جدلية السيد الرقمي والعبد الإنساني.

التصنيف



جدلية السيد الرقمي والعبد الإنساني.
  


     من بين كل الوسائط الرقمية انتصر الهاتف النقال على جلها وأصبح عضوا بيولوجيا اصطناعيا يلازم الشخص كملازمة الدماغ للإنسان في حلّه وترحاله. وسيط تمت دمقرطته بين كل الفئات الاجتماعية من دون تمييز ، بحيث أصبح أي كان الحق في  امتلاك هاتف نقال مع استثناءت لا تشكل ظاهرة.

   سؤالي، ما موقف الفلسفة من هذا الصندوق العجيب الذي سحر وسلب واستلب كل مستعمليه، بحيث أضحى بطل الفضاء العمومي والخصوصي وحتى الحميمي...بحيث من النادر أن تجد في نفس المنزل من لا يستعمل هاتفه النقال وغير مبال ببقية أفراد الأسرة ومنزو في عالمه الافتراضي الخاص، ولكل منهم اهتمامات خاصة يبحث عن موضوعاتها في ما يتيحه هذا الصندوق العجيب.
     أغلب إن لم نقل كل مدرسي الفلسفة في الثانوى التأهيلي والجامعي هم أيضا لم ينفلتوا من الاستلاب التقني لهذا الصندوق الأندروييدي العجيب،حتى قاعات الاساتذة غزاها الهاتف النقال والتي كانت فضاء للنقاش والتواصل .ومن هو مستلب لا يمكنه أن يفكر في إشكال الهاتف النقال ، ومن ثمة ،من يمكنه من المفكرين أن يفكر فلسفيا في هذه الظاهرة التي عزلت الأشخاص وقوّضت كل أشكال التواصل في الفضاء العمومي؟ويروج أن مفكرا ومدرسا جامعيا معروف بكتاباته عن الحداثة ( م.س ) أنه امتنع عن حمل واستعمال الهاتف النقال، وبرر ذلك بأنه فضّل أن يكون متحررا من هذا الصندوق الندروييدي  ويمارس حريته بيقظة وانتباه والتعامل مع الاحداث بالمعاينة الواقعية...فالانشغال بالهاتف النقال يُفوّت على الشخص الكثير من الأحداث اليومية، وتبيّن بالتجربة أنه في جلّ دول العالم  يستعمل الهاتف النقال لغاينين أساسيتين وبشكل متخضم ومبالغ فيه في الدول المتأخرة مقارنة مع الدول المتقدمة  : السيلفي، وتصوير مختلف الفضائح والجرائم وكل أشكال العنف في الفضاء العمومي.
  ما يثير الاستغراب هو تطفل الهاتف النقال على الوجود الحميمي للأزواج سواء في غرفة مشاهدة التفاز أو الصالون وهذا هو الغريب في بيت النوم!!!!!!!!، بحيث لا يتم استدعاء النوم إلا باستعمال الهاتف النقال، وربما حتى أثناء ممارسة العلاقات الحميمية كما يروج بعض الكاريكاتوررين إما حقيقة أو سخربة. وأتخيل أن فرويد سيفترض أن الصندوق العجيب سيعوض الفتور الاجتماعي والجنسي بين الأزواج كبديل لكل أنواع الإحباطات .

و ربما يتغير الكوجيتو الديكارتي ليصبح "أنا بمعية هاتفي أنا موجود" ومن دونه أنا لاشيء.
وربما سيفترض " كانط" أن الصندوق العجيب سيعطل وظيفتي ملكة الحساسية والفهم بحيث خلال عوض الهاتف النقال مقولات العقل الخالص، والتي بواسطتها تحُوّل أشياء العالم إلى مدركات حسية ثم إلى مدركات عقلية.لكن الهاتف يقدم معرفة جاهزة ومعطاة، بحيث عوض العقل الغوغولي العقل الخالص، وعوضت  ملكة الفايسبوك والتويتر ملكة الفهم، وعوض العقل اليوتوبي والواتساب ملكة الحساسية.لتكتمل كل أركان العبودية واستقالة العقل الذي طمح كانط إلى الإعلاء من شأن استعماله للتحرر ونشدان الحرية.

المهم نحن بصدد عبودية تحول فيها السيد الإنساني إلى سيد رقمي، والسؤال هل مِنْ " هيجل " جديد يفك لنا لغز " جدلية السيد الرقمي و العبد الإنساني؟"

نعم لهذا الصندوق الأندروييدي  إيجابيات لا ينكرها إلا جاحد، كما له سلبيات ، والقصد من مقالي  الوعي بالسلبيات وتطوير الإيجابيات حتى لايفقد الإنسان إنسانية وهي تتشيأ كلما تقدمت تقنية الهاتف النقال....

شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: