ما أهمية تحميل وتخزين الكتب الإلكترونية إذا لم تُقرأ؟
بعد اول يوم من تقاعدي
الاداري تساءلت عن مدى استفادتي من تدريس الفلسفة. لكني أدركت أن السؤال الحقيقي
هو ماذا قدمت لتدريس الفلسفة. والاهم هو كيف ستكون علاقتي بالفلسفة طيلة خريف
العمر. أنا لست فيلسوفا بل كنت مدرسا للفلسفة. الفيلسوف يبقى كذلك حتى مماته,لكن مدرس
الفلسفة تتاح له عدة اختيارات يقطع من خلالها مع. تدريس الفلسفة. ومزاولة مهام او
وظائف بديلة عن تدريس الفلسفة. لكن سينجو من هذه القطيعة مع الفلسفة من اختار
ارتياد لذة البحث الفلسفي الموازي للتدريس وآلامه. نعم قد يحرر البحث الفلسفي صاحبه من إكراهات تدريس الفلسفة وقد يستمر كباحث حتى
ولو اختار غير تدريس الفلسفة مثل تقلده مهام إدارية من داخل المؤسسة التعليمية أو
غيرها من. مختلف المؤسسات التشريعية او التنفيذية.... بالمحصلة والمفيد من لا يملك
هواية أو مشروعا بعد سن التقاعد سيعاني ولن تنفعه المادة التي كان يدرسها. ستكون
كل دقيقة تمر شبيهة بأحداث المسلسل ساعة في الحجيم بل هي سنوات من الجحيم إن لم
يخطط المتقاعد لما سيكون عليه في خريف العمر. أكيد الشباب المبتدئون في معركة
الحياة لا يقدرون هذا الاشكال ولكن حسب ما يشاع أن عددا منهم أصابهم ملل التقاعد
وهم في بداية الطريق.
1- المقالة
مطالبون بتحليل كيف أصبحت
الصورة الساكنة أوالمتحركة أكثر جذبا للإهتمام والتفاعل مقارنة مع قراءة كتاب أو
مقال في مجلة ...... في مواقع للتواصل الاجتماعي .لنسأل الكتبي عن مبيعات الكتب وأيها
أكثر مبيعا ؟سواء تعلق الامر بالكتاب او المجلة او الصحيفة....؟ وهل هناك بالفعل
مؤسسات مستقلة تقوم بمثل هذه الدراسات والأبحاث؟وهل يمكن إعتبار مواقع التواصل
الاجتماعي معيارا لتقييم درجة القراءة والتفاعل مع ما ينشر؟ عاش جيلي تجربة مريرة
وفي نفس الوقت طريفة مع الاصدارات الورقية والتي تتطلب من ما تتطلبه شروطا مادية تسمح
باقتناء المتشورات الورقية :كتب،مجلات،جرائد ...،
كيف
ذلك ونحن تلاميذ ثم طلبة وحتى في بداية رحلة التدريس مع بداية الثمانينات كنا
نتقاضى 1700 درهما شهريا لمدة السنتين الأولى من رحلة التدريس بقرية أفورار التي
كانت حينها أحد مراكز البغاء بإقليم أزيلال قبل أن تعرف إشراقة تنموية في السنين
الأخيرة.... وهل يمكن اقتطاع مبلغ لاقتناء بعض الكتب والدوريات من مبلغ هزيل لا
يكفي حينها للضرورات من العيش الكريم ،ومع ذلك لم أتنكر للحصة الشهرية لاقتناع بعض
الكتب والدوريات وإن كانت على حساب بعض الحاجيات ، ولكن كلما تحسنت وضعيتي المادية
تحسن حال خزانتي كما هو الشأن للمُثلجة وأثاث المنزل ولباسي الشخصي وأمور تعرفون
أغلبها.
لكن الثورة الرقمية وفرت كل
أسباب الاقبال على القراءة والتثقيف والتكوين والتواصل والتفاعل، بل والمساهمة
الفعلية في الكتابة والنشر .لم يكن جيلي يحلم حينها بهذا التسونامي من صيغة PDF الرقمية وأشرطة اليوتوب الثقافية والسنيمائية
ومختلف الندوات الفكرية والعلمية التي
أتاحات للراغبين في القراءة الالكترونية كل التيسير للتثقيف والارتقاء في المعرفة
لمجرد نقرة وتحميل الالاف من الكتب ولأشرطة الالكترونية. كما أتحات الفرصة بالمقابل لتسونامي من التفاهة وسادت ممارسات البوز من أجل الشهرة من دون عناء أو مجهود فكري ...والغريب او المفارقة
أصبحت عملية التحميل وتخزين الكتب الألكترونية والاشرطة والصور من مختلف المصادر تطغى على فعل
القراءة وكأن عادة التحميل لمجرد التحميل أصبحت نوعا شاذا من الاطلاع،وهذا يذكرني
بفوفيا "يوم القحط"الذي يعتقد بعض الناس في بعض الدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية أنه آت لا محالة، فيقومون بتخزين
كل متطلبات الحياة وخاصة الغذائية من دون استهلاكها انتظارا للسنوات العجاب المشؤومة التي تنظرها
الانسانية.فإن صحت المماثلة فلم تخزين الكتب كما تُخزن المواد الغذائية من دون
استهلاكها ؟ وكأن قراءة عنوانين الكتب والفهرس عوض فعل القراءة للمتون ذاتها تنوب
عن فعل القراءة ذاته.لا أنكر أني وقعت شخصيا
ضحية هذا الفخ،خزنت آلاف الكتب الإلكترونية ومئات الأشرطة المصورة وخاصة أشرطة لفلاسفة داخل أروقة حاسوبي،وبوبتها في ملفات
حسب أسماء الفلاسفة والموضوعات،ولا أدعي أنني قرأتها كلها ولكني أقتنص منها حسب الحاجة أو الضرورة المهنية بشأن تدريس الفلسفة وخاصة توثيق النصوص ومعرفة موقعها في متونها حتى لا نفتري على الكاتب الفيلسوف.
ووجدت نفسي أقوم بالتخزين أكثر من قراءة ما أخزنه.ربما
ظنا مني أروي كبتا فكريا لا شعوريا عشته في بداية رحلة الفهم والوعي ولم تسمح لي
الظروف باقتناء ما أرغب فيه ، ولم أكن أستطيع إرواء حاجاتي من مختلف الاصدارات
،وكنت حين أقصد المكتبات أتفرج على العناوين وما أكثرها من دون قدرتي على إقتناء
ما أرغب فيه، فأقتني الضروري وأمتّع بصري بالتلصص على باقي الاصدارات وتصفح فهاريسها، " واللي ما شرا إتنزّه" كما يقال،وتلك هي
عاداتي في السبعينات مع مكتبة الامنية بالرباط ومكتبات الحبوس بالدار البيضاء
والبعض منها بمدينة آسفي وأنا شاب طالب بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط.
وهاهي الكتب اليوم معروضة بالمجان في العالم الرقمي ،فكيف لا أستغل فرصة تحميلها
وتخزينها مخافة زمن القحط الكتبي كما هو اليوم مع بداية القحط البيئي المنتظر مع
استفحال الاحتباس الحراري لامنا الارض.كنت أبرر أيضا تحميلي المبالغ فيه للكتب
والاشرطة ... كوني سأوظفها في التواصل من خلال موقعي فيلوصوفيا ومدونتي وصفحتي على
الفيسبوك،وبالفعل قمت بجزء من هذا الرهان،لكني اكتشفت فيما بعد أن ما أقوم بتحميله
يقوم به الاخرون .فما الداعي إلى تخزين ليس لدي الوقت ولغيري الاطلاع عليه.بالفعل
كان هدفي تقديم المساعدة الفلسفية بخلفية تكوينية للمدرسين والمدرسات المبتدين في
تدريس الفلسفة إلى جانب فتح حدائق الخلفية في التدريس وإنجاز الدروس،لكني عدلت عن
نشر الكتب بمواقعي الإلكترونية واخترت اقتسام تجاربي المتواضعة في التدريس برهان
تجويد تدريس الفلسفة حسب ما تسمح به طاقاتي .
لكن اهتمامي بدأ يتجه نحو البحث ‘ في خريف العمر،عن عوالم جديدة من الفنون الحرفية بدل
الاهتمام بتجربة تجويد تدريس الفلسفة، وكما تقول العامة، "لكْل حقّو إغمض
عينيه"، بحيث ظهرت فئات شابة من مدرسي الفلسفة ما شاء الله وكأنها ولدت لتكون بباحثة محترفة.....ومع ذلك تنتابني " نغزة" الحنين لتجربتي مع الدرس الفلسفي
كلما ساد صمت فلسفي فأرمي حجرة في بحيرة الفلسفة المدرسية الراكدة لعلني أجدد صلة
الرحم مع من كان له الفضل علي فكرا وسلوكا.
0 التعليقات:
more_vert