شذرات من تجربتي الفصلية مع النصوص الفلسفية.
من
تجربتي الفصلية ،بعض الإحالات النصية الموظفة في مفهوم الحقيقة. حوار فلسفي بين
الفلاسفة عن بعد.
1- يقول ديكارت:"القاعدة الأولى أن لا أُسلّم مُطلقا بشيء على أنه حق ما لم
أتبيّن بداهة أنه لذلك . بمعنى أبذل الجُهد في تجنّب التعجّل وعدم التشبثِ
بالأحكام المسبقة ( أي الآراء ) وأن لا أُدخل في أحكامي إلا ما يتمثّل لعقلي بوضوح
و تميّز يزول معهما كل شك
."
2- يقول سبينوزا :"ما هو الشيء الذي يُمكنه أن يكون أشدّ وضوحا وبداهة من
الفكرة الصحيحة حتى تكون معيار الحقيقة ؟ فكما أنه بانكشاف النور ينقشع الظلام،
فالحقيقة أيضا إنما هي معيار ذاتها ومعيار للخطأ."
3- يقول دافيد هيوم :"… أما من جهتي فإني عندما أتوغل في أعماق ما
أسميه(أنا) أصطدم دائما بهذا الإدراك الخاص بالحرارة أو بالبرودة أو بالنور أو
الظلام وبالحب والكراهية وبالألم أو اللذة. فلا يمكنني أن أعقل نفسي (أنا) في أية
لحظة من دون إدراك ما ، ولا يمكنني أن ألاحظ إلا الإدراك الحسي. فعندما تزول
إدراكاتي الحسية لمدة من الزمان، مثلما يكون ذلك في النوم الهادئ فإن شعوري
(بأناي) يزول طيلة النوم، ويمكنني القول حقا بأني لست موجودا.."
4 – يقول وليام جيمس :" إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي… وكل ما هو مفيد لنا
سواء لفكرنا أو سلوكنا…بمعنى أن الأفكار التي ينبغي ـن نعتبرها صحيحة.. لهي تلك
التي تقول لنا أيّ نوع من الوقائع نافع لنا وأيها ضار . إن امتلاك الحقيقة عوض أن
يكون غاية في ذاته ( كما اعتقد كانط) يُصبح وسيلة يُتوصل بها إلى إشباع حاجات
حيوية أخرى."
5 – يقول كانط :" الواقع أن كل إنسان ليس من حقه فحسب، بل من أوجب واجباته أن
يتحلى بالحقيقة،أي بالصدق في تصريحاته وأقواله التي لامناص له من الإدلاء بها ،
حتى وإن أضرّ صدقه به هو أو بغيره… فمن مُقتضيات العقل المقدسة والضرورية إذن
ينبغي على الإنسان أن يكون صادقا في تصريحاته وأقواله."
6 – يقول بنيامين كونسطان ( فيلسوف فرنسي يقول بجواز الفرد الكذب على الآخرين في
حالة ما إذا أحس بأن قول الحقيقة يشكل خطرا عليه ، وهذا ما رفضه كانط أعلاه)
:"إذا ما أخذ المبدأ الأخلاقي الذي بموجبه قول الحقيقة واجبا أخلاقيا بمعناه
المطلق والمعزول،فإنه من المستحيل قيام أي مجتمع. لقد ذهب كانط إلى حد الزعم بأن
من يكذب على مجرمين يسألونه عمّا إذا كان صديقه الذي يتعقّبونه مُختبئا في منزله،
يكون قد ارتكب جريمة."
عادة
ما لا يتم الانتباه تدقيقا في مفهوم الشخص عند ديكارت، بحيث يتم الوقوف عند مفهوم
ظاهر الكوجيتو، واستخلاص أن الشخص كائن مفكر، بينما الشخص عند ديكارت تحديدا جوهر
ذاته وطبيعته التفكير.ولدلالة الجوهر في متن ديكارت الفلسفي ما يفسر طبيعة الأنا
أفكر ومستلزمات الانوجاد.
الإنسان جوهر مفكر
" ماذا كنت أظنني من قبل؟كنت أظنني إنسانا بلا شك ، ولكن ما الإنسان؟.. أنا واجد
أن الفكر هو الصفة التي تخصني، وأنه وحده لا ينفصل عني.. أنا كائن، وأنا موجود:
هذا أمر يقيني، ولكن إلى متى؟ أنا موجود ما دمت أفكر، فقد يحصل أني متى انقطعت عن
التفكير تماما انقطعت عن الوجود بتاتا. ولكن أي شيء أنا إذن؟ أنا" شيء مفكر".
وما الشيء المفكر ؟ إنه شيء يشك ويتصور ويثبت وينفي ويتخيل ويحس أيضا... لقد عرفت
أني جوهر ذاته وطبيعته التفكير ، ولا يحتاج في وجوده إلى مكان ولا يخضع لشيء مادي
...وعلى هذه الصورة " الأنا" أو "النفس" التي هي أساس ما أنا
عليه متميزة تمام التمييز عن الجسم."
ديكارت. التأملات.
منهجيا تجلي نمط وجود الغير
هو الذي يحدد معرفته وشكل العلاقة معه.
مثلا:
إشكال وجود
الغــــيـــر
1-ديكارت:" أنظر من النافذة فأشاهد
بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول أني أرى رجالا بعينهم، مع
أنه لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب،
لكني أحكم بأنهم أناس...وإذن أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنتُ أحسب
أني أراه بعيني."
-جيل دولوز:" يكمن خطأ النظريات
الفلسفية في كونها اختزلت الغير تارة إلى موضوع جزئي وتارة إلى ذات. ولكن الآخر
ليس موضوعا في حقل إدراكي الحسي ولا ذاتا تُدركني إدراكا حسيا، إن الغير أولا بنية
الحقل الإدراكي، وهي بنية ذات وجود قبلي ومطلق
أتساءل هل مفهوم التقنية
بحمولته العلمية التي ظهرت مع الثورة الصناعية الحديثة ، يمكن إسقاطه على المرحلة
اليونانية زمن أوج العطاء الفلسفي؟
الفلسفة اليونانية
وسؤال التقنية.
"في اليونان تتعارض الفنون اليدوية
باعتبارها خاصة بالعبيد مع الفنون الحرة، وقد كان الناس الأحرار يرفضون
ممارستها..في كتابه " السياسة" يعلن أرسطو أنه سوف لن يمارس أي مُواطن
مهنة يدوية في المدينة المثالية. لقد أصبحت كلمة banausos التي تعني الصناع مرادفة لما هو
مُحتقر، وأُطلقت الكلمة على كل التقنيات، فكل ما هو حرفي أو مُرتبط بمهارة يدوية
يكون مصدرا للخجل ويُشوّه النفس والجسم في آن واحد. وبصفة عامة فإن من يُمارس هذه
المهن التي هي رُغم ذلك نافعة في حدّ ذاتها لا يهدف من خلال مهاراته إلا تلبية ما
هو دنيء في الإنسان...وهكذا لم يكن المهندس وحتى المجرّب أكثر اعتبارا من
الصانع" فالنظرية مُتعارضة مع الممارسة" وبدون جدوى أكّد " نتريف
" على ضرورة توحيدهما ..وأن الفضل الكبير لفيتاغور أنه جعل الرياضيات ميدانا
حرا، وذلك بدراستها من وجهة نظر لامادية وعقلية. " ( بيير مكسيم شيل : نظام الآلية
والفلسفة )
أتساءل عن تنامي خطاب
الحاجة إلى الفلسفة مقابل ضمورها في الواقع الفعلي أي في المارسة الاجتماعية؟ هل
المشكل في نخبوية الفلسفة أم في قصور الفلاسفة وأصدقائها على أرضنتها؟ إذا كانت
نخبوية فما الحاجة إليها، وإذا كان من الممكن أرضنتها فما عوائق هذه الأرضنة في
السلوك والمعاملات؟ فهل تكفي قراءة الكتب لتغذية الفكر دون الفعل في الممارسة؟
قيمة الفلسفة في الحياة.
تختص الفلسفة بكونها روح البحث المستمر،
والحرية الفكرية، والتسامح العقلي، والرغبة الدائمة في الحوار مع الآخرين. والحق
أنه لا تكون ثمة فلسفة ما لم يكن هناك شعور بالحرية، وإيقان بأن الحق فوق القوة،
واعتراف بأن العلاقات البشرية ينبغي أن تقوم على التفاهم والتسامح، لا على التخاصم
والتنازع. ولعل هذا ما قصده أحد المعاصرين حين قال :" إن الفلسفة لا تبدأ إلا
حينما يتهيأ البشر أن يتنازلوا عن روح العنف والشدّة، لكي يستعيضوا عنها بروح
التفاهم والمودّة".
إذا كان للفلسفة اليوم، أن تقوم بدور
فعّال في مجتمعنا المعاصر، فلا بد لكل منّا... أن يفهم أنه مواطن حرّ، وأن حرّيته
لا تعني الانطواء على نفسه، أو قطع وشائج التواصل بينه وبين الآخرين، بل هي تعني
الحوار مع غيره من أبناء الجماعة، وتحقيق المزيد من أسباب التفاهم بينه وبين
الآخرين. وما دامت الفلسفة حديث الإنسان، وحوار المواطن الحر مع المواطن الحر، فلا
يمكن للروح الفلسفية الحقّة أن تقترن بالتعصّب أو العداء أو الاستبداد بالرأي، بل
لا بد من أن تكون حليفة الحرّية والتسامح والانفتاح وسعة الأفق.
زكريا إبراهيم. مشكلة الفلسفة. ص
258.159
0 التعليقات:
more_vert