الانسان بين الطبع والاكتساب

التصنيف

 


الانسان بين الطبع والاكتساب




ما أدهشني لمّا قرأتُ المقدمة الأولى من كتاب " الملل والنحل" للإمام أبي الفتح الشهرستاني"المُتوفى سنة 548 ه:
"
في بيان تقسيم أهل العالم جملة مرسلة.
 
ومنهم من قسّم أهل العالم بحسب الأمم (بعد بحسب الأقاليم، والأقطار الأربعة وبحسب الآراء والمذاهب) فقال كبار الأمم الأربعة : العرب والعجم والروم والهند، فذكر أن ( العرب والهند) يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير خاواص الأشياء والحُكْم بأحكام الماهيات والحقائق واستعمال الأمور الروحانية.و( الروم والعجم) يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء والحكم بأحكام الكيفيات والكميات، واستعمال الأمور الجسمانية."
صحّحه وعلّق عليه أحمد فهمي محمد.دار الكتب العلمية. بيروت.ط 2.1992.ص 4



في ذات السياق تحدث ابن رشد عن " فطر" الناس . يقول في فصل المقال ص 19..

"والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر والباطن، هو اختلاف فطر الناس وتباين مزائجهم في التصديق... وأما الأشياء التي لخفائها لا تعلم إلا بالبرهان، فقد تلطف الله فيها لعباده اللذين لا سبيل لهم إلى البرهان‘إما من قبل فطرهم، وإما من قبل عاداتهم...."

السؤال،هل هذا التقسيم للحضارات وللناس، بحسب ما رواه الشهرساني وابن رشد ، بلغة العصر، القائم على الطبيعة وليس الثقافة ، أي من حيث الاختلاف في الطبيعة وليس في الدرجة، هو خاصية بشرية ثابتة تقسم الأمم بحسب الأمور الروحانية والأمور الجسمانية؟ لكن ماذا عن الصين واليابان وأشقاهما في الجنس؟

في مقال له بمجلة الطريق اللبنانية، استغرب حسين مروة من تقسيم ابن رشد للناس يحسب الفطرة في فهمهم للنص القرآني، وتساءل كيف لهاته الهفوة أن تنفلت من المنحى العقلاني لابن رشد .

ذات مرة سألني تلميذ أثناء تحليل إشكال الطبيعة والثقافة ، عن تفسير لماذا الأمم المتواجدة في نصف الكرة الشمالية متقدمة، بينما الأمم في جنوب الكرة الأرضية متأخرون ؟ فهل للتموقع الجغرافي علاقة بالتقدم والتأخر؟ وأضاف ،حتى الذين هاجروا من الجنوب إلى الشمال لم يتخلصوا من عاداتهم الجنوبية لما استوطنوا الشمال؟

ونقلت هذا الإشكال المحرج إلى مائدة مستديرة، ولم يخرج المتعلمون بتوافق حول معايير التقدم والتأخر.




شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: