المدرس بين دور المثقف والسياسي،وإشكالية الحياد.

التصنيف

 

المدرس بين دور المثقف والسياسي

وإشكالية " الحياد"





هل يٌسمح للمدرس أن يدمج موقفه السياسي والإيديولوجي مع الإعتبارات البيداغوجية والديداكتيكية في التدريس، ويتحول إلى داعية أو مثقف عضوي يتشابك مع البرنامج التعليمي( كان ذاك المدرس مٌحافظا أو تقدميا ) ويٌشرك المتعلمين ويتشابك معهم ويُزعجهم بفضح المنظومة التعليمية وتعرية أسباب تدهورها ( تكفيرا أو انتقادا)؟ أم يتم تقويم الفعل التدريسي وفق معايير بيداغوجية وديداكتيكية وأخرى معرفية وسلوكية بمرجعية منهاج الفلسفة؟
ما يهمني في إطار هاته القضية ،موقف مدرس مادة الفلسفة من العملية التعليمية، على اعتبار أن البرنامج الفلسفي نفسه ينفتح على إشكالات سياسية وأخرى عقائدية ( ضمن إشكالات الفكر الإسلامي) السؤال هل يكتفي بمقاربتها وفق الأطر المرجعية الرسمية أم يسمح لنفسه بتوظيف مواقفه السياسية الشخصية في مقاربة تلك القضايا والإشكالات ، مستغلا الهوامش المسموح له بها وفق تصدير عدد من الكتب المدرسية وبطريقة غير مباشرة في الأطر المرجعية؟وبالتالي إمكانية انتقاد المنظومة التعليمية والذي قد تصل شرارته المنظومة السياسية للطبقة الحاكمة، معتبرا الحياد موقفا رجعيا أو ضلالا بحسب خلفية المدرس؟ للتاريخ أشهد أن زميلا لي بثانوية سد بين الويدان كان يرفض تدريس نصوص كل نيتشه وسارتر المقررة في الكتب المدرسية بحجة أنهما ملحدين؟؟؟؟ كما أن عددا من المدرسين رفضوا تدريس نصوص ابن تيمية ضمن موضوعة البيان ،بدعوى أن ابن تيمية تكفيري وإرهابي، مع أن نصوصه المقررة ذات طبيعة معرفية ولا علاقة لها بفتاويه.
مثلا قد تسمح مجزوءة السياسة والتاريخ للمدرس الذي يعتبر نفسه مثقفا عضويا بجلد النظام السياسي المغربي من خلال نصوص ماركس وميرلوبونتي وابن خلدون والعروي وعيرهم.




النصوص القابلة للإنزياح السياسي السياسوي في كتاب التلميذ " في رحاب الفلسفة":

1ـ ميلوبونتي ( منطق التاريخ, ص 50)

يقول في إطار ردّه على هيغل وماركس " أما عرضية التاريخ فتعني أنه رغم كون مختلف مستويات الأحداث تشكل نصا واحدا معقولا... إن النسق ليس مغلقا بصفة نهائية،إذ يبقى هناك فراع ما.فيمكن للإقتصاد مثلا أن يكون متقدما على النمو الإيديولوجي، أو يمكن للنضج الإيديولوجي أن يحدث فجأة دون أن تتهيأ الشروط الموضوعية،أو عندما لا تكون الشروط مساعدة على الثورة، كما تعني عرضية التاريخ أن جدليته يمكن أن تنحرف عن الأهداف التي اختارتها بنفسها ، فلا تحل المشاكل التي طرحتها..."

2ت عبد الله العروي. الشرعية والإجماع ص 136

يقول " إننا نتساءل هل الدولة القائمة حاليا تٌعبّر عن نشأة مجتمع سياسي أم لا ؟...إرثنا هو إرث الدولة السلطانية...كانت السلطة دولة القهر والسطو والاستغلال...كانت الدولة معزولة كليا ومرفوضة ذهنيا، حيث كان الجميع ينتظر بزوغ الخلافة أي الدولة الفضلى. فالإرث إذن هو الفصل بين القيمة والأخلاق من جهة وبين الواقع والدولة القهرية من جهة ثانية..)

3ت إبن خلدون . السياسة اعتدال .ص 134

يقول " ...يعود حسن المَلكة  إلى الرفق، فإن المٌلْك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، مٌنقّبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهمْ، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخذيعة ، فتخلقوا بها وفسدت بصائرهم،وأخلاقهم وربما خذلوه غي مواطن الحرب والمدافعات ففسدت الحماية بفساد النيات.)

هذه نماذج من مواقف يسهل استغلالها في إطار السياسة الحزبية أو الشخصية، دفاعا أو رفضا، وليس في إطار سياقها الفلسفي ضمن إشكالات الفلسفة السياسية التي لا علاقة لها بالسياسة بخلفية حزبية سياسوية.

ومن المفارقات المسكوت عنها، أنك تجد مدرسا مثقفا عضويا ناشطا في الفضاء العمومي والتأليف الفلسفي، لكنه كمدرس يفتقر إلى ثقافة وممارسة بيداغوجية وديداكتيكية ومعرفية اجتهادية ليست نقلية عنعنية، وعلاقاته متوثر مع المتعلمين، في المقابل تجد مدرسا كفأ معرفيا وبيداغوجيا وديداكتيكيا داخل حوزته الفصلية لكنه بارد سياسيا وغير مهتم بما يٌحاك للمجتمع سواء من ما يعتبرهم البعض وحوش اللبيراليين الداخليين والبرّانيين الغربيين، وغير مهتم بقاموس الرأسمالية المتوحشة والفساد والرجعية والتقدمية والتخلف والتبعية والصراع الطبقي، تجده مداوما لمختلف المقاهي، وهذا ما سماه محمد عابد الجابري "بالمعلم المستقيل" ...لكن هناك من المدرسين من يملك القدرة البيداغوجية والسياسية عند الطرفين لكنه يعرف كيف يفصل بينهما ويحترم الواجب المكلف به، لا هو عبد للأطر المرجعية ولا هو طبّال للسياسوية.

أقول رفقا بالمدرسين والمدرسات، قد يكونوا أكفاء في ما يدرسونه وفق مقتضيات وإكراهات المؤسسة، لكن مثقفون ومناضلون في الفضاء العمومي، وفي اعتقادي لا يجب الخلط بين المجالين، وتحميل المدرسين أكثر مما يتحملون.

وأخيرا هل المدرس مطالب بتغيير المجتمع من " قلعة الفصل الدراسي" أم مطالب بالإرتقاء بتفكير المتعلمين وهم لديهم الحرية في إعمال العقل في الموضوعات، كما للمدرس خارج المؤسسة التعليمية حرية  الانتماء الحزبي والنقابي والجمعوي ومن خلالهم يحق لهم النضال بما يروه خيرا للشعب...

وأخيرا، كيف نفسر ظاهرة نمو " البودكاست" الرقمي، والذي يشمل عدة مجالات موضوعاتية، سياسية وفنية واقتصادية وفكرية بما فيها الفلسفة ومختلف العلوم الإنسانية، وأيضا بودكاسات أشبه بروتيني يومي ،،،،،،بحيث اصبحنا أمام سوق بودكاستية ،تحاول أن تكون بديلا للندوات المخملية والمحاضصرات الأكاديمية، بالإنفتاح على فعاليات من مختلف المشارب من المحافظين والمطبلين إلى الأكثر ثورية بما فيهم بعض المعتقلين السياسيين، دون الحديث عن بودكاسات كل من هب وذب لسهولة إنشاء حوزة بودكاستسة،لكن بودكاسات التنويريين  قد تكون بديلا ومتنفسا لبعض المثقفين  المغضوب عليهم بسبب مواقفهم السياسية، الأمر الذي يسمح أيضا  للمدرسين الغاضبين على المنظومة التعليمية أن يتفسوا هواء الحرية التي لا تسمح بها المقررات الدراسية، وما يهمني هو الإشكال التالي، ما آفاق ظاهرة البودكاست في تغيرر طريقة تفكير المتابعين لها، وهل يمكن الرهان على إحداث تغيير حقيقي في العقليات؟ مقارنة مع بودكسات التفاهة على المستوى الكمي والنوعي؟ إذا كانت التجربة التدريسية لا تسمح بهوامش من الحرية مع تدني المستوى التعليمي للمتعلمين، فهل سيعوض البودكاست ما حُرّم على بعض المدرسين المناضلين ما افتقدوه في التجربة التدريسية؟ لكن بالمقابل، أليست المنتديات والمدونات الشخصية وصفحات الفايسبوك قادرة أيضا على تعويض أو تكميل ما افتقده من له لهم رغبة من المدرسين في التغلب على إكراهات المنظومة التعليمية؟ لكن التجربة بينت أن بودكسات التفاهة تتغلب على بودكسات ومختلف المواقع التنويرية التي تظل نقطة في بحر.


 


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: