كتب منسية. (التطور اللامُتكافئ.سمير أمين)

التصنيف
التصنيف




كتب منسية. (التطور اللامُتكافئ.سمير أمين)

(لاحركة ثورية من دون نظرية ثورية)

كتب محمد عابد الجابري في جريدة مغربية ما مفاده أن تطور النظام الرأسمالي في اتجاه المزيد من التغوّل والوحشية المتجسّدة في التفقير والاستغلال لكل مُقدرات الشعوب، بما فيها التي تستوطن بها المؤسسات الرأسمالية ورؤوس الأموال رأس حربة الرأسمالية الإمبريالية...يستدعي بالضرورة مُقاومة هذا المدّ الأخطبوطي للرأسمالية بمختلف أشكالها الناهبة لثروات الغير.ولن يوجد كبيدل غير الماركسية التي لازالت النظرية الأقوى في إمكانية التصدي للرأسماليةوفضح مُرتكزاتها،بالرغم من ضرورة تطوير النظرية الماركسية وتحيينها من دون حساسيات إيديولوجية تضع الماركسية في خانة الشركما يفعل خصومها من مختلف قبائل " اليمين" الدنيوي والديني!!!!.ومن يدعي غير ذلك يُقدّم لنا غير النظرية الماركسية/ اللينينة تحديدا في فضح وتعرية كل الأليات الاستغلالية التي تنهجها الرأسمالية.وبالتالي من المفروض انبثاق نقيض يتصدى للآفة الرأسمالية ومن خلال قوى إنتاج تكتسب الوعي الطبقي الضروري من أجل بلورته في موقف عملي يتصدى لكل الترسانة الرأسمالية بكل مختلف أشكال تجلّيها الجهنّمية.يجب تحليل الأزمة من جنس أسبابها ومن جنس البدائل التي يتم اقتراحها.وكتاب" التطور اللامتكافئ "جدير بالقراءة في هذا الإطار.
ومن بين أدوات اكتساب وعي مُقاوم للرأسمالية، الاجتهادات التي عملت على إنتاج نظريات حول طبيعة اشتغال الرأسمالية في أفق مواجهتها والقضاء عليهاأو على الأقل الحدّ من مضارّها. هاته النظريات انبثقت من داخل موطن الرأسمالية (المركز) ومن خارجها (المحيط).نقدم كتاب المفكر سمير أمين " التطور اللامتكافئ" والذي أعتقد أنه أحد المرجعيات التي من شأنها أن تعيد بناء فهمنا لخطورة انتشار تغوّل الرأسمالية في جميع بقاع المعمور، وها هي اليوم تأكل أبناء جلدتها من خلال افتعال أزمات في أروبا وأمريكا وبقية العالم الثالث من خلال التأزيم السياسي والاقتصادي.فالغول الرأسمالي لا يُفرّق في استغلاله بين المركز والمحيط، ومن ثمة لا أخلاق له سوى تكديس الثروات  على حساب القوت اليومي لكل كادحي العالم، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وقد تطال شرارة الرأسمالية الطبقة الوسطى ، وهذا بالفعل حاصل في كل بىد المعمور بسبب إملاءات المؤسسات الرأسمالية كما سنرى من تجربة المغرب لاحقا.
قد يعترض البعض على هذا المطلب من ناحيتين مردود عليهما كما سنرى.
الأول،أن النظرية الماركسية ماتت وولّت بسقوط الاتحاد السوفياتي.
الثاني،عولمة اقتصاد السوق لم تعد تنفع معه مفاهيم من قبيل " المركز والمحيط".ولكل مرحلة مفاهيمها.
أقول بخصوص الاعتراض الأول، أن الأمر يتعلق بالماركسية النظرية في شقها الاقتصادي (الافتصاد السياسي تحديدا، وليس بتجربة سياسية لا علاقة سببية لها بمدى مصداقية النظرية أو فشلها) وهي نظرية تندرج ضمن إطار فكري يروم فهم الظاهرة الرأسمالية.وللإنصاف الماركسية ساهمت بكل موضوعية في تعرية أوهام الرأسمالية والكشف عن مختلف مخاطرها.وهذا لازالت له راهنيته، لأن الفكر لا يموت كما تموت النظريات العلمية.