دليل التصحيح... من منظور شمولي
تتمة
و كخلاصة لهذا المنظور الشمولي لدليل التصحيح في صيغته المتعلقة بالنص للتحليل
و المناقشة ، يمكن القول إنه منظور ينطبق حتى على القولة السؤال و السؤال الإشكالي
المفتوح ، و على نفس هذه الصيغ المعتمدة في المراقبة المستمرة ، و ذلك بدليل أنه
عند دراسة النص نكون أمام جزء أو مقطع من إنتاج فلسفي، يتعين علينا بيان الموضوع و
الإشكال و الأطروحة و الحجاج، و ما يترتب عن المناقشة من استنتاجات و خلاصات تكشف
عن حل الإشكال و رهاناته، أو ما يقتضيه ذلك
....
أما وحدة البعد الفلسفي لصيغ الامتحان هذه، فالأمر لا يحتاج إلى بيان ، لأن
السؤال و المساءلة و التساؤل يشكل كلها مكونا أساسيا من مكونات الخطاب الفلسفي،
فهو خطاب أساسه التساؤل و دليله التساؤل، و خلاصاته المنفتحة جملة من التساؤلات
المؤكدة على نسبية الفكر و حدوده
...
وإذا تقرر هذا فإن اقتراح دليل التصحيح في منظوره الشمولي في امتحانات مادة الفلسفة له في اعتبارنا ما يبرره، و نظرا لتعددجوانب المستويات التي نريد لأغراض منهجية استعراض هذه المبررات من خلالها، و نظرا أيضا لكون هذه المبررات تتكرر عبر جوانب تلك المستويات، فإننا سنقتصر على ما يأتي :
_1_مستوى منهجية تعليم الفلسفة : وهي منهجية تعتمد أساسا على النص الفلسفي، وذلك
تبعا لما يتضمنه التصور الذي يصدر عنه تعليم الفلسفة، أنها تنظر إلى النص في درس
الفلسفة باعتباره المادة التي يتم الاشتغال عليها، وأن دوره يشكل منطلقا للوقوف
على تصور أو طريقة للتفكير أو موقف... ومن ثمة فهو مجال ندرس فيه كيفية اشتغال عدد
محدود من المفاهيم و جزء صغير من بنية فكرية عامة... فالنص بذلك يعتبر بداية عمل
تعميمي، وبناء إشكال تبقى فيه العلاقة متواصلة بين القراءة و بناء التصورات و
معالجة القضايا، أي بين النص و ما يتجاوزه من تفكير و تساؤل، لذلك لاينتظر الوقوف
عند النص باعتباره معبرا عن صاحبه أو عن اتجاه أو مذهب، بل بوصفه معالجة خاصة
للموضوع المطروح، ما يهم فيها هو منطقها ومفاهيمها وحدودها و دورها في بناء
الإشكال.
وفي هذا الإطار فإن تقنية معالجة النص الفلسفي طبقا لتلك المقتضيات المشار
إليها تتحدد في جملة من المعطيات تتمثل في الوقوف عند المفاهيم الأساسية للنص و
أهميته النظرية و الفلسفية، و طبيعته و الاستعمال الفلسفي للغته، ومنطقه الخاص، و
العلاقة بين البناء الخطابي و المضامين النظرية التي يعبر عنها، مع تجنب المعالجة
الصورