ما قاله وما لم يقله الفلاسفة .مقالة في دفع الافتراء عن الفلاسفة.

التصنيف





ما قاله وما لم يقله الفلاسفة .مقالة في دفع الافتراء عن الفلاسفة.




المتفحص لعدد من مؤرخي ودارسي تاريخ الفلسفة،إضافة إلى بعض محتويات الكتب المدرسية والكتب التي تنشر دروسا فلسفية تطبيقية..سيجد تضاربا في تقويل بعض الفلاسفة ما لم يقولوه، والسؤال كيف نفسر هذا الظاهرة وما تأثيرها على موقف الفيلسوف من بعض القضايا والإشكالات.سأحاول تقديم بعض النماذج.

1-في كتاب الفكر اليوناني. الجزء الثاني الخاص بأفلاطون، ضمن سلسلة الفكر اليوناني للكاتب الدكتور حسين حرب.دار الفاربي-بيروت.1980 في الصفحة  35، عنوان الفقرة"العدالة الحقيقية والنظام الأمثل" يشرح الدكتور حسين حرب فرضية أفلاطون في رسم نموذج المدينة الكاملة، بناء على مقولته التمييزية التي يشاع أن أفلاطون قائلها" الناس معادن"..

نقرأ في الصفحة 36، أقوالا نسبت إلى أفلاطون:
*-" العدالة هي مثابرة كل فرد على القيام بوظيفته، بالعمل الخاص به، بالعمل الذي أعدته له الطبيعة.والجور في التطاول على وظائف الغير."(الجمهورية المتاب الرابع.ص 22)
*- العدالة هي التوافق الطبيعي بين الطبقات على من يجب أن يحكم ومن يجب أن يطيع."( المرجع السابق.ص 36
*- "أفدح الضرر يلحق بالدولة إذا تم تجاوز الحدود وتبادن المهن.إن في ذلك خراب المدينة.إن احتلال طبقة مواقع طبقة أخرى يسبب للدولة أفدح الضرر وهو جريمة كبرى."(نفس المرجع ص 38)
*- العدالة الحقيقية هي إعطاء الأكبر أكثر والأصغر أقل، إعطاء كل واحد بنسبة غنى طبيعته أو فقرها. وعلى هذه المساواة يجب أن تبنى مدينتنا." ( الشرائع.الكتاب السادس ص 117)


لكن يرى بعض النقاد أن هذه الاستشهادات وخاصة الأخير منها التي أوردها حسين حرب ربما تخلط بين الموقف الأفلاطوني والموقف السوفسطائي، وبالتالي المطلوب تحري الدقة بين تبني أفلاطون لموقف معين وإدراجه لمواقف أخرى لمفكرين آخرين.السؤال هل بالفعل أفلاطون يتبنى فكرة "إعطاء الأكبر أكثر والأصغر أقل،إعطاء كل واحد بنسبة غنى طبيعته أو فقرها، وعلى هذه المساواة يجب أن نبني مدينتنا.( الشرائع. الكتاب السادس.ص 117 ).
بالفعل أفلاطون يستشهد بأقوال السوفسطائيين، لكن ما هو سياقها وما موقف أفلاطون منها ؟ نفس الخلط الذي نُسب إلى سارتر وهو يتحدث عن الفلسفتين المثالية والواقعية بخصوص طبيعة وجود الغير والعلاقة معه
2- هناك قضية تتردد كثيرا في عدد من كتب تاريخ الفلسفة حول الموقف التجريبي لجون لوك.وهناك مقولة مشهورة تنسب إلى لوك يقول فيها :" لا يوجد في العقل شيء إلا وقد سبق وجوده في الحس."نجد هذه القولة بهذه العبارة في كتاب يوسف كرم " تاريخ الفلسفة الحديثة.دار المعارف ص 146. يقول يوسف كرم في سياق شرح هاته القولة ضمن سياق نقد جون لوك للمذهب الغريزي..:"وهكذا " لا يوجد في العقل شيء إلا وقد سبقه في الحس" إن لوك لعلى حق في قوله هذا...ويزعم أن المعرفة كلها تفسر بالحس وحده.."
لكن بالإطلاع على كتاب " عالم صوفي" للكاتب جوستاين غاردر ، ترجمة  حياة الحويك عطية.ص 274، يقول الكاتب :"...التجريبي  هو الذي يستنتج كل معلوماته عن العالم ، مما تنقله إليه حواسه. هنا تجب العودة إلى أرسطو لإيجاد الصيغة الكلاسيكيةلا شيء يوجد في الوعي دون أن يوجد قبلا في الحواس" وفي هذا نقد مباشر لنظرية الأفكار الغريزية على قلب أفلاطون، والتي تقول إن الإنسان يولد ومعه أفكار آتية من عالم الأفكارـ وقد تبنى جون لوك جملة أرسطو ليستعملها ضد ديكارت هذه المرة."
السؤال، هل يحوز لفيلسوف توظيف مقولة لها خصوصية حسب سياقها الفلسفي والتاريخي والنسقي، في نقد فلسفة أخرى لها خصوصيتها ضمن سياق خاص. فأفلاطون ليس هو ديكارت أو ليبنتز أو سبنوزا.والتجربية الحديثة ليس هي التجربية التي تُلصق بأرسطو لمناقضة نظرية المثل الأفلاطونية ...وبالتالي ما المقولات التي ترقى إلى مستوى الكونية وتظل تسمح بإمكانية التوظيف بالرغم من انتفاء شرطها التاريخي، علما أن السياق اليوناني كان ضمن مجتمع عبودي، والمدينة المنشودة أو الدولة هي مدينة المواطنين الأحرار وليس العبيد،وأن الموقف العملي والتجربة لها دلالة خاصة والتي تتغير من نظام إنتاج إلى آخر.التجريبية في مجتمع عبودي ليست هي ذاتها في مجتمع مفكروه يسعون إلى بناء مجتمع الحداثة والديمقراطية والمساواة بين البشر.
وهذا يجرنا إلى إشكال الثابت والمتحول في فلسفة الفيلسوف،وبالتالي أتساءل من أي منطلق يحق للباحث أن يزعم إمكانية قراءة الواقع الراهن بعيون أفلاطون أو أبن رشد...وعند آخرين بعيون ابن تيمية وابن الصلاح الشهرزوري.....لكن ألسنا أمام انتقائية فلسفية لمواقف الفلاسفة؟ مثلا هل يحوز أن نقرأ الواقع العربي الراهن بعيون أفلاطون ( ليس من جهة نظرية المثل التي وظفها محمد عابد الجابري بخصوص درجة وضوح الحقيقية بدء من تمثلات الكهف إلى مواجهة سطوع الشمس....بل من الجهة التالية إن صحت هذه الجهة لأفلاطون " *- العدالة الحقيقية هي إعطاء الأكبر أكثر والأصغر أقل، إعطاء كل واحد بنسبة غنى طبيعته أو فقرها. وعلى هذه المساواة يجب أن تبنى مدينتنا" إن صح هذا القول لأفلاطون، هذه السياسة لها ما يبررها ،ولا يمكننا تحميلها ما لا يحتمله زمانها.
*- هذا طال أيضا عددا من الفلاسفة المعاصرين، وسبق لي مناقشة هذا الموضوع بالنسبة لديكارت وباسكال وسبينوزا وسارتر.



شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: