من الفلسفة إلى الفاعلية الفلسفية.
من الفلسفة المدرسية وفلسفة الصالونات إلى فلسفة الحياة
اختبار شعار الفلسفة والحياة.
سلافوي جيجيك يحاضر في الزنقة
يكثر الحديث عن دور وأهمية الفلسفة في حياة من يحبها أو
يتخذها صديقة له. ولكن من النادر أن يتم التفكير في كيفية نقل الفلسفة إلى الفضاء العمومي وإلى حيث يحتاج الناس إلى
بعض من الفلسفة، أو على الأصح التفكير الفلسفي، على الأقل، في عدد من أمور حياتهم
اليومية .وأتساءل هل موضوعة " الفلسفة والحياة " مجرد خطاب مدرسي/ نظري/
تنظيري ( بحثي )، أم هي مسؤولية فكرية، تتجسد في أفعال وسلوكات ؟
في نظري ربما يتعلق المطلب بتعليم " التفكير الفلسفي" في أفق القدرة على مساعدة العامة على التفلسف في حدود الإمكان بما يتيح لهم عن طريق التربية الفلسفية النقدية تدبير عيشهم وطريقة تفكيرهم في حدود ما يستطيعونه ...،إذ لا يتعلق الأمر بتعليم تاريخ الفلسفة وأطاريح الفلاسفة ومذاهبهم. ربما هو ذات رهان تقريب أدوات التفكير الفلسفي للأطفال.
في نظري ربما يتعلق المطلب بتعليم " التفكير الفلسفي" في أفق القدرة على مساعدة العامة على التفلسف في حدود الإمكان بما يتيح لهم عن طريق التربية الفلسفية النقدية تدبير عيشهم وطريقة تفكيرهم في حدود ما يستطيعونه ...،إذ لا يتعلق الأمر بتعليم تاريخ الفلسفة وأطاريح الفلاسفة ومذاهبهم. ربما هو ذات رهان تقريب أدوات التفكير الفلسفي للأطفال.
والحالة هذه، إذا كان وجود الفلسفة مرتبط فقط بالتدريس،
والبحث الفلسفي،فالنقاش سيكون في الحالة الأولى مرتبط أساسا بالبيداغوجيا
والديداكتيا والبحث التربوي بشقيه النظري والتطبيقي، وفي الحالة الثانية سيكون
النقاش منصبا على مشاكل الإصدارات الورقية والندوات الحضورية والرقمية وما يرافقها
من مشاكل الطبع والتوزيع وطقوس القراءة والحضور والتفاعل....إلخ. وبالتالي يكون
مجال تداول الفلسفة محدودا لا يتعدى جدران المؤسسات التعلمية الثانوية والجامعية، ومجال
سوق البحث الفلسفي الحر وأفاق الطبع، علما
أن قراء البحوث الفلسفية هم من الحالتين السالفتين الذكر. هذا الواقع لا يطرح
إشكالا بحجة أن الفاعلين فيه كلهم مدرسون
/ موظفون وعلاقتهم بالفلسفة علاقة وظيفية أولا وثانيا بحثية لمن سمحت لهم الظروف
بذاك. المشكل الوحيد ربما سيكون مطروحا في حالة قصور البحوت البيداغوجية الرامية
إلى تجويد تدريس الفلسفة ، أو نقص في التأليف الفلسفي الذي يقتضيه الوضع الجامعي،
وليس كل المدرسين بالجامعة باحثون في مجال الفلسفة.
الفلسفة في الزنقة
المشكلة الكبرى والتي تنم عن عدد من المفارقات، تتمثل في
ادعاء كون الفلسفة قادرة على مساعدة الناس على الخروج من كهف الدوكسا إلى عالم السؤال
والمساءلة واليقظة العقلية وووووو...وكل ترسانة التفكير الفلسفي المعروفة بشكل يقيني ومطلق !!!!!. لكن
المسكوت عنه هو من هؤلاء الناس،إذا استثنينا المتعلمين ومدرسي ومدرسات الفلسفة
بالتعليم الثانوي والجامعي ومنهم من يبحث في مقتضيات التربية عموما ومنها تجويد
العرض الفلسفي،وحتى أصدقاء الفلسفة المداومين على قراءة ما ينشر من بحوث ومؤلفات، هم من الأسرة التعليمية دون أن ننسى أن مطلب اختراق التفكير الفلسفي للفضاء العمومي يهم كل الفئات الاجتماعية وليس الأسرة الفلسفية فقط، والمدهش أن عددا من هذه الأسرة الفلسفية لا تظهر عليها تشربها بالروح الفلسفية، فهناك من يدرس على خلفية وظيفية مهنية وعلاقته بالفلسفة لا تخرج عن جدران المؤسسة، وهناك من يؤلف لحاجات تجارية ، وهذا ما يفسر أن مدرسين كبار يكتبون مقالات في دوريات خليجية مؤدى عنها بالدولار !!!! وهناك من يبحث لأسباب ذاتية منها مثلا المتعة وتمضية الوقت بالكتابة كهواية وليس كمسؤولية في تغيير والارتقاء بالتفكير مفاهيميا وحجاجيا على الطريقة السقراطية للعموم وليس الخاوص...إذن كيف تنتقل الفلسفة من التدريس والبحث الفلسفي الخاصيين
ببمارسي تدريس الفلسفة إلى الفضاء العمومي حيث مختلف الفئات الاجتماعية؟ لكن ما المقصود بالفضاء العمومي ؟ ما
هي مختلف فضاءاته؟ ومن الموكول إليه نقل الفلسفة من المجال المدرسي والأكاديمي إلى
مجال تزعم الفلسفة أنها قادرة ،نظريا، على خلخلته واقتحامه وتغيير عقلية الفاعلين
فيه من مختلف الشرائح الاجتماعية ؟ علما أن في الفضاء العمومي المزعوم مختلف الشرائح الإجتماعية وموظفين وأطر ...سبق لعدد منهم دراسة الفلسفة بالثانوي التأهيلي؟
المقهى الفلسفي في فرنسا
إذن كيف وبأي مقتضيات فلسفية وقانونية ( طلب ترخيص لولوج
الفضاء العمومي باعتباره مجال الحماية والمراقبة الأمنية بمقتضيات قانونية تنظم التجمعات
والاجتماعات ....إلخ) المسكوت عنه من سيقوم بأرضنة الفلسفة في الفضاء العمومي ،
وما القضايا والإشكالات التي سيتم التفكير فيها، ومن سيختارها ويحدد رهاناتها، وما
مدى استمراريتها وكيف يتم جدولتها؟
في بعض الأحيان لا تحمل من الشعبية إلا الإسم بسبب غياب عدد من من الفئات الاجتماعية وخاصة المهمّشة واقتصارها على الطلبة والمدرسين فقط.
بالفعل كانت هناك محاولات محتشمة اتخذت أسماء لها مثل :
الفلسفة في الزنقة،المقهى الفلسفي،تجربة الجامعة الشعبية...ولكن هل استمرت هذه
التجارب؟ لماذا فشلت؟ أعطي مثالا، تم اعتقال منشط لحلقة فلسفية في الزنقة بسبب
اختياره موضوع "ظاهرة الاعتقال السياسي". أتساءل هل من الممكن أن تقتحم هذه التجربة
فعاليات سياسية لتمرير أجندتها الساسية وليس مساعدة الحضور على التفلسف؟ قد يعترض
البعض على أن المصادرة على حرية التعبير ستكون من بين أسباب فشل نجاح التجربة في
الفضاء العمومي لأن من خصوصيات التفكير الفلسفي المقاربة النقدية للموضوعات والحس النقدي هو تجسيد لتحقق الحرية ومفعولاتها في الفضاء العمومي .وهناك من يطالب بمأسسة حضور الفلسفة في الفضاء العمومي، وبتعبير أوسكار برينيفيه " الفلسفة في المدينة"هذا الأخير كان يطمح إلى إقامة ورشات فلسفية للأطفال والشركات والمنظمات،وأوسكار من مؤسسي معهد الممارسات الفلسفية....والحالة
هذه في التجربة المغربية دخلنا في متاهات قانونية وأخلاقية وسياسية، ربما تكون نتائجها سلبية إن تم الزج
بالفلسفة في الصراعات الاجتماعية والسياسية، وربما قد تتحول الفلسفة إلى ما يشبه
الخطب السياسية أو النقابية أو خطب الوعظ والإرشاد كما تمارسه بعض الحركات الدينية.وقبل
هذا وذاك هل تسمح الطبقة الحاكمة بهذا الفعل الفلسفي زمفعوله في الفضاء العمومي،سواء كان
مغلقا ( المقهى، أو فضاء مدرسي أو جمعوي) أو مفتوحا ( الزنقة: الحدائق العمومية،
الشواطئ!!!!)، وهل كل الناس مهيأون ومقتنعون لحضور ورشات في التفلسف( يقال أن تجربة الجامعة الشعبية في عهد الوزير الكحص كانت ناجحة، لكن بذهابه من الوزارة تم التخلي عن تجربة الجامعة الشعبية).وهذا يجعلنا نسائل
دور السياسي والنقابي والجمعوي في تحمل مسؤولية حماية تجربة الفلسفة في الفضاء
العمومي، وهل كل الأحزاب تحبذ الفكرة علما أن للفلسفة أعداء وخصوم من الجسم
السياسي والنقابي والجمعوي والدعوي، وحتى لدى عدد من عامة الناس.؟
هذا الوضع المعقد، هو ما حمل عددا من المفكرين والباحثين في
مجال الفلسفة أن يمارسوا الفلسفة تأليفا في حوزاتهم الفلسفية ، مقتنعين بنخبوية
الفلسفة وتجريديتها وأنها لا تصلح للعامة ،وبالتالي استحالة أو صعوبة نقلها إلى الفضاءات العمومية، مع العلم لاأحد طلب منهم
الانخراط البينجسدي في أرضنة الفلسفة في الفضاء العمومي.لكنقد نجد من النخبة من يمدح الفلسفة
ويحاجج على قيمتها وأهميتها وضرورتها بل للتداوي وتحقيق الطمأنينة...، لكن في الكتب والندوات الحضورية والرقمية فقط،
ولا أحد منهم على الآقل سبق له أن انخرط في مسيرة شعبية تأطيرية، كرمز فلسفي أو ثقافي
يجسد ما يؤمن به من قيم فلسفية على الأقل في المشاركة الرمزية في عدد من المسيرات الشعبية كما هو الشأن في الغرب مع فوكو وسارتر وجيل دولوز وسلافوي جيجيك وتشومسكي
وإدجار موران وألان باديو....أما أن يمكت في مكتبه ويكتب عن الفلسفة والحياة وضرورة الفلسفة والحاجة إليها، عليه أن يسأل نفسه لمن يكتب ومن يقرأ له، وكيف ما يكتبه
يمكن أن يتحول إلى فعل فلسفي في الواقع.؟
لكن واقع الحال أن الفلسفة في المغرب توجد في مستويين، أحدهما مدرسي/ جامعي والآخر أكاديمي نخبوي، أما رهانات الفلسفة التطبيقية وفلسفة الفعل والفضاء العمومي والفلسفة والمدينة وأرضنة الفلسفة وفلسفة العمل والفلسفة واليومي ودفاعا عن الفلسفة والحاجة إلى الفلسفة والتداوي بالفلسفة والطمأنينة الفلسفية.....هي ذاتها لم تتجاوز سقف التنظير لتقع في مجرى الأكاديمية والنخبوية.
لكن واقع الحال أن الفلسفة في المغرب توجد في مستويين، أحدهما مدرسي/ جامعي والآخر أكاديمي نخبوي، أما رهانات الفلسفة التطبيقية وفلسفة الفعل والفضاء العمومي والفلسفة والمدينة وأرضنة الفلسفة وفلسفة العمل والفلسفة واليومي ودفاعا عن الفلسفة والحاجة إلى الفلسفة والتداوي بالفلسفة والطمأنينة الفلسفية.....هي ذاتها لم تتجاوز سقف التنظير لتقع في مجرى الأكاديمية والنخبوية.
كتب الأستاذ الصادق عبدلي في سياق قراءته لكتابات فتحي
المسكيني ."لما تصلح الفلسفة إذن ؟ أتصلح الفلسفة إذن لـسرد الحكايات الكبرى
(بعبارة رورتي) ، أم لطمئنة الأطفال (بعبارة جاك دريدا) ، أم هي حديقة إنسانية
لتدجين الكينونة وتحسين النسل البشري (بعبارة سلوتردايك) ، أم هي نزاع بين الأصل
والنسخة (بعبارة أفلاطون) ، بين المرئي واللامرئي (مرلوبونتي) ؟ أم هي علاج طبيّ
(فيتغنشتاين) للأنفس من أمراض العصر ومن عنف الواقع وصخبه، أم هي عراك الألفاظ
ولعب بالمفاهيم (جيل دولوز) بين سحر اللغة ولعب الفنّ، فنّ مرح الجسد حينما يرقص
على موسيقى الحياة زرادشت (نيتشه) ، فماذا تكون إذن؟ أهي إختلاف الأصيل عن
اللاأصيل (هيدغر) ، أم الفلسفة أعلنت عن إفلاس بنوكها، بمعنى موت الفلسفة وتحنيطها
في أقبيّة التاريخ، من النوابت (بالمعنى الذي قصده الفارابي وليس بما يعنيه ابن
باجة)، هم الذين يكترون آذانهم عن الفلسفة ويدعون إلى موت الفيلسوف العربي خاصة
والحال أنهم كُثرٌ كمطاع صفدي وعبد الرحمان بدوي وحسن حنفي وفتحي المسكيني وطه عبد
الرحمان وأبو يعرب المرزوقي وسليم دولة والقائمة تطول، بمعنى ما من المعاني
الداعون إلى موت إرادة في اتجاه القوة (نيتشه) بمعنى موت الإنسان قيميا
"بلحمه ودمه" (بعبارة فيورباخ) وجعله عبدا للرأسمالية (ماركس) وإنسانا
ذو بعد واحد (هاربرت ماركوز) وتحويل قيمه إلى فن جماهري لا يحمل عبء الوجود وإنّما
غايته التسلية وتبذير القيم وتهجينها (طوني نغري). فماذا بقي للإنسان إلاّ أن يعيد
ترتيب بيت الوجود من جديد، ذلك هو بيت القصيد: أن نتعلم كيف نحيا؟ (جاك دريدا) وأن
الحياة والفن وجهان لنفس العملة الواحدة. وأن في الأرض كثيرا من المسائل الفلسفية
بما يعنيه فوكو وعلى المتفلسفين العرب خوض غمارها دون أن يسقط سهوا من كتاب
البخلاء للجاحظ. فما الفلسفة؟ إن لم تكن تدرّبا على معنى الحياة وفن العيش حتى وإن
لزم الأمر أن نعيش في خطر كما دعا نيتشه إلى ذلك "كلف ذلك ما كلف"
بعبارة فيلسوف الصحراء سليم دولة .( الحوار المتمدن)
0 التعليقات:
more_vert