العقل بصير والفعل قصير،أو في محنة تحكيم العقل الفلسفي في زمن المفارقات .

التصنيف

 


العقل بصير والفعل قصير،أو في محنة تحكيم العقل الفلسفي في زمن المفارقات



لسنا في حاجة إلى فلسفة خطابية تفسيرية، فهي موجودة، وتعرض ذاتها عبر تاريخها الطويل في الكتب والمدارس والجامعات، موجودة لدى باحثين ندواتيين ينثرون التفلسف المدرسي هنا وهناك، ولكن بأيّ أفق ؟ نحن في حاجة إلى جرأة الموقف الفلسفي تجاه تاريخ الفلسفة وتجاه إشكالات اليومي الذي يتم تهريبه نحو اللامعقول عبر مختلف جائحات التفاهة والبلاهة، كمدخل للترحال في الطريق الفلسفي الطويل والشائك والقطع مع الفلسفة كترف فكري يتهرّب من مواجهة  ميدانية مع  اللامعقول .كفى من الجُبن الفلسفي العالِم والأكاديمي المتعالي. يحتاج الظرف لجرأة سقراطية وسبينوزية ونتشوية...في تعرية التضليل والتدجين المُفضي إلى التيه التفاهوي،علما أن الصراع  مع الخصم الفكري الذي يُتقن لعبة اكتساح الفضاءات العامة والخاصة وبلسان بسيط، لايمكن مواجته بالندوات المخملية والفنطازيات الفلسفية المناسباتية،تحضرني قولة فيورياخ " ليست مهمة الفلسفة أن تخترع نظرية عن الإنسان،بل أن تسحب الإنسان خارج الوحل الذي وقع فيه".أقول ان الوحل وصل العظم. نحتاج إلى إعادة إحياء السؤال الفلسفي الذي يقصد مساءلة جذور الإشكالات عوض أسئلة السياسي المخادعة والمتقلبة لموضوعات اليوماني. هنا أوضح أن مقاربة الباحث الفلسفي لإشكالات اليوماني وإعادة تحيين قضايا النزوع الفلسفي الكلاسيكي لا يتناقض مع استقلالية فعل التفلسف ومطمحه في الإبداع والاستقلال الفلسفيين راهنا وبالحفاظ على روح الفلسفة في مقاربتها لمختلف الإشكالات الكلاسيكية لتارخ الفلسفة ولكن  تنفتح أيضا على الإشكالات الراهنة والممكنة مستقبلا، وحتى لا تبقى الفلسفة أسيرة لتاريخها كما السلفي المتدين لما يعتقده المالكي " أنه لا صلاح لهذه الأمة إلا بصلاح أولها" وليس  أجتهد كما اجتهدوا هم رجال ونحن رجال كما قال أبو حنيفةوهنا أتساءل من له المصلحة في انتقاد مطلب مقاربة الفلسفة لكل أنماط التفاهة التي تغزو واقع الناس, وقصر مطلب الفلسفة في النخبة كما كان يحلم ابن رشد وكأن عوام الناس قاصرين عن ممارسة التفكير أو ناقصي أو منعدمي الحس النقدي ؟أليس من بين أصول الفلسفة ما أنجبه سقراط في الآغورا أو بالتعبير المعاصر " الفضاء العمومي"؟ السؤال متى يتكفل الباحثون الفلسفيون  بمواجهة تفاهات التضليل وتشكيل العقول وتدجينها وتضبيعها.....
صحيح هذه أيضا من مهام المثقفين العضويين ومختلف السياسيين الملتزمين بقضايا تنضيج الوعي والارتقاء في التحليل لليومي، لكن أيضا مطلوب من الباحث الفلسفي الإنخراط في معركة التصدي لكل لإشكالات اليوماني وتقديم العون الفكري وبأدوات غير أدوات السياسي أو الفنان أو الأديب....كل من موقعه مطلوب منه الانخراط في عملية تغيير العقول لمواجهة جهنمية كل أنماط التفاهة التي اتخذت من الرقمنة وسيلة لغزو كل الفئات الاجتماعية ولمختلف مستوياتها. ويبدو راهنا أن الباحثين الفلسفيين العضويين لم يدركوا بعد أهمية توظيف الرقمنة لمواجهة تسونامي التدجين ووالتضبيع وإنتاج عقلية القطيع ومخاطر الذباب الإلكتروني في حجب والتصدي للحقيقة.
 أحبذ المفكرين الذين لم يقتصروا على تفسير وإعادة تفسير فلسفة كبار الفلاسفة وشرحها وإلعادة وإعادة ثم إعادة شرحها ؟؟؟؟؟ وكأن الراهن/الحاضر  لا يقتضي الاجتهاد الفلسفي في قضايا لم تظهر إلا راهنا، بل حاولوا تجريب امتحان المقتضيات الفلسفية في مواجهات إشكالات العصر، ومنهم من اجتهد في قراءة إشكالات العصر بعيون فلاسفة معينين كما فعل الجابري مع أفلاطون وابن رشد وغيره مع ديكارت وسبينوزا وغيرهم.والحالة هذه هل تفكير الباحثين الفلسفيين في قضايا وإشكالات يوميانية يعتبر تسفيها للفلسفة والزج بها في متاهات هي من اختصاص السياسيين والبرلمانيين والنقابيين وجمعيات المجتمع المدني؟وبالتالي ادعاء أن الفلسفة لا تهبط إلى مستوى العامة والفضاء العمومي لأنها  ستفقد هيبتها وقد تتحول إلى إيديولوجيا حزبية وهي تزج بنفسها في معترك الصراع السياسي والاجتماعي. وسبق لي أن قرأت تدوينة يطالب صاحبها بأن يبقى الأدب أدبا باعتباره إنتاجا للجمال والتلذذ والتمتع الفني التخييلي ومن ثمة لا علاقة للأدب بالسياسة أو بواقع الجماهير في مختلف الفضاءات العمومية، الأدب بالنسبة له مُتعة فكرية تخييلية، هذا ما يُراد للفلسفة أن تيقى نخبوية تحيا في سماء المعقولات. ظاهر هذه التدوينة يبدو معقولا، لكن جوهرها به مغالطة، وتتمثل في أن كل أشكال التفكير النخبوي متعالية وتسكن أبراجا عاجية ولم توجد إلا للنخبة ولذوي العقول الراقية، أما عموم  الناس في الفضاءات العمومية سيضلون ضحية لروتيني يومي والتشكيل الإعلامي الرسمي لعقول الناس من خلال إعطاء مكانة وهمية لتجار التفاهة،يحضرني هنا ما قاله الأستاذ عادل الحجدمي في محاضرة له حول الإيديولوجيا والفلسفة،يقول " رجل الإيديولوجيا هو رجل بناء، يملؤ الفراغات ، يحب البحث عن كيفية تغطية العيب النظري لبناء مشروع عملي. أما الفلسفة فهي عكس ذلك، هي بناء الفروق والنتوءات والشقوق والعيوب في فيما يبدو متماسكا ومتناسقا وجميلا.الإيديولوجيا غناء جميل،أما الفلسفة بالمعنى الأخلاقي إزعاج ونشاز. إذن فلسفة لا تُزعج لا حاجة لنا بها" . السؤال إذن كيف للفلسفة أن تزعج منتجي التفاهة والبلاهة في الواقع اليومي؟كيف تفكك الوعي اليوماني الذي يتوهم أنه مكتف  وسعيد في تفاهته وتجعله في حيرة من أمره ليواجه يديهية التفاهة التي تخلق سعادة وهمية ، بينما الفلسفة تؤزم وتقلق لأن الفلسفة كما يقول عادل الحجدمي " الفلسفة محنة وجودية" وهذا ما يصدم عقلية القطيع المُرتكنة إلى  سعادة وهمية كما نشاهد في كل إنتاجات التفاهات اليومية, أليس الواقع اليوماني مجال للإبداع والاحراج الفلسفي؟ إفتحوا نافذة فلسفية على اليوماني إلى جانب المقاربات الفلسفية التقليدية كما يعرضها تاريخ الفلسفة. هل هذا الانفتاح مغامرة فلسفية؟ نعم سيقول منتجي إحداثيات التفاهة الذين يحلمون بإسكان الفلسفة في أبراجها النخبوية كما يمارسها مع الأسف بعض الباحثين الفلسفيين. إذا كانت الفلسفة إزعاجا، فمن ستزعج إذن إن لك يكن تجار التفاهة وأعداء الفلسفة؟ 
 .هنا أتساءل ، هل مجال السؤال الفلسفي هو الجوهر والعرض والحقيقة والمطابقة والميتافيزيقا والفينومينولوجيا والهيرمينوطيقا والوجودية ....هل هذه المجالات/ المفاهيم  خاصة بمخلوقات غير أرضية أم هي من صميم التفكير الإنساني ويمكن بل من الواجب أرضنتها من منطلق الحق في الفلسفة ليس نخبويا بل جماهيريا إخلاصا للروح السفسطائية ، سواء اختلفنا معها أو اتفقنا، وللروح السقراطية. السؤال المسكوت عنه ، ما هي آليات إنتاج السؤال الفلسفي في عصر رقمنة التفاهة التي تغزو كل العقول بمن فيها التي تدعي التنوير والفكرانية؟هل السؤال الفلسفي قاصر على اقتحام اليوماني وتصويب التفكير وحمايته من فيروس التفاهة والبلاهة ؟حاليا تجار الدين فهموا كيف يصلون إلى أكبر قدر من الناس من خلال الصورة والصوت وليس من خلال المقروء الذي يتقنه الباحثون الفلسفيون ولا يقرأه إلا القلة.إذن متى يدرك الباحثون الفلسفيون أن أدوات التفلسف تتغير مع التطور والمستجدات التي تتحسن باستمرار؟ وما صيغ السؤال الفلسفي وبأية رهانات يمكن أن يُطرح وضمن أي مناسبات ؟
 وهل يمكن توظيف تاريخ الفلسفة في حماية العقل من آفة التفاهة . متى سيظل هؤلاء الباحثين سجيني أطروحة  أن الفلسفة لا تهتم بالواقع وليس من وظيفتها التفكير أو مساءلة اليوماني لأن هذا الاخير جزئي ومتغير والاهتمام به سيحول الفلسفة إلى خطاب حزباوي أو نقابوي أي إيديولوجي ستبتلعه الصراعات السياسية والإيديولوجية، لهذا وجب الحفاظ على فلسفية الفلسفة وتعاليها على المتغيرات اليومانية؟؟؟؟؟؟؟وهنا أصل الوهم، ماذا نقصد باليوماني، وكيف للفلسفة أن تقارب هذا اليوماني دون أن تفقد الفلسفة فلسفيتها في مقاربة الإشكالات اليومانية ؟ أستحضر هنا كتابات ألان باديو وسلافوي جيجيك وعبد العزيز بومسهولي وقبلهم حنا أرندت... حول " الفلسفة في الحاضر. ما معنى الفلسفة في الحاضر وكيف للفلسفة أن تواكب هذا الحاضر؟هل هو حاضر الشيخة تراكس أو مي نعيمة أو للالة العروسة أو مسلسات التضيبع وبرامج التدويخة...ام تبحث الفلسفة وتقوم بتعرية خلفيات واقع التفاهة وتفكيك إحداثياتها وبمفاهيم جديد يتم إبداعها للتصدي لكل محاولات تشكيل العقول قطيعيا ومن له مصلحة في ذاك، وما الجهات المسؤولة عن ذلك التشكيل وبأية مفاهيم و قس على ذلك.



لا مُخرجات فلسفية بدون مُدخلات فلسفية تستشكل كثيرا من البداهات اللامفكر فيها والحماقات المُستوطنة في الذوات. إنها الأسئلة الفلسفية الحارقة / المُغيّبة/ الغائبة، التي من شأنها " تصديم " وهم الصبر، و"تهديم " القناعات الزائفة، و" تعديم " الموجود الحالي و " تبيين " الماسيوجد والمُمكن الذ يجب انتزاعه من المستحسل بتعبير المرحوم السحيمي" من خلفية ورؤية وبأفق غير الذي يُروّج لها بائعي الأوهام.والضحية ضحية أوهام تجار التفاهة




أحمل هذا الهمّ الوجودي في ترحالي بين منزلي والشارع والقسم حيث أكاد أجنّ من هول المفارقات وأنا أقف أمام تلاميذتي، مٌكرها كموظف أجّل قناعاته لحين لا يعرف أوانه، كما هي مُهرّبة لدى الكثيرين إلى المقاهي ولغة التفاهة والاجترار وأحيانا العنتريات والثورة بالكلام على الكلام، حيث تُختزل كل الهموم والأماني قي كأس قهوة ،الواقع أسود منها،همّ مسكون بشطري المفارقة ، الأولى : " عايق " ب" قوالب صحاب الحال التي توهمنا على الورق وتصدما في الواقع ، والثانية أجد نفسي حائرا بين الحقيقة والواقع، بين الممكن والمستحيل. وكما في ورق التوجيهات التربوية لمادة الفلسفة، نحلم ونتوهم ب:" ممارسة التفكير النقدي الحر والمستقل والمسؤول، والتشبّت بقيم التسامح والنزاهة والسلم والمواطنة والكونية...تعلّم وممارسة اتخاذ القرار بحرية واختيار،...الارتقاء من الذاتية المغلقة الإقصائية إلى التبادل والمشاركة والانفتاح القائم على الاحترام والتسامح والحوار والتواصل على أساس قيم الخير والحق والجمال."ص 3 ( ربما هذه أيقونان أفلاطونية توجد فوق قبة السماء، وويل لمن يحلم بالصعود ظنا منه التوحد بين النسخة ومثالها والتخلص من عدمية " السيمولاكر".


.أجد نفسي بصدد عملية توليد همّ من همّ لأجد ذاتي في دوامة تشخيص يسدّ عني أفق الحل.إذن تعميم الجرأة والصدام الواعي والقصدي هو أحد مخرجات أرضنة الفلسفة .ولكني أومن بأن الواقع حاليا يعد مرتعا خصبا للتفكير الفلسفي وبالأخص إبداء آليات ومفاهيم فلسفية قادرة على المساهمة في تحقيق ما كان يحلم به الفلاسفة من قبيل أفلاطون وسبينوزا عللا سبيل المثال من خلال أرضنة الفلسفة والبحث لها عن مكانة في نفوس الناس  بالرغم من مشقة المفهمة الفلسفة.



 


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: