إلى الداعين إلى فلسفة تطبيقية تنفتح على الفضاء العمومي.

التصنيف




إلى الداعين إلى فلسفة تطبيقية تنفتح على الفضاء العمومي.


مُحاولة تروم مُساءلة طبيعة العلاقة بين الفلسفة وواقعها في مختلف الوسائط.
-هل للكتابة الفلسفية في مواقع التواصل الاجتماعي نفس رهان الكتابة في التأليف الفلسفي الأكاديمي ؟
-ما الفرق بين الفلسفة الصورية التأملية والفلسفة برهان الفعل والتطبيق؟
- مساءلة العلاقة والمغايرة بين السياسي والفيلسوف؟
- هل مطلب الحاجة إلى الفلسفة مطلب فكري أم أيضا سياسي؟
- هل حضور الفلسفة في المدرسة كاف لإشاعة التفكير الفلسفي؟ ما هي ألايات خروجها من أسوار المدرسة واللقاءات النخبوية إلى الحياة اليومية؟-وكيف نفسر غياب المفكرين في مجال الفلسفة من الفضاء العمومي بكل أمكنته المفتوحة وليس فقط فضاء الندوات النخبوية المغلقة؟
- ما حجم وأهمية دور مدرسي مادة الفلسفة في الإشعاع الفلسفي داخل المدرسة وخارجها؟
-هل من الفلسفي الحرص على تشكيل اللسان على طريقة مدرسة البديع في الادب ليقول المتلقي هذا خطاب بلسان فلسفي؟ لا احد يجادل في أن التفكير الفلسفي يشتغل على اللغة الطبيعية شكلا ومضمونا،لكن السؤال ما الهدف من إعطاء الاهمية للشكل حتى يظهر المضمون عصيا على الفهم؟هل الغموض والتعقيد الموغل في التجريد والتامل المتعالي، والشكلانية التي تهتم بالزخرف المفاهيمي، صفة ملازمة لفكر المفكر الفلسفي بحجة العلاقة الوجودية بين الفكر واللسان كما يقول دي سوسير،وأن ما يظهر غموضا في اللسان هو عتبات عالية من التفكير والتأمل تقتضي بالتساوق تشيكيلا لسانيا يتطابق مع عتبات الفكر التأملية المتعالية،أم لا تعدو أن تكون القضية "تصنعا" مقصودا لغايات ذاتية هي أشبه بلعبة تتغذى على الرغبة الذاتية في التميز بتجاوز البساطة والتسطيح ؟هذه الظاهرة عرفها أيضا الشعر والرواية والفن التشكيلي كما الفلسفة ،بحيث قد يصل تأمل الموضوعات بلسان مخالف للمألوف إلى درجة شبيهة بما  قاله أعرابي حين سماعه حديث النحاة "إنكم تتكلمون في كلامنا بكلام ليس من كلامنا."
   هل أنا بصدد المصادرة على الحق في التعبير والتفتيش في نوايا الكُتّاب في مجال الفلسفة؟أبدا،ما أروم لفت النظر إليه هو غياب تقييم ما ينشر من المقالات الفلسفية شكلا ومضونا.والفلاسفة أنفسهم تميزوا بالصفتين في كتاباتهم.فلغة رسائل ديكارت إلى الاميرة إليزابيت ليست هي اللغة التي كتب بها مؤلفه تاملات ميتافيزيقية وهو يخاطب عمداء وعلماء الكلية اللاهوتية في باريز، وحين كان ديكارت يرغب في مخاطبة الخاصة كان يطتب باللسان اللاتيني.وكذلك كانط في طريقة شكل ومضمون مؤلفه نقد العقل الخالص(إلى درجة أن أحد أصدقائه من المفكرين امتنع عن متابعة قراءة الكتاب حتى لا يُجن بسبب غموض الكتاب!!) وليس هو شكل ومضمون " مشروع السلام الدائم" وموضوعه قريب من اهتمامات المواطنين بخصوص التدبير السياسي للدولة ......لهذا أتساءل، هل طريقة الكتابة الفلسفية في مواقع التواصل الاجتماعي هي ذاتها في المؤلفات الورقية والاكاديمية؟ إن كان الكاتب يعبر عن نفسه وهو حر، لكن ما موقف المتلقين من الأصدقاء وعموم الناس المختلفة مداركهم واهتماماتهم ويصادفون مختلف المقالات الفلسفية خاصة الحريصة على التجريد وغلق مناقذ التواصل،قد يعترض البعض من خلال حجة أن الكاتب حر ولا يكتب تحت الطلب أو وفق مقاس الغير، ولا يجب فرض الوصاية على ما يكتبه،لكن هل من الممكن تعميم الفكر الفلسفي من خلال تحفيز المتلقين من عموم الناس وغير المتخصصين وأصدقاء الفلسفة، عبر مدخل وسط لا هو بالتجريد المبالغ فيه، ولا هو بالتسطيح والتبسيط  المخل بمميزات الخطاب الفلسفي .
    إنه إشكال التبليغ وبأية أهدف.لا أحد من المفكرين في مجال الفلسفة لا يطمح إلى تعميم الفلسفة وجعلها جزء من الحياة اليومية، لكن كيف وخاصة في مجتمع ترتفع فيه نسية الأمية وتراجع منسوب القراء، في حين خصوم الفلسفة والتنوير يتقربون للناس - بمنطق دعوي إرشادي-وبخطابات شعبوية بسيطة، في المساجد والأسواق عبر الكاسيت، وحفل العقيقية والزفاف والعزاء، وفي الجلسات اليومية مع الناس في الشارع والمقاهي، زد على ذلك مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف القنوات الفضائية ...وكُتابنا في الفلسفة غير آبهين بالتفكير في ما هي القنوات الممكنة للتواصل فلسفيا مع عموم الناس ومختلف النخب؟ لا أوجه الخطاب إلى من يعتبر الفلسفة فنا تأمليا خالصا متعاليا على التجربة الحسية وهموم الحياة اليومية ....!!!!

هؤلاء لهم عالمهم الخاص ، بل أوجه الخطاب إلى الداعين إلى تعميم التفكير الفلسفي، لكن مع الأسف لم يسبق لي أن اطلعتُ على خطة طريق ملموسة وقابلة للتنفيذ.ما هو كائن، كل كاتب فلسفي فتح دكانا في مواقع التواصل الاجتماعي، ويكتب ويتأمل بكل حرية، وهذا حقه، لكن ماذا لو ناقشنا فتح هذه الدكاكين الفلسفة للتوعية الفلسفية من غير أنانية فلسفية ذاتية، والفلسفة حق كوني، لكن ليس بشروط ذاتية تتنكر لكون الفلسفة تبقى محبة للحكمة وليس امتلاكا لها، ولا بأس في طريق محبة الحكمة أن يرافق المتفلسفة عموم الناس، ومطلوب منهم كما قال هيدحر في معرض حديثه عن الدرس الفلسفي أن "تتواقف الرغبة في الفلسفة مع موضوعات فلسفية"... ليسافر الفيلسوف والآخرون في نفس الطريق، أليست الفلسفة هي المضي في الطريق؟ هل من معنى أن يسير الفيلسوف لوحده في الطريق؟  الأمر الذي يتطلب نهج الفلاسفة أنفسهم في تعاملهم مع مختلف الموضوعات كم ذكرتُ سابقا، وتخصيص حيز داخل الدكان الفلسفي لبعض من هموم الناس ليس جريمة في حق جلالة الفلسفة، بل تشريف لها إن كانت تروم التنوير وعموم الناس هم الأحق بالحاجة إلى الفلسفة وليس النخبة، لكن ليس بالطريقة التي تُطرح بها الفلسفة.وهذا مجرد رأي قابل للنقاش ، ينبش في الصيغ الممكنة لتعميم الفلسفة، ولنا في تجربة سقراط، وجل الفلاسفة المعاصرين الذين نشروا الفلسفة خارج أسوار الجامعات بل نزلوا إلى الشوارع ليشاركوا الناس همومهم وباللغة التي يفهمونها.وهذه ليست "شعبوية فلسفية "أو تسويق للفلسفة كما المنتوجات الاستهلاكية، لكن ليس برهان التسليع بل برهان التنوير وتدريب الناس على النقاش الحر ومساءلة ونقد بعضا مما يعتقدونه ليجددوا وجودهم مع الراهن الذي يتمرحل نوعيا ويطرح في الطريق مستجدات وإشكالات من حق عموم الناس مساءلتها فلسفيا كما يسائلونها من مرجعيات مختلفة، أضيف على مفكرينا والباحثين في مجال الفلسفة، أن يوظفوا الثورة الرقمية في التواصل مع الناس فلسفيا وإنسانيا وفي مختلف المواقع.أما أن يكتبوا لأنفسهم ويشبعوا رغبتهم الذاتية في التشكيل الفلسفي التأملي،فهذا حقهم، ولهذا النوع من الكتابة قراء ومتلقين يتجاوبون ويتفاعلون يإيجابية ... وهذا أحد جوانب الإبداع الفلسفي ويجب تطويره، لكن أيضا إلى جانب تعميم روح الفلسفة لعموم الناس، وخاصة الأطفال وهذا موضوع مطروح للنقاش، وكما قال المفكر الفرنسي " André Comte-Sponville" شيء أحسن من لاشيء. وإلا ما أهمية مطلب الحاجة إلى الفلسفة إن اقتصرت على النخب فقط؟يقول عبد العزيز بومسهولي في كتابه "الفلسفة والحراك العربي، تجارب فلسفية جديدة في العالم العربي ص 219 :"التفلسف ليس مجرد - فعل اعتباطي- يقتضي استحضار الفلسفة كماهية صورية، من أجل إثبات براعتها في حيازة المفاهيم والأفكار، بل هو اقتدار على تحيين المفاهيم والأفكار في حياتنا، هو استنبات لكيفية مغايرة تغدو فيه المفاهيم مستوطنة لكينونتنا قيد التشكل."
    لكن السؤال، ما الفرق بين جعل حدث اجتماعي قضية فلسفية للتأمل، وبين المساهمة في تنوير الناس بما أحدثوه من تغيير في الواقع وعبر أية وسائط تربط الصلة بين الفكر والحياة اليومية.؟ وهل المدرسة المدخل الممكن لتعميم التفلسف ؟
وكيف نجعل من المُرافقة الفلسفية لنبض الشارع وتطلعات الناس حقيقية واقعية تتغاير مع السياسي والاقتصادي والمناضل الجمعوي ولكنها وإن انفصلت المقاربة فهي تتصل معهم في الرهان حين يكون المجتمع وفاعليه ومواطنيه موضوعا للتغيير والارتقاء نحو الأفضل. كتب الأستاذ الباحث عبد العزيز مسهولي في كتابه المشار إليه سابقا في الصفحة8 :" ألا يمكننا أن نؤول تلك الاحتجاجات السلمية الضخمة ونعتبرها " تفلسفا عمليا " ما دام أنها تعبير عن موقف ومبادئ وأفكار، ومادامت ىأنها ابتكرت -تاريخيا- لإرادتها اليقظة أسلوبا سلميا جديدا قوض أسس نسق عالم استبدادي بدأ يتهاوى"..."هل يشكل هذا الحدث التاريخي الذي دشّن لانهيار جيو- سياية قلب العالم العربي، فرصة لعودة الفكر الفلسفي إلى الفضاء العمومي.." " ألايمكن أن نعتبر أن الثورات ، باعتبارها عاملا من عوامل الحراك العربي، هي " حدث فلسفي"....
   لكن السؤال، ما القصد من مقاربة حدث اجتماعي مقاربة فلسفية بغية تأسيس لفلسفة عملية  تعيد الفلسفة إلى الفضاء العمومي، هل هذه العودة تفكير في موضوع تأملي صرف، أم يتساوق مع ممارسة المفكر واحتكاكه بالفاعل الحراكي عبر وسائط في أفق تنوير الفاعلين وتحسيسهم بأن المفكر المتفلسف مواطن وهذه صفته الوجودية الثابثة، ومواطنته تقتضي تحيين الوجود الفلسفي وإبداع طرائق تواصلية تجسد ل " فلسفة القرب".أشير إلى جزئية منهجية لكنها تؤسس لمصداقية " القرب أو المُصاحبة الفلسفية "ميشال فوكو مثلا حين أراد الكتابة عن الثورة الإيرانية في أوخر السبعينات من القرن الماضي سافر إلى إيران وعاين الثورة وعايش الفاعليين الثورين في الميدان وكتب مقالا مطولا في النوفيل أوبسرفاتوار، فهل مفكرونا المتفلسفين كتبوا عن الحراك العربي، والمغربي في الحسيمة وزاكورة وجرادة من قلب الحدث الذي يعتبرونه فلسفيا،أم كتبوا من مصادر إعلامية وما ينشر من أخبار في الصحافة والفضائيات. من يكتب عن كانط لا بد أن يقرأ مباشرة المتن الكانطي، ومن أراد أن يقرأ ويكتب عن الحراك عليه أن يكتب عن متنه المباشر في الساحات العمومية ويشم رائحة الدم ويسمع تكسير العظام وآهات الأمهات وبكاء الأطفال لحظة الاشتباك مع أدوات وأجهزة الفاعل الااستبدادي، وقراءة شعارات اللافتات والهتاف بأنواع الشعارات...وهذه ليت مقاربة " بوليسية" مطالبة بتقييم الحدث أمنيا ورسم سياسات استباقية لقمع الحراك الشعبي...، بل  كوثيقة تؤسس للحراك كحدث فلسفي كنا يؤسس له دعاة الفلسفة العملية أو التطبقية.. الحراك كحدث فلسفي يفرض التواجد البين-جسدي على أرض الواقع كما التواجد في حضرة تاريخ الفلسفة وفي فضاء الخزانة العمومية والخاصة.وهذا يسائل أخيرا متى تبدأ الفلسفة وأين تنتهي  لتبدأ السياسية ؟

كتبتُ بمناسبة يوم الأرض :" متى تتم " أرْضنة " الفلسفة بإنزالها من سماء المعقولات المجردة إلى الواقع اليومي المعيش. وأبعث باعتذاري إلى محبي الفلسفة كطريقة في التأمل الفلسفي الخالص."


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: