تحليل النصوص الفلسفية بين الإلتزام بالأطر
المرجعية والاختيارات الإيديولوجية للمدرس.
هل يمكن اعتبار إعترافات عدد من الفلاسفة بأنهم كتبوا
بطلب أو في كنف جهة سياسية حاكمة، وساهموا بكتاباتهم في لعبة الصراعات
السياسية والمذهبية ( بمصطلح معاصر الإيديولوجية )،بين إرادات سياسية حول
السلطة والجاه، أقول هل هذا التموقع المذهبي ( الإيديولوجي ) لا
ينتقص من مصداقية ما ألّفوه في الفكر الفلسفي أو السياسي؟ ألا يؤثر هذا
التمذهب على الروح الفلسفية والتي مبتعاها قول الحقيقية كواجب أخلاقي ،كما قال
الفيلسوف الألماني كانط، واجب حتى ولو أضر بكاشف الحقيقة أو بغيره . لكن هل
الصدق الفلسفي يتوافق مع التمذهب السياسي وخاصة في نسخته الماكيافيلية؟ الأمر الذي
يؤثر على بنية مفاهيم وحجاج الفيلسوف المتمذهب تحت الطلب أو في كنف... برغبته أو
مُجبرا على ذلك ؟ السؤال، إلى أيّ حد يُسقط التمذهب الفلسفي في الإنتهازية
والإزدواجية حين يتم الزجّ بالفلسفة في الصراعات السياسية المتحولة دوما بالموازاة
مع الاختلاف الفلسفي كثابت بين مختلف المفكرين؟ وهذه ممارسة دشنها أفلاطون واستمرت
مع العديد من الفلاسفة حتى الوقت الراهن؟ وربما قد نفهم مقولة لوي ألتوسير "
الفلسفة صراع طبقي على مستوى النظرية" كونها تصريح فلسفي علني يعترف بانتماء
التفكير الفلسفي إلى الحركية السياسية كحقل تتجاذب فيه مختلف الإرادات ولا يمكن أن
يتعالى الفيلسوف عن هذه الحركية ، ومطلوب منه أن يختار موقعه في أتون
الصراع لا في دكّة المتفرجين، وهذا ما يُغضب أمثال كارل ماركس وأنطونيو
غرامشي وسارتر.... المنتقدين لسلبية المفكرين تجداه المعترك السياسي ليس التنظيري/
التفسيري بل بأفقه التغييري، وهذا يطرح إشكال إستقلال الفيلسوف وما طبيعة
هذا الاستقلال الفلسفي ، وهل يظل تحت مظلة الإبداع فقط أم يقتضي الإلتزام
باختيارات مفصلية تخرج الفيلسوف من برجه العاجي وحوزته التأملية لينخرط في الحركية
الاجتماعية ليس فقط بالكتابة التأملية ( أي ممارسة الفلسفة في العلم الفلسفي بلغة
القدماء ) بل بالممارسة والفعل في الأحداث ( العضوي بلغة غرامشي)، وحتى التنظير لا
يسلم صاحبه من الأذى ولنا في تجربة سبينوزا خير مثال، أي حين تتحول الفلسفة إلى
قوة مادية تفعل فعلها في نفوس الناس وهذا ما يُقلق الخصوم ويُجبرون على رد الفعل
بالتنظير أو بالممارسة ( الأذية في مثال سبينوزا ، الطعن بسكين)
في نفس
السياق،أتساءل عن تجربة تدريس الفلسفة من قبل فلاسفة مارسوا تدريسها، هل كانوا
أحرارا في تدريسهم لها، أم مثلهم مثل باقي المدرسين إلتزموا بتوجيهات المؤسسة
التعليمية التي لم تكن بنفس رهان المؤسسات الخاصة التي أنشأها فلاسفة اليونان من
مثل أكاديمية أثينا التي أنشأها أفلاطون وقبله السوفسطائيون الذين مارسوا التعليم
بالرهان المعروف في سياق تطور المؤسسة القضائية ومهنة المحاماة وما تقتضيه
من أساليب الخطابة والحجاج....ونعلم أن توجيهات المؤسسة التعليمية هي التي ارتاب
منها سبينوزا حين رفض طلب تدريسه الفلسفة خوفا من أن يفقد حريته .
في نفس السياق،
نسائل عدد من مدرسين جامعيين في العلوم السياسية، يزاوجون بين مهنة التدريس
والتداول في الشأن السياسي المحلي والدولي ك" محللين سياسيين" في عدد من
المنابر الإعلامية، ويتقاضون أجرا عن تحليلهم !!!!!، وهذا يطرح سؤال الاستقلالية
والحياد والموضوعية ، وهل يكون التحليل بطلب أو في كنف مؤسسة إعلامية لها خط
تحريري تروم تمريره من خلال استغلال محللين يُسوّق لهم بكل الذرائع والمبررات.
في نفس السياق، أسائل
مدرسي ومدرسات الفلسفة بالتعليم الثانوي التأهيلي،هل يفصلون بين انتماءاتهم
السياسية والإيديولوجية، وتدريسهم للبرنامج الفلسفي؟ خلفية هذا السؤال مبنية على
وقائع ملموسة ، قد تكون حالات فردية معزولة أو شائعة، وهذا يقتضي بحثا سوسيولوجيا
وإن كان صعبا من الناحية الإجرائية لحساسية الموضوع، ولكن أنقل من تجربتي الخاصة
بعض الحالات ،وقد تكون حصلت هنا وهناك، ولكنها موجودة كظاهرة وتستحق المساءلة
والتحليل.
أقول عدد من مدرسي
ومدرسات الفلسفة بالثانوي التأهيلي رفضوا تدريس نصوص نيتشه وسارتر وغيرهما
...بدعوى أنهم ملحدون وتدريس نصوصهم هو تدريس للإلحاد.
وقد تعرض هذا النص لتجاهل عدد من المدرسين والمدرسات بحجة أنه لا يمكن تدريس الإلحاد للمتعلمين وليس ملزما بتدريس النصوص المقررة ويمكن تعويضها بغيرها والأطر المرجعية لا تلزم تدريس نصوص الكتاب المدرسي تباعا، هناك هوامش تسمح بها الأطر المرجعية للمدرس، نغس الحجة يستعلمها الطرف النقيض .وهذه الظاهرة تسائل مدرسين ومدرسات جاؤوا من مرجعيات الإسلام السياسي بالخصوص،ولا يخفون تحفظهم من عدة قضايا وإشكالات فلسفية مقررة والتي يعتبررونها تتعارض مع الدين الإسلامي.وهذه المواقف كانت تخلق توترا بين المدرسين داخل نفس الثانوية من خلال توظيف المتعلمين في الصراع بين المدرسين .
يمكن الإطلاع على مقالي التالي بخصوص موقف المتأسلمين من تدريس أطاريح سارتر
يمكن الإطلاع على مقالي التالي بخصوص موقف المتأسلمين من تدريس أطاريح سارتر
ومن النصوص الصادمة للمدرسين " المحافظين" إن
جاز هذا الوصف في المنظومة التربوية، نص لسيرج موسكوفيسي، تحت عنوان "
الإنسان جزء من الطبيعة"الكتاب المدرسي( بداية التسعينات ) للسنة الثانية
الثانوي. ص 13،
وفيه يتبنى موسكوفيسي النظرية التطورية الداروينية
للنشأة الطبيعة للإنسان. وهذا كان صادما لتمثلات تلاميذ لازال عهدهم بتعلم
الفلسفة في بدايته وربما قد يزكي الموقف العامي السلبي من الفلسفة بالرغم من أن
سياق النص يعفيه من هذه الرجة والصدمة.....
وآخرون رفضوا تدريس نصوص ابن تيمية (
ضمن "موضوعة البيان والمعرفة" في المقرر الفلسفي لبداية التسعينات .ونجد
في الكتاب المدرسي أربعة نصوص لابن تيمية في الصفحات "53 و 55 و78 و79) بدعوى
أن ابن تيمية منظر تكفيري وفتاواه تثبت ذلك.
بالمقابل تحفّظ عدد من المدرسين
الحاليين على إدراج آية قرآنية ( سورة النساء "36) في كتاب التلميذ الخاص بمسلك الآداب
والعلوم الإنسانية "مباهج الفلسفة" ضمن مفهوم الغير، في أطار" أقوم
تعلماتي" الصفجة 42. وكان السؤال التقويمي : ما هي أوجه العلاقة التي تحددها
الآية الكريمة لعلاقة الذات بالغير؟ معللين ذلك باختلاف الإشكال الفلسفي عن مقاصد
الأية القرآنية....
بالمحصلة،أتساءل ما
حدود استقلالية الفيلسوف والمحلل السياسي ومدرس الفلسفة تجاه ما قد يورط الفلسفة
في ما ترفضه هي نفسها من مدخل الكوني والإنساني و....، أي رفض الزجّ بالفلسفة في
قضايا جزئية ومحلية طارئة ودائمة التحول بتحول المصالح وموازين القوى.لكن كيف يمكن
للتفكير الفلسفي أن يجد مكانته ضمن لعبة الصراعات السياسية والاجتماعية
دون أن يفقد الرهان الفلسفي؟لكن هل هناك حد أدنى من الاتفاق حول ما هذا الرهان
الفلسفي،قد يكون ممكن التنظير له على الورق، لكن في الواقع تبدو الأمور أكثر تعقيدا،
علما أن الصراعات السياسية والمذهبية تتطلب زمنا طويلا كي تتحول إلى موضوع فلسفي.
فما العجلة في تقرير والفصل فيما ما هو متحول راهنا ،ولن تتكشف أسراره إلا
حين يتحول إلى مادة تاريخية بعد عقود من الزمن.
0 التعليقات:
more_vert