فلسفة القرب في مواجهة " سُرّاق الفلسفة".
تميز الاحتفاء بالفلسفة لسنة 2019 بميزتين إثنتين،الأولى ،تأسيس
تجربة جديدة تمثلت في الاحتفاء بالفلسفة داخل الثانويات التأهيلية وبتنشيط من
التلاميذ ومدرسات ومدرسي الفلسفة. وهذه التجربة قامت بها مختلف الأندية داخل
الثانويات التأهيلية، وهذا المنعطف الفلسفي، تجاوز أيضا الاحتفالات الشكلية التي
كانت تقيمها مختلف فروع الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة قبل تجميد عدد منها، وهي
الآن تنفتح على الثانويات التأهيلية في سابقة تستحق التنويه من مختلف فروع الجمعية
المغربية لمدرسي الفلسفة.الثانية لم يقتصر الاحتفاء بالفلسفة على تلامذة التانويات
التأهيلية بل امتد إلى تلامذة الإعدادي والإبتدائي كتجربة فتية تقودها بعض المدارس
الخاصة من تأطير مراقبين تربويين لمادة الفلسفة بمعية أساتذة جامعة .
وحري بالمهتمين بالعرض الفلسفي وتوسيع مجال تداوله، في إطار
رهان فلسفة القرب، تقييم هذه التجربة في أفق تطويرها وإغنائها كمدخل لمرور التفكير
الفلسفي إلى الفضاء العمومي ، ومن ثمة إنزال هذا التفكير من سماء المعقولات
المجردة إلى الإهتمام باليومي.ويطمئن المدافعون عن " هوية الفلسفة
البرهانية" أن التفكير الفلسفي وهو يقارب الموضوعات اليومانية سيجدد برهانيته
ويُغنيها أكثر مما هي مٌحتجزة في قوالب صورية تأملية. ستكون اليومانية في الفضاء
العمومي إغناء للتفكير الفلسفي، وتجريب حرقة وجذرية السؤال والبرهانية المتجددة
والمُحيّنة بمقتضيات العصر ومشكلاته ، لكن بعد نضج تشكل الموضوعات التي يتم التعبير
عنها فلسفيا ب" الحدث/الواقع، بحيث سيكون الإنخراط الفلسفي في مساءلة
اليوماني نابع من خصوصية التفكير الفلسفي، وتأصيل " التجربة الفلسفية"
كواقع في الممارسة والأرضنة، باعتبار الفيلسوف،من جهة خاصة، كما قال آلن باديو في كتابه " الفيلسزف في الحاضر ، رفقة سلافوي جيجيك هو "مبتكر مشاكل، أي يطرح دائما
مشكلات جديدة أمام الجميع....فالفسفة أولا وقبل كل شيء : ابتكار مشكلات جديدة ،
ويلي ذلك تدخل الفيلسوف في لحظة ما في الوضع –سواء كان تاريخيا أو سياسيا أو فنيا
أو عشقيا أو علميا..."
والرهان من فلسفة القرب في المؤسسات التعليمية من خلال
انفتاح الفلسفي على موضوعات خارج المقررات الدراسية،التي سيمسها رهان مختلف
الاحتفاءات بانفتاح الدرس الفلسفي على واقع المتعلمين،ربما قد يسمح بتوطين الفلسفي
في الفكر والسلوك التلاميذي، بفتح آفاقه على مختلف الموضوعات ، وبالتغلب على آفة
حصر الفلسفي في التقويم الجزائي والحفظ وتناسل مقرات الدروس الخصوصية ، بحيث
يُهرّب " لصوص الفلسفة وتجارها " الفلسفة من المدرسة إلى الأقبية السرية
غير المراقبة والمخصصة لهدف واحد " كيف تحصل على نُقطة ممتازة في مادة
الفلسفة!!!!! لكن الاحتفاء موضوع التفكير، يسمح للمتعلمين بتجريب أليات التفكير الفلسفي في
موضوعات هم في قلب ما تختزنه من إشكالات مسكوت عنها، والفرصة الفلسفية التي
تُتيحها مثل هذه الاحتفاءات بالفلسفة تشجع المتعلمين على كسر قوقعة الدرس المؤسسي
إن كان نمطيا كما هو واقع الحال لدى عدد من الحالات التي تُتداول، وليس هناك من
يملك الجرأة في فضح هذه الممارسات، بدليل أن جل " سُرّاق الفلسفة" لا
يحضرون ولا يساهمون في الاحتفاء بالفلسفة لآنها تفضحهم في أعين ضحاياهم، من خلال
الكشف عن حقيقية ما يجب يكون عليه الدرس الفلسفي في واضحة النهار وليس خلسة في
ظلام الليل ،حيث تنشط كل أنواع الإبتزاز وبيع وهم " النجاح مضمون".ومن المؤسف أن "سرّاق الفلسفة"
يُحاربون الكتابات الجادة حول " الكتابة الفلسفية" المتعلقة بالإنشاء
الفلسفي حصريا،لأنها تفضح أساليبهم الماكرة في ترسيخ النمذجة الزائفة والقوالب
الجاهزة وملء الفراغات....وما شابه مثل هذه الشعوذات.
لهذا أزعم بأن مثل هذه الاحتفاءات بالرغم من قلتها، ستكون
مستقبلا، بعد تعميمها داخل كل الثانويات ومختلف المدارس ، إضافة نوعية لتدريس الفلسفة، من خلال تحفيز التلاميذ على
ممارسة التفلسف ، والتخلص من شعوذات " سُرّاق الفلسفة".وأزعم أيضا أن
التكثير من مثل هذه الندوات خلال السنة الدراسية، ستكون عاملا حاسما في تحرير
الفلسفة من سُرّاقها الواقعيين والمفترضين، وتحقيق حلم توطين ،مرحليا،جزء من التفكير
الفلسفي في الممارسة اليومية للمتعلمين.
0 التعليقات:
more_vert