مُقتضيات إبداع المترشح لإنشاء فلسفي.
أول سؤال يقتضيه الحديث عن الإبداع في مجال الكتابة
الفلسفية المدرسية، هو هل سبق للمتعلم أن واجه مطلب الإبداع في مختلف مراحل تعلمه
بالمدرسة المغربية بدء من الابتدائي وصولا إلى الثانوي التأهيلي؟ أكيد يتعلق الأمر
هنا بفن الكتابة كقول وخطاب له مقتضياته الإبداعية، ولكن هل منظومة التعليم تفرد
جيزا معقولا للكتابة الإبداعية القولية مقارنات مع مقتضيات التقويم الجزائي تنظيرا
وممارسة؟ هل تعتبر مختلف الأنشطة الإبداعية ، القولية والتشكيلية والمسرحية....،
جزء من التربية والتكوين أم هي تمارس على هامش التعليم الرسمي كأنشطة في وقت
الفراغ وللترويح عن النفس من عناء الدراسة وفي بعض الأحيان تكون مناسباتية للإحتفالات الموسمية؟
أضف إلى ذلك ،هل
هناك فرق بين ممارسة أنشطة احتفالية تأخذ لبوسا فنية إبداعية من حيث الشكل وبين
تمثّل فعل الإبداع كممارسة لها مقتضياتها النظرية والإجرائية من خلال تشخيص مفهوم
الإبداع الخطابي ( شعر، فلسفة، أقصوصة..) بالتمرس والممارسة وليس من خلال
الاحتفالات الموسيمة المناسباتية؟ كيف يعقل أن نطلب من المتعلمين في مادة الفلسفة
إبداع مقال فلسفي بحسب استطاعة الممتحنين ، حتى في المقروء،ولم يسبق له أنه تعرّف
على مقتضيات الإبداع الفلسفي سواء تعلق الأمر بمدرسيه او الفلاسفة أنفسهم ؟
وبالتالي ما معنى إبداع مدرس لدرسه وما معنى إبداع فيلسوف أو عالم لفلسفته وعلمه؟
من خلال وعبر عادة التلقين، يحدس المتعلمون أن الشعر مثلا
هو اشتغال إبداعي على اللغة الطبيعية من خلال توظيف الكناية والاستعارة والطباق
والجناس والتشبيه والتقيد بمختلف البحور...لغة طبيعية تتحول بسبب التخييل والتشكيل
إلى لغة موازية للواقع الواقعي. لكن في تدريس الفلسفة الأمر يختلف، بحيث يتم
التركيز على ثلاث أهداف نواتية هي المفهمة والأشكلة والحجاج، كبناء منهجي في سياق استجلاء أطاريح مقرر دراسي مبني على
المجزوءات ورهان تحقيق مجموعة من الكفايات. السؤال أين يتجلى الإبداع الفلسفي
مقارنة مع الإبداع الشعري أو الروائي ...الذي يتعرف عليه التلميذ خلال جل فترات تعلمه
المدرسي؟ لكن بالمقابل هل يخصص مدرسو الفلسفة حيزا زمنا للتعريف بالإبداع الفلسفي
كما لدى مدرسي اللغة العربية والأدب العربي ( كما الفرنسي
والإنجليزي..والإسباني..)؟ وهل مدرس الفلسفة نفسه ملم ومقتنع بشروط ومقتضيات
الإبداع الفلسفي ويمارسه فعلا في الفصل وخارجه بالتأليف والبحث وتطوير قدراته على
الكتابة الفلسفية البحثية والإبداعية؟
تقول الأدبيات التقويمية إن الإنشاء الفلسفي تمرين في
التفكير، السؤال ما التفكير وكيف يتقاطع مع الإبداع، وكيف تشتغل الفلسفة أيضا كما
باقي الفنون على اللغة الطبيعية وتنتج فلسفة إبداعية هي في النهاية إعادة قراءة
للواقع ومشكلاته لكن بتشكيل مفاهيمي يجعلها تتميز عن باقي مختلف الفنون لنقول في
النهاية : الفلسفة إبداع لخطاب مواز للواقع الواقعي يروم تقديم تفسير لما لا يظهر
في مباشرته وظاهره؟
لكن هل يمكن الفصل بين الرهاني الإبداعي الفلسفي وبين مناخ
الحرية، حرية التعبير والحق في التفكير بطريقة غير التي يفكر بها الآخرون؟ وكيف
يتقاطع النقد الفلسفي مع الإبداع ؟وكيف ومتى يكون الإحراج الفلسفي وحرقة السؤال
والقطع مع المألوف رافعات للإبداع ؟وأعود من حيث بدأتُ وأطرح السؤال هل يوجد في
تحضير المدرس لدرسه خانة أو حيزا للبعد الإبداعي لقضية فلسفية أو أطروحة ...لحظة
الاشتغال على نصوص يتم اجتزاؤها من متن فلسفي، علما أن الإبداع يكون بلغته الأصلية
وقد يفقد كثيرا من ملامحه الإبداعية حين يتم ترجمة النصوص إلى اللسان العربي إضافة
إلى سوء تقطيع النصوص وفقدانها للإنسجام الفلسفي ؟ وهل من شرط الإبداعية الفلسفية
المدرسية أن يكون مدرس الفلسفة نفسه مبدعا حقيقيا وليس مُلقنا ، وما أكثر لحظات
إملاء الدروس دون تفسيرها وخلق فضاءات للنقاش والتعبير الشخصي للمتعلمين..( وسير
نقل الدرس من عند القسم الآخر......!!!!)
المفارقة العجيبة أن بيداغوجيا الكفايات في جزء منها تقوم
على نوع من الإبداع، في حين أن طريقة عرض مطلوبات الإمتحان الوطني ودليل التصحيح
يركزان على استرجاع المقروء مع التشجيع على الحفظ، ومراتب خطوات الإنشاء الفلسفي
نفسها ( حتى وإن كانت كونية : مقدمة عرض خاتمة) تحد من فعل الإبداع الفلسفي المدرسي (حتى لا نزعم إدعاء إبداع الفلاسفة أنفسهم ). قد أدّعي أن بيداغوجيا الكفايات التي يتحفظ الكثير منها قد تشجع على مستوى معين من
الإبداع . من بين تعاريف الكفاية أنها
" استعداد يمتلكه المتعلم لتوظيف ماسبق له اكتسابه في سياقات تعلّمية- من
معارف فكرية ومهارات حركية ومواقف سلوكية- توظيفا ناجحا في سياقات جديدة، تتطلب
منه إيجاد حلول لمشكلة أو تجاوز لوضعية معينة." قد نتجازو الخلفية المهنية
المقاولاتية التطبيقية للكفاية باستجلاء
فعل الإبداع (عبر مفهوم "إيجاد حلول" ) في سياق تحليل أو تفسير وضعية
معينة.( مثلا قد يواجه طبيبا متدربا مشكلة طبية أثناء قيامه بعملية جراحية لمريض
ففوجئ بمشكلة لم يسبق له أن درسها.هل يوقف العملية ويهاتف أستاذه يطلب منه العون ويخبره بأنه لم يقرأ هذه الحالة في كلية الطب )أم يحاول إيجاد حل للمشكلة باستخدام عقله واجتهاده ولما لا إبداعه لحل يجنب المريض ما
لا تحمد عقباه) ولهذا كان لزاما على الوزارة المعنية أن تطرح في امتحان الفلسفة
وضعيات جديدة لم يسبق للتلميذ أن درسها ويقوم بتوظيف تعلماته في إيجاد حلول
للإشكالات التي تطرحها المطلوبات، بمعنى نحسس المتعلم بالقيام بالمسؤولية الشخصية بدل
استرجاع البضاعة المعرفية التي غالبا ما لاتخرج عن
المقروء ومن خلال الحفظ أو عملية الغش والمستقاة من ملخصات اليوتوب وليس حتى من تجربة الفصل الدراسي.ومع الأسف هذا ما تساهم فيه تسونامي من دروس
اليوتوب التي تجاوزت فضاء الفوضى إلى تخوم التفاهة وتقديم حلولا وهمية للحصول على
معدلات مرتفعة في مادة الإنشاء الفلسفي!!!!)
لهذا أزعم أن طريقة
بناء الدروس الفصلية ( وحاليا آفة الكبسولات الفلسفية ) وطريقة طرح صيغ الامتحان
ومطلوب دليل التصحيح وتمثلات المصححين....وهل من ضمن تقويم الانشاء الفلسفي في الامتحان الوطني والمراقبة المستمرة خانة لتقويم جزائي لفعل الابداع؟ وهل يمكن التوافق على ما هو هذا الابداع الذي نحن بصدد التفكير فيه على غرار تقويم الجوانب الشكلية؟ وما الفرق بين الموقف الشخضي للمترشح والابداع في الكتابة ليس من حيث الشكل التشكيلي بل أيضا من حيث البناء الفلسفي الخاص بموقف المترشح.؟كل هذه العوامل المسية والمركبة تحد بل تقتل رغبة الإبداع الفلسفي المدرسي لدى
المتعلمين وخاصة مع النزوع البراغماتي الذي يبدو معه فعل الابداع مغامرة تعصف بالمقروء وقد تفتح الباب للهذيان وما شابهه.(وسأفسر في مقال لاحق ما معنى إبداع مدرسي لإنشاء فلسفي من خلال نماذج تكبقيقة من تجربتي الشخصية المتواضعة تجاوزا للتباكي عن غياب الابداع في الكتابة الانشائية من دون تقديم نماذج تطبيقية )
ألتمس من قارئي هذا المقال أن يدلوا بتجاربهم الفصلية حول
معنى الإبداع في الكتابة الإنشائية، وكيف نفسر " جائحة " الملخصات
الفلسفية وظاهرة الكبسولات والتركيز على
مضامين الأطروحات وتجاهل تقييمها ومناقشتها وهذه الأخير هي من بين رافعات الإبداع
الإنشائي.
وأتساءل ،هل سبق أن قام المؤطرون التربيون بالإشراف على
دروس تطبيقية يقفون فيها مع المدرسين بحضور عينة من المتعلمين على مقتضيات الإبداع
في الكتابة الإنشائية الفلسفية إضافة إلى
درس تطبيقي فصلي حول آليات الإبداع الفلسفي للمدرس وللفيلسوف من خلال الاشتغال على
نصوصه ؟ ما يروج حاليا هو التنظير لمطلب الإبداع من دون تحديد الشروط الفصلية
والإجراء الكتابي للإنشاء لحظة ممارسة فعل الكتابة الفلسفية.
من بين الإشكالات المسكوت عنها، أن قضية الإبداع هي من بين
إشكالات مجزوءة الفاعلية والإبداع في برنامج الأولى بكالوريا. السؤال، هل يتم استغلال هذه
المجزءوة للحديث عن الإبداع الفلسفي بدل التركيز على إبداع الفنون التشكيلية ؟والمفارقة العحيبة، حتى في الاشتغال على نصوص الفن والجمال لعدد من الفلسفة لا يتم
الوقوف على إبداع الفيلسوف وليس حديثه عن الإبداع.!!!!!!بحيث يبدو للمتعلم أن
الفلسفة حديث عن الإبداع وليست هي ذاتها إبداعا وهي تشتغل على اللغة الطبيعية،
فكيف للمتعلم أن يكون مبدعا في كتابته الإنشائية وهو لم يسبق له أن واجه الإبداع
الفلسفي بالسؤال وليس بالعنعنة الفقهية، وهل يلمس بالفعل إبداع أستاذه في بناء لدرسه مقارنة مع بقية المدرسين بنفس الثانوية وما يطلع عليه من دروس منشورة رقميا في الشبكة العنكبوتية؟
السؤال،أين ومتى وكيف نلفت انتباه المتعلم إلى عملية
الإبداع الفلسفي.
إذم ما المقصود بالإبداع الفلسفي وما مقتضاياته وكيف يتحقق في حوامل بيداغوجية وديداكتيكية؟
في الحلقة المقبلة سأقدم نماذج فصلية تطبيقية من الإبداع الفلسفي
للفيلسوف والمدرس والمتعلم، من خلال تجربتي الشخصية المتواضعة ) وهي مناسبة لتوريط المتعلمين الجدد من مدرسات ومدرسي مادة الفلسفة في مواجهة سؤال الابداع الفلسفي التلاميذي تطبيقيا.
0 التعليقات:
more_vert