسفة طيلة حياتهم المدرسية على عشرات الفلاسفة ومن العلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة ضمن عدة إشكالات متنوعة مما يسمح لهم بالمصاحبة الفلسفية وما يترتب عنها من غنى فلسفي وعلمي.
يبدأ
التفلسف حين تفقد الاشياء والأفكار بداهتها.لكن هل ما نعتبره معطى فلسفيا بدهيا قد
تنطبق عليه هذه القاعدة؟ مثال الكوجيتو الديكارتي تعرض للنقد الحاد من قبل نيتشه
وهوسيرل وغيرهما، وتم إبراز تهافته، ومع ذلك لازال يتم الترويج له كبداهة فلسفية
غير قابلة للنقاش،!!.
لماذا يتم تجاهل نقد الفلاسفة لبعضهم البعض، وما مبرر الاختيار
التفاضلي مثلا بين هيجل وشوبنهاور وهيجل وكانط بخصوص الهدف من ممارسة الفعل
الفلسفي وخلفية تدريس الفلسفة؟ كثير من الابحاث
الفلسفية تتعامل بقداسة فلسفية بالخصوص مع كانط وهيدجر وهوسيرل،وبالمقابل نادرا ما
يتم استخضار هنري برجسون أو باسكال او كيركوكارد....وفي فترات اجتماعية وسياسية
خاصة يصبح حضور سبينوزا وابن رشد من العلامات البارزة،ثم في فترات مغايرة يطفو على
السطح فلاسفة آخرين وكأننا في سوق فلسفية تعرض منتوجات بحسب رغبات المستهلك، علما
أن مفكرين تم نسيانهم أو تجاهلهم ...
كما أن كل الأبحاث الفلسفية في العالم العربي ترتكز على الفلسفة الأوروبية حصريا وتتجاهل
الفلسفات الشرقية الحديثة والموجات الفلسفية الجديدة في الولايات المتحدة
الأمريكية والإفريقية، ربما لجهلهم باللسان الياباني والهندي والصيني، ولا يخلو بحث
فلسفي مغربي من أعلام فلسفية أوروبية تكرر باستمرار وخاصة سبينوزا وكانط وهوسيرل وهيدجر، مع
تجاهل أعلام الفلسفية العربية..
هناك شريط مصور للمفكر فتحي
المسكيني يعالج فيه إشكال أسباب الرجوع إلى بعض الفلاسفة من خلال بعض الازمات
الروحية، ويرى المسكيني أننا في المجتمع العربي تُعتبر قراءة باسكال وكيركوكارد
أفيد لنا من ديكارت.،وقراءة نيتشه أهم من كانط،،،وذلك في معرض حديثه عن مصادر
النفس لحظة الازمات الروحية.
باسكال
وقال المسكين أيضا، يمكن الرجوع إلى المعلقات واللغة العربية والقرآن
والتراث الفقهي،ويضيف ليس كل الثراث الفقهي آثما كما يعتقد البعض. وأضاف أن الكندي اكتشف كونية الحقيقة ،علما أن اليونانيين لم يعرفوا هذا النوع
من الحقيقة، نعم قالوا بالكلي لكن بالمعنى المنطقي،وقد بيّن الكندي أن هناك امة
أخرى ولها حقيقة وعلينا أن نتبنى هذه الحقيقة، وهذا جديد تماما في تاريخ
الفلسفة.أيضا الفارابي اكشف ما سيقول به سبنوزا في رسالة اللاهوت والسياسة قال به
الفارابي في إشكالية الملة، وهذا غير معروف بالقدر الكافي .المعروف تقديم الفارابي
من خلال الدراسات الاستشراقية التي تزعم أن الفارابي أراد أن يكون أفلاطونيا ولم يستطع. كذلك ابن طفيل اكتشف القصص الفلسفي،وكان ينبغي
انتظار فينومينولوجيا الروح وزرادشت لاكتشاف القصص الفلسفي. كما أن ابن رشد هو الذي اكتشف الاستعمال
العمومي للعقل،وكان ينيغي انتظار كانط لنتحدث عن هذا الامر. وابن باجة اكتشف
الوحدة الفلسفية في التدبير المتوحد.وختم فتحي المسكيني بقوله أن مفهوم الشخص
موجود في الفقه والمقامات وليس صحيحا ما تروج له الفلسفة المدرسية بالرجوع إلى
مرحلة معينة من التاريخ الفلسفي الغربي. يقول: "نحن لا نقرأ أنفسنا بالقدر الكافي ونطالب
بأن تكون لدينا مصادر نفس أخرى،علما أن الغرب منذ الرومانسيين يجلد نفسه ولم يعد
يتمتع بالوعي السعيد بنفسه،ونحن لازلنا نعود إلى ما قبل الرومانسيبن".
بالمحصلة،علاقتنا بالثراثين
الشرقي والغربي لازالت متعثرة وتحتاج إلى إعادة نظر وخاصة في ظل الازمة الاخلاقية
للدول الغربية المعاصرة.
يبدو أن الفلسفة تعيش
أصعب مفعولاتها (الفكرية والسلوكية)في زمن تغزو فيه التفاهة المتحالفة مع
الرأسمالية المتوحشة والاستبداد في جل الميادين والعقول.على الفلسفة أن تسائل
مشاكل الراهن وإلا ستزداد عزلتها لتقتصر على قلة من النخبة، الثابت في الفلسفة لا
خلاف عليه،لكن المتحول لازال غير مفكر فيه،هذا المتحول هو الحاضر المتردي
والمستقبل المجهول.والمدهش أن مختلف العلوم تتطور وتتقدم بمعزل عن شرائط التفاهة
والاستبداد...وعائداته العلمية تستفيد منها شعوب الدول المتقدمة بنسب مختلفة .فما
هي عائدات الفلسفة ودورها في المجتمع المغربي ؟ ما لم تُحيّن الفلسفة ذاتها وتسائل
متغيرات العصر ستظل تتوهم تميزها وتعاليها من دون مفعول لها في الواقع.كل معرفة
تروم تحقيق الفهم من أجل الارتقاء الفكري والسلوكي،ارتقاء له بالضرورة ارتقاء
بالمجتمع والشعوب.هذه هي المعادلة الصعبة التي تتجاهلها الفلسفة التأملية على نمط
الانساق الفلسفية التقليدية التي لا مفعول لها سوى كونها مادة للتدريس والسرد
التاريخي.من هذا الوضع أفهم تجربة الفلسفة التطبيقية ليس بمعنى الفعل السياسي بل
بمعنى تجديد الفلسفة لأسئلتها كمدخل لتحفيز الفاعلين على التغيير وخاصة في مجتمعات
متأخرة.تمتاز الفلسفة من بين ما تمتاز به الحسين النقدي والاشكالي،لكن مع الاسف لم
تتم العناية بهما وبمفعولاتهما في الواقع.في فترة ما كان لحضور فوكو وسارتر وجيل
دولوز والآن تشسومسكي وسلافوي جيجيك،،،تأثيرا في العقول والممارسات من قلب الساحات
العمومية تفاعلا مع الثورة الطلالبية حينها .فأين الخلل لدى مفكرينا الفلاسفة؟
0 التعليقات:
more_vert