من بعض تجاربي مع الدرس الفلسفي. الحلقة 2
ولا أُلزم بها أحدا.
لحظة إنجاز درس فلسفي، وبالضبط لحظة تحضير كلي لمجزوءة معينة، تتقاطع في ذهني مجموعة من المفارقات والإشكالات حول ما الغاية من تدريس الفلسفة لمراهقين مُرهقين أصلا، بسبب طبيعة هذه المرحلة العُمرية،والتي تعتبر مرحلة انتقالية على المستويين العقلي والوجداني؟ في هذه اللحظة ينتصب أمامي مطلوبات المنهاج الفلسفي بخلفياتها البيداغوجية والديداكتيكية، ومطلب الوفاء للتفكير الفلسفي لحظة إخضاعه للتحويل الديداكتيكي.السؤال ،هل يمكن التوفيق بين المطلبين؟ لكن كيف يتم التحويل الديداكتيكي للتفكير الفلسفي؟ لقد تحاشيتُ الحديث عن الفلسفة بصيغة المفرد، لأن هناك فلسفات بل ونزاع بين الفلاسفة أنفسهم حول ماهذا الذي نسميه فلسفة؟ لهذا تنتصب أمامي كل ملخصات قراءاتي الشخصية لبعض متون الفلاسفة وشراح ومؤرخي الفلسفة،وأتساءل فيما تفيدني لحظة الجمع بين المنهاج و الالتزام بمقتضيات التفكير الفلسفي وأنا بصدد تفسير نص فلسفي كان من كتاب التلميذ أو من اختياري.وتتزاحم في ذهني واقعة الاختلافات حول الهدف من تدريس الفلسفة كمادة دراسية، وأعلم أن هذا الاصطلاح"مادة" يتعرض للنقد بسبب طابعه المؤسسي،طابع يظهر أنه لا يهتم بالتفكير الفلسفي بقدر ما يهتم بتوظيف هذا التفكير كوسيلة لتحقيق غايات وأهداف كما ورد في ديباجة التوجيهات التربوية 2007. وبالفل تدريس مادة الفلسفة لا يهدف إلى تخريج "فلاسفة"وحتى هذا الهدف غير مطروح في المرحلة الجامعية وما بعدها ،إذ نجد أن جميع الدكاترة يلجأون إلى التدريس كأولوية،أما البحث الفلسفي فهو يتم بخلفية إدارية من أجل الترقي في الوظيفة،وكما يعلم الجميع من غير المعقول دكتور لا يؤلف ولا يكتب مقالات بحثية وعلمية.هذا الوضع غير مطروح في تعليم الفلسفة في الثانوي التأهيلي. وهنا يحضرني الموقف البراغماتي الذي يشكك في ممارسة الفلسفة لذاتها. يقول روتي" لدى البرجماتيين التفكير في الحقيقة لا يؤدي إلى قول أشياء حقيقية،والتفكير في الخير لا يسمح بالقيام بسلوك خيّر،والتفكير في العقلانية لا يسمح للمرء بأن يكون عقلانيا".هذا الموقف يربكني لحظة التحضير الكلي وأنا أفكر في الطرف الآخر الذي يتحدث عن كون الفلسفة فنا للعيش،وأن في الامكان العيش بالفلسفة ...وأتساءل هذا كيف يتم هذا العيش،هل على المستوى العقلي التجريدي،أم على المستوى الحياتي المعيشي؟ ونا المقصود بالمعيشفي الواقع والفكر؟وحتى لا أسقط فيما قاله "بغاوي"حول الاخلاق عند كانط"للكانطية يدان نقيتان ولكن ليس لها يدان" بمعنى الفصل بين الفلسفة والحياة والعيش،دون أن تكون مفهمتها والتفكير فيهما ، ومكوثهما في سماء المعقولات والمثل الافلاطونية بسبب تعطيل عودة الفكر إلى معانقة الحياة بأفق فكري أرحب من المألوف .
في لحظة الإرباك هاته،أحاول الدخول إلى عقول تلامذتي لأفهم كيف يتمثلون مختلف لحظات الدرس الفلسفي، وما المطلوب لكي يتفاعلوا معي، حتى نكون جميعا ضيوفا محترمين على سيدتي الفلسفة،ومن دون نشاز أو تزييف ،بمعنى وضع الديداكتيك والتفكير الفلسفي كل في مكانه من دون افتراء او تعسف .
هنا تظهر أهمية الأسئلة البيداغوجية (الصفًية) في تمكين التلاميذ من ولوج الفضاء الفلسفي لنسلم المشعل للأسئلة الفلسفية،عندها تبدأ رحلتي المعقدة بين دروب التحضير الكلي ،بل ومعاناتي مع التمييز بين الوسائل البيداغوحية ومتطلبات التفكير الفلسفي.على أن الهدف الرئيسي هو الاخلاص للروح الفلسفية وسؤال لماذا التفلسف، ومميزات التفكير الفلسفي..وطبعا تعليم هذه المميزات لا يمكن للوسائل الديداكتيكية ابتلاعها.
وتستمر الرحلة مع مقتضيات الدرس الفلسفي في القادم من المقالات.
0 التعليقات:
more_vert