فلازلنا نستحضر أفكار أفلاطون وأرسطو وديكارت وهيغل وكانط ...والكندي والفارابي وابن رشد ..وأدام سميث وريكاردو..إن تاريخ الفكر يتمحور حول الصراع من أجل السيادة والهيمنة، مما يني أن الفكر " عدو" لا يُقهر.قد ينسحب من الميدان، ولكنه يظل يتحيّن الفرص بعد أن يُجدّد ذاته ليبزغ من جديد حاملا زخما من البدائل الممكنة.لم يحدث في تاريخ الفكر أن خطّأ مفكر مُفكّر آخر وقضى عليه نهائيا كما تقضي نظرية علمية على أخر .صدق باشلار حين قال "إن تاريخ العلم هو تاريخ الأخطاء"، لطن في تاريخ الفلسفة وعالم الأفكار يتحدد وجودها من خلال مدى هيمنتها مرحليا...
الموقف الثاني، المتعلق بالعولمة، له جانب أيجابي وآخر سلبي.الأول يكمن في معقولية الثثاقف بين الحضارت، وتبادل المكاسب من أجل تقدم البشرية، من هنا أثيرت إشكالية (الخصوصية والكونية) لكن الشق الثاني ، وهنا تكمن الخطورة ،بحيث أن سموم الرأسمالية تم تصديرها تحت يافطات الحداثة والعلمانية والديمقراطية باعتبارها قيما كونية ومن ثمة تصدير كل القيم الرأسمالية تحت غطاء العديد من المفاهيم.وهذا موضوع معقد ليس في مرمى نقاشي.وللإنصاف وجب التمييز بين الغرب المُغاير Occident différent، والغرب الإمبريالي بتعبير عبد الكبير الخطيبي.والغرب الأول صديق لكل الكادحين في المحيط.لكن الغرب الإمبريالي يستغل كل الإمكانات لفرض هيمنته وإن بمفاهيم قد تبدو لنا مقبولة....
ما أود مناقشته هو أن ما يروج من خطابات فلسفية وسياسية واجتماعية حول الوضع العربي خصوصا، هي بعيدة كل البعد عن جوهر الإشكال الذي يسبب معاناتنا الاقتصادية والاجتماعيةـ والمتمثل في تغوّل الرأسمالية. ومن المنطقي أن يتم التصدي لها بما يناسبها من تحاليل وترسانة من المفاهيم وخارطة منهجية تفضح حقيقة ما نتعرض له، لكن مع الأسف  وقع الكثير من نخبنا ضحية استلاب متعدد التجليات،تحت ذرائع الحداثة والعلمانية والديمقراطية، وهي مطالب لها ما لها وعليها ما عليها لو تم التفكير فيها من خلال وضعها في سياقها، ومن بين سياقاتها الحذر من الظاهر الحداثي والباطن الرأسمالي.
كتاب " التطور اللامتكافئ " لسمير أمين يقدم لنا بعضا من أدوات منهجية وجملة مفاهيم نعي من خلالها بعمق الأزمة التي نتعرض لها في المغرب، وكل الإصلاحات المزعومة هي إعلان حرب من قبل المؤسسات الرأسمالية المعروفة.أخاف أننا أخطأنا العنوان، وتُهنا في تفاصيل خادعة، من شأنها أن تُبقي الرأسمالية في مأمن من النقد والتصدي لها فعليا في الواقع، تفاصيل تتهم هذا الشخص أو ذاك، بينما هم مجرد أدوات لتنفيذ الأجندات الرأسمالية بلاعبين محليين، هم في الواجهة، من قبيل إصلاح صندوق المقاصة، وأنظمة التقاعد، وتخفيظ كثلة الأجور بالتخلص من عدد من الخدمات العمومية(الصحة والتعليم..)....هذه كلها إجراءات إملائية من مراكز القرار الرأسمالي، وهي المعنية بالتصدي لها بالوعي بمصدرها الحقيقي.فهل نحن في الموعد أم أننا لازلنا تائهين في تفاصيل ليس من شأنها سوى إغراقنا في معاناتنا، وكأنا نحارب طواحين الريح، واسألو " الدون كيشوط"،وإلا سيقع لنا ما وقع ل" في انتظار غودو" مسرحية صامويل بيكيت.أو إقرأوا رائعة معروف الرصافي" ناموا، ما فاز إلا النوّم."


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: