مَنْ يتحمل مسؤولية إهمال البعد القيمي للدرس الفلسفي كما الإنشاء الفلسفي؟
مَنْ يتحمل مسؤولية إهمال البعد القيمي للدرس الفلسفي كما
الإنشاء الفلسفي؟ كيف نفسر تحويل بناء درس فلسفي إلى ساحة لعرض المعلومات الفلسفية
المُملات والقابلة للحفظ، وإعادة سردها في الكتابة الإنشائية ، كتابة تحولت إلى
وصفات شبه منهجية نمطية وجاهزة والتي لم تلتزم بالمطلب القيمي للدرس الفلسفي كما
سيتضح لاحقا؟
في اعتقادي يرجع أصل المشكل إلى خلل أو تراخي في إدراك الغايات من تدريس
مادة الفلسفة ، باعتبارها رافعة فكرية تهدف إلى " تنمية النظرة التركيبية للمعارف والآراء التي يتلقلها
المتعلمون،وعلى ممارسة التفكير النقدي الحر والمستقل والمسؤول، والتشبع بقيم
التسامح والمساواة والنزاهة والسلم والمواطنة والكونية" (التوجيهات التربوية
ص 3) هذه الأغراض من المفروض أن تكون حاضرة في أذهان المتعلمين لحظة بناء الدرس
الفلسفي، كما من المطلوب أن تكون هذه الكفايات القيمية حاضرة في الإنشاء الفلسفي
كما تنص على ذلك المذكرة رقم 14/093والمتمثلة في التفكير العقلاني المنفتح، واتخاذ مسافة نقدية مع المواقف والتميز
بروح المسؤولية والسلوك المدني". هذا ما يفسر مصداقية التساؤل عن ماذا يتبقى
لمتعلم مادة الفلسفة بعد مغادرة حجرات الدرس ويندمج في معترك الحياة؟ ماذا تعلم من مختلف المواقف الفلسفية والعلمية وإشكالاتها كما حاول الفلاسفة والعلماء مقاربتها وتلمس الحلول الممكنة لها؟
هذا البعد القيمي من المطلوب أن يكون حاضرا في بناء الدرس
الفلسفي كما في الإنشاء الفلسفي. السؤال هل بالفعل يحضر هذا البعد القيمي في
جذاذات المدرسين والمدرسات؟ وبالمناسبة لا أفهم بعض الدعوات التي ترفض إنجاز جذاذات تؤطر الدرس الفلسفي. وسأبين في مقال بعدي
خطورة هذا الموقف كونه يتناقض مع التحويل
الديداكتيكي للفلسفة، وقد تكون له عواقب سلبية على المتعلمين،في حالة فتح المجال للذاتية والإرتجالية في التدريس .
إذن كيف تتحقق أغراض الدرس الفلسفي في الإنشاء الفلسفي؟
بمعنى ما مقتضيات ترجمة أو أجرأة البعد القيمي في السلوك كما في طريقة التفكير لدى
المتعلمين وخاصة في الكتابة الإنشائية؟ وهو رهان ما تعرّف عليه المتعلمون في
البرنامج الفلسفي للجذوع المشتركة " لماذا التفلسف ؟ ومعالم التفكير الفلسفي ونمط اشتغاله؟ والمفارقة كيف
لا يقاوم المتعلمون ظاهرة الإملاء وعرض الأطروحات والمفاهيم والحجاج جاهزة من دون
ربطها بالأغراض القيمية للدرس الفلسفي، لو تشرّبوا بالفعل حلاوة التفلسف من خلال
الدهشة والبحث عن الحقيقية والشك والعقلنة وطرح السؤال، وبناء المفهوم والتحليل والبرهنة والنسقية والمنظور القيمي.( وهذه قضايا تعرّف عليها المتعلمون في الجذوع
المشتركة).
هذا البعد القيمي ،وإن بدا أنه جزء من عملية مركبة لبناء
الدرس الفلسفي، ومطلب تحققه في سلوك وكتابات المتعلمين، أقول هذا البعد القيمي
مرتبط ببيداغوجيا الكفايات ( على علاتها التقنوية بسبب مرجعيتها المقاولاتية، وهذا
ليس مقام تقييمها ، لكن في إطار التعاقد مع المنهاج يبقى الموقف الشخصي خارج الممارسة الفصلية وله مصداقيته حين يتعلق الأمر ببحث فلسفي نقدي لبيداغوجيا
الكفايات) لكن من إيجابياتها في نظري تحقيق إستقلالية المتعلم وتحمل مسؤولية الفعل والتفكير، بحيث يصبح
المتعلم قادرا على إنتاج المعرفة وليس اقتصاره على استهلاكها كما هو واقع الحال في
كتابات المتعلمين الإنشائية للأسباب أعلاه. وهذا يجرنا إلى صيغ التقويم الإشهادي،وكذا
مطلوبات المراقبة المستمرة، هل كليهما يلتزمان بالبعد القيمي كما تطرحه الأطر
المرجعية،أم هي تتطابق مع ما درج عليه المتعلمون من الوصفات الجاهزة ؟ هل بالفعل
صيغ التقويم تحترم روح ورهان الكفاية
باعتبار هذه الأخيرة كما عرّفها دوكتيل "هي عبارة عن نظام من المعارف
المفاهيمية( الذهنية ) والمهارتية ( العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية تكمن في إطار مجموعة من الوضعيات من التعرف على
الإشكالية وحلها بنشاط وفعالية". هل بالفعل هذا المفهوم للكفاية يمكن أن
يساعد المتعلمين على إنتاج المعرفة في الإنشاء الفلسفي بدل استهلاك الأطروحات
لذاتها،وتوظيف تعلماته في حل إشكال وليس السقوط في العنعنة الفلسفية كما يشتكي
غالبية المصححين.وعلى ذكر التصحيح، هل دليل التصحيح نفسه مخلص لروح الفلسفة
والتفلسف وللبعد القيمي أم أنه يوهم المترشحين بسرد ما حفظهوه من مواقف فلسفية
وليس توظيفها في مناقشتها ونقدها؟
سأطرح لاحقا بعض النماذج من الأمتحانات ودلائل التصحيح
والتي توهم المترشحين بتقيؤ ما حفظوه وهذا مناقض للأطر المرجعية نفسها .
0 التعليقات:
more_vert