الفضاء العمومي وحاجته لأية فلسفة؟
أو الفلسفة والحياة
وهذا إشكال ورد في البرنامج الفلسفي السابق
ستجدون التكملة في آخر المقال
بعد أحداث الربيع العربي، ظهر بعض المفكرين والباحثين يُطالبون بتجديد
الحاجة إلى "فلسفة تطبيقية" أو "عملية" تقطع مع الشروح والتفاسير النظرية، وهذه
الأخيرة بالنسبة لهم " تنغلق في مطلب الفهم والمعرفة والاطلاع على مستوى التلقي
وإعادة مُساءلة نفس إشكالات الفلسفة العربية التقليدية كما " روّج"
لها كل من محمد عابد الجابري ومحمد أركون وعبد الله العروي وغيرهم من "
قُرّاء التراث" ،حسب توصيف دُعاة الفلسفة التطبيقية..وحتى بعض العناوين " الفلسفة المغربية وسؤال الكونية والمستقبل" تكشف عن رهانات التجربة الفلسفية الجديدة التي تبشر بها " الفلسفة التطبيقية"
إذن الحاجة إلى الفلسفة التطبيقية بحسب أنصار الفلسفة التطبيقية تتأسس على السؤال التالي :" كيف ينبغي أن ننتقل إلى مُستوى الفرز ما بين خطاب يجعل حياته الأساسية في النظرية، وبين الفلسفة التي تجعل حقلها الأساسي هو الحياة؟". لهذا يرى المُدافعون عن الفلسفة التطبيقية ضرورة القطع الإبستمولوجي مع الماضي كحدث وَلّى، والتركيز على الحاضر والمستقبل، بدعوى أنه قد تم استهلاك الفلسفات العربية التقليدية، والمطلوب هو حاجة المفكرين الآن إلى القدرة على التفلسف في ذواتهم وفي واقعهم وفي العلاقات مع الأغيار، بمعنى هناك حاجة إلى فلسفة كتعبير عن الإقامة داخل الصيرورة كمجرى للانفلات من البدء والانخراط في التفكير بوصفه تأسيسا لمنظورات جديدة للحاضر والمستقبل، تنطلق من الإشكالات التالية:"هل يُشكّل حدث الربيع العربي كحدث تاريخي، والذي دشّن لانهيارات جيو-سياسية في قلب العالم العربي، فُرصة لعودة الفكر الفلسفي إلى الفضاء العمومي.وهل بالإمكان ظهور فلسفة عربية مُغايرة ذات نزوع كوني؟ وإذا كان ذلك مُمكنا فما هي مقدمات هذه الفلسفة وما هي سماتها؟ يزعم هذا التيار أن الفلسفة التطبيقية، يجب أن لا تتشكّل وتنوجد في سياق مُؤسساتي، كما أنها لا تحتكم إلى معيار أكاديمي، بدعوى أن الدراسات الأكاديمية التراثية هي المُهيمنة، وقد حجبت الحضور الحقيقي للتفلسف، وبالتالي لا أثر لها في الحياة". في نفس السياق، وضمن الاستجوابات الوارد في كتاب " الفلسفة والحراك العربي"، يُصرّح مصطفى النشار مؤلف كتاب" العلاج بالفلسفة " : الإنسان العربي الآن يطلبُ منّا " روشيته ( أي وصفة طبيّة) لكي ينطلق بها نحو المستقبل، وصْفة للعلاج وليس مُجرّد كلام نظري تفسيري. نحن في حاجة إلى أورغانون عربي جديد للقرن الواحد والعشرون." وحتى الأستاذ إدريس كثير في محاورته ضمن الكتاب، صرّح هو الآخر بقوله :"نحن أمام تحدّ جديد، هو الخوض في الموضوعات اليوميانية، وعلينا أن نُفكّر في هذه الموضوعات مباشرة( الحريك مثلا..) وألاّ نعود إلى ابن رشد أو الفارابي.." وأخيرا يُؤازر المفكّر التونسي فتحي المسكيني أيضا في استجواب له في الكتاب، ويُرافع قائلا :"...علينا أن نتفلسف الآن بشكل مُعاصر، وما يدعونا للتفكير هو ما " يحدُث" لنا في أنفسنا بعد ثورات الربيع العربي...نحن بصدد التفكير فيما بعد الجابري والعروي..: هذه من بين مبررات الدعوة إلى فلسفة تطبيقية تتجاوز الفلسفة النظرية التقليدية، بسبب مُستجدات سياسية وأخرى علمية تقتضي ضرورة التفلسف الاهتمام بها لراهنيتها، وإذا كان الربيع العربي كحدث سياسي واجتماعي موقظ للتفلسف...كذلك التطور في مختلف الحقول العلمية التي تدعونا إلى مُساءلتها فلسفيا من قبيل بيولوجيا السلوك، والهندسة الوراثية والتخليق الجيني والتغيرات الإيكولوجية، والأطعمة المعدلة جينيا ، لهذا يقول مصطفى النشار:" هذه التطورات العلمية فرضت نفسها على البحث الفلسفي المعاصر،فأصبح لدينا الآن ميادين مختلفة لما يُعرف بالفلسفة التطبيقية،من فبيل أخلاقيات البيئة، وأخلاقيات المهنة وأخلاقيات البيولوجيا وأخلاقيات التكنولوجيا الجزيئية..." لقد أنتج هذا المطمح لإعادة ربط الفلسفة بواقعها، مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالفلسفة التطبيقية نذكر منها :الأرْضَنة،الحدث الفلسفي، التجربة الفلسفية، الفاعلية الفلسفية، الوصفة الفلسفية،التفلسف العملي، المبادرة الفلسفية،مهمة الفلسفة، تجربة الوجود،الفلسفة فن للعيش،المُحايثة،الفلسفة الجديدة،ما بعد الجابري،ثورة الجسد، اليوميانية..." فما رأيكم في هذه الفلسفة الجديدة؟ يقول عبد العزيز بومسهولي :" إننا كفلاسفة جُدد (يقصد أيضا حسن أوزال وعبد الصمد الكباص) لا نتعاطى التفلسف كغاية في التفلسف، بل نحن نتفلسف حتى يكون لفكرنا أثر ونتائج في الواقع الذي نحن طرف فيه.إنّ فكرا لا يكون همّه التأثير في الحياة هو بنظرنا فكر ميّت ولا شيء يُرجى منه."
سؤال بيداغوجي: : كيف يتحقق ربط الفلسفة بالحياة وتجسيد مطلب المثقفين في ذلك؟ من الموكول له خوض تجربة التفلسف في الواقع وليس في التنظير عبر الكتاب؟ من الوسيط القادر على ترجمة الفعل الفلسفي والتأمل الفلسفي من خلال دفع الناس للتفلسف واقعيا؟إذا كان دعاة الفلسفة التطبيقية ،كما ورد أعلاه" ينتقدون أو يتحفظون من مأسسة الفلسفة بيداغوجيا وتحويلها إلى مادة مدرسية تهمّش النزعة البيداغوجية التقنوية الروح الفلسفية لصالح التنميط والجاهز والتبسيط، فما البديل عن المدرسة والجامعة في إشاعة الفلسفة وممارستها اجتماعيا؟طيب، لنفرض حصل التأمل والتفكير في عدة قضايا من خلال إعمال العقل في الموضوعات ومفهمتها وفهمها وتنمية المدارك والارتقاء الفكري بخلفية محبة الحكمة....ثم ماذا بعد ذلك؟ هل غياب العمق الحياتي للفلسفة قد يجعلها مجرد تأمل نظري أو مادة مدرسية تنتهي بانتهاء التأمل والتقويم؟أم الدخول إلى رحاب الفلسفة وممارسة فعل التفلسف سترافق الشخص المتفلسف طيلة الحياة ويتحول التفلسف إلى نمط حياة ؟
أقترح عليكم التأمل في تقديم قضية " الفلسفة والحياة " في البرنامج الفلسفي السابق الأولى بكالوريا قبل إحداث الجذوع المشتركة، ضمن موضوعة الفلسفة.
.
كمال صيدقي |
الفضاء العمومي وحاجته لأية فلسفة؟أو الفلسفة والحياة
التصنيف
فلسفة
شاركها على حسابك في :
0 التعليقات:
more_vert