في مفهوم التجربة الفلسفية أو تجربة التفلسف عند عبد العزيز بومسهولي.

التصنيف




في مفهوم التجربة الفلسفية أو تجربة التفلسف عند عبد العزيز بومسهولي.


من بين أهم الكتب الفلسفية التي قاربت راهن الوضع العربي فلسفيا، كتابي " الفلسفة والحراك العربي، تجارب فلسفية  جديدة في العالم العربي" ثم " الفلسفة والحاضر،أو في تجربة التفلسف؟ للكاتب عبد العزيز بومسهولي.


سأحول الاقتراب من رهان المفكر عبد العزيز بومسهولي في كتابيه أعلاه، ولا مناص من قراءة الكتابين لما يتميزان به من عمق المعنى وجمالية المبنى وجرأة في الطرح. وأعلم مدى صعوبة محاولة التعريف بالكتابين تفاديا لاحتمال الافتراء أو تحريف قصدية الكتابين ضمن المشروع الكبير للأستاذ بومسهولي.

     يقول عبد العزيز بومسهولي في كتابه الفلسفة والحراك العربي :" التفلسف ليس مجرد – فعل اعتباطي – يقتضي استحضار الفلسفة كماهية صورية، من أجل إثبات براعتها في حيازة المفاهيم والأفكار، بل هو إقتدار على تحيين المفاهيم والأفكار في حياتنا، هو استنبات لكيفية مغايرة تغدو فيه المفاهيم مستوطنة لكينونتنا قيد التشكل.التفلسف بهذا المعنى هو تعبير عن حراك صاعد بقوة حيوية نحو تملك صيغة مبتكرة لوجودنا في العالم." من هذا المنطلق يكشف الكاتب عن قدوم " ثورة فلسفية قادمة في العالم العربي" تتجلى في بداية " حياة فلسفية قادمة في العالم العربي، "واعدة بإمكانات حداثة مغايرة." هذا التوقع ليس نزعة تفاؤلية مفرطة، بل من منطلق ممارسة الفلسفة كتفلسف، وكصيغة لابتكار حقلها المفهومي الخاص بها،أي مفهومها الذي يحمل دلالة حياتية، وليست صورية وحسب.." ويقر الكاتب " بأن ثمة فلاسفة جدد في العالم العربي، يسعون في عشق نادر إلى إعلان ولاد الحياة الفلسفية في عالم عربي بدأت جغرافيته متسعة إلى احتضان الشكل الكوني للحياة."
    إن خلفية كتاب الفلسفة والحراك العربي، مبنية على كون "أن الحراك العربي - يقول بومسهولي- يمثل  " حدثا فلسفيا" دشّن لانهيارات جيو-سياسية في قلب العالم العربي، وفرصة لعودة الفكر الفلسفي إلى الفضاء العمومي."ص7..ويتساءل الكاتب " هل بالإمكان ظهور فلسفة عربية مغايرة ذات نزوع كوني؟ وإذا كان ذلك ممكنا فما هي مقدمات هذه الفلسفة، وما هي سماتها؟ الأمر الذي دفع الكاتب إلى رصد مختلف التصورات والمفاهيم التي يستعين بها الفلاسفة العرب من أجل تأسيس أفق فلسفي جديد يستجيب لتطلعات  الإنسانية في العالم العربي؟ ص8.ومن فرضيات بحث المفكر بومسهولي "أن الإنسان علة تأسيسية" ويعني بها  الوجود القادر على استئناف الفعل وسنّ الحَدَثية والتحرر من "المعلولية " أي التخلص من وضعية الخضوع للنسق الاستبدادي والتشميلي والانخراط في بناء عالم يستجيب لنداء الرغبة الإنسانية" ص 11. هذا المفهوم المركزي " العلة التأسيسية" يعتبره بومسهولي أيضا " مفهوما ناظما في كتاباتنا السابقة خاصة في كتابنا " نهاية الأخلاق والكائن والمتاهة والفلسفة المغربية ومبادئ فلسفة التعايش..‘لخ" ص 12
    يراهن الأستاذ عبد العزيز بومسهولي على بداية تحقق مسار جديد لفلسفة المستقبل، ولهذا فمهمة الكتاب عودة النقاش الفلسفي إلى الفضاء العمومي.وكما سنكشف لاحقا عن بعض  الترسانة المفاهيمية المؤسسة للفلسفة الجديدة، أشير بداية إلى مفهوم أساسي يوظفه الكاتب في سياق رهانات الكتاب، إنه مفهوم " الأرضنة " في علاقته بمفهوم " الحدثية "،يقول الكاتب " إي استعادة إرادة الحياة وتوكيد الحق في الأرض، لكن بإعمال إرادتها من أجل المساهمة في البناء المشترك وتقاسم عالم العيش، والمساهمة في أرضنة التجربة الديمقراطية"  ص 9. داخل العمق الجغرافي واستنبات قيم التعايش في الفضاء المحلي،أي بناء مسكن جديد بالإنسان بما هو إنسان." ص 10
    وفي كتابه "الفلسفة والحاضر ، أو في تجربة التفلسف" ، ينطلق المفكر عبد العزيز بومسهولي من الأسئلة التالية : لماذا نحتاج إلى الفلسفة دوما؟ ولماذا تحتاجنا الفلسفة الآن؟ وما هي الفلسفة التي نحتاج إليها اليوم؟ ويضيف في معرضه مماثلته بين الغذاء والفلسفة، " لماذا نعيش؟ وكيف نعيش؟ وما القيمة الجوهرية لتجربة عيشنا مع العلم أن تجربة عيشنا في العالم مشروطة بالتناهي ؟ وما دورنا في هذا العالم المعيش؟...وهذا يقودنا نحو فلسفة العيش.فما فلسفة العيش إذا، وما هي الفلسفة التي نحتاجها اليوم لننخرط في هذا العالم المبتكَر الذي يعبّر عن الروح الكونية الإنسانية؟
     وفي ثنايا الكتاب  يحاول المفكر عبد العزيز بومسهولي توضيح مفهوم التجربة الفلسفية من خلال مفهومه للفلسفة وبالتضمين أجرأة مفهومي الأرضنة والحدثية، وعبرهما مفهومه " للفلسفة الجديدة" . ثم يقول في كتابه الفلسفة والحراك العربي :" ...فالفلسفة اشتغال بالمفاهيم، لكن هذه المفاهيم  بالرغم من تجريديتها، ما هي إلا أدوات للفكر من أجل فهم الحاضر، من أجل إنارة سبل الحياة، وبالتالي من أجل توجيه الحياة، وإعانة الفرد على حيازة وعيه بذاته والشعب على صناعة مصيره.؟ ص (8/9)
نفس الهمّ والرهان نجده في كتاب " الفلسفة والحاضر"يقول الكاتب :" لن تكون هذه الفلسفة التي نحتاجها اليوم تعبيرا عن نزعة مذهبية نصوغ من خلالها أسلوب تفكيرنا وفق صورية قد تقودنا إلى التموقع في نمذجة نمطية، أي الوقوع في شرك دوغمائية مذهبية ذات بعد واحد. لن تكون الفلسفة التي نحتاجها اليوم لتحررنا من الاستسلام للمذهبية العقدية سوى فلسفة للعيش.(ص.7)...إننا كائنات متعالية،أي موجودات تحوز وعيا يصيّرها متعالية، تغذي الروح بفلسفة عيش توقظ كينونتنا الجسدية، فأن نغذي الروح معناه أن نصيّر جسدنا حيا يتفاعل مع العالم من خلال تفلسف يوقظ فيه وعيه الخاص بالنمط الذي يختاره لجسديته."ص 8.
    الحقيقة أن كتابات عبد العزيز بومسهولي وبمعية حسن أوزال وعبد الصمد الكباص، تعتبر نقلة نوعية في التأليف الفلسفي على الصعيد العربي وإن لن تنل حظها من الاهتمام في سياق أزمة القراءة والإقبال على اجترار تاريخ الفلسفة ، 


وصرّح عبد العزيز في كتابه الفلسفة والحاضر وبكل جرأة نادرة :" إن غاية الفيلسوف ليست هي إنشاء مذهب وإنما فلسفة تدشّن نمط تفلسف جديد" ص 29. ويضيف :" غير أن ثمة سؤالا محرجا لنا نحن المشتغلين بالفلسفة، سؤال يقضُّ عقولنا المنبهرة بالتجارب الفلسفية الكونية، التي نجد أنفسنا مهتمين بإنجازاتها الكبرى،منهمكين باستعادتها، فلا يبلغ أقصى جهدنا واجتهادنا سوى إعادة صياغتها، من غير أن تبلغ بنا الجرأة  إلى ولوج عتبة تجربة التفلسف، بما هو عتبة الإبداع الفلسفي؟ص 30.ويرجع عبد العزيز بومسهولي علة هذا الأمر إلى ما يسميه " حجاب التجربة " ويبيّن  لاحقا مفهوم حجاب التجربة.
وفي الختام، أشير أن المفكر سي عبد العزيز بومسهولي، فيلسوف في سلوكه وفي علاقاته مع الآخرين، مما يعني أنه يجسد فلسفته في طريقة عيشه، متسامح مع خصومه والمختلفين معه، هادئ في مختلف مناقشاته، لا يتعالى على مخالفيه ولا يقدح فيهم ولا يستعمل أسلوب التجريح والقدح ، تلك هي صورة الفيلسوف المنشودة إن أردنا لمحبة الحكمة أن تعرف طريقا سليما للفضاء العمومي .






شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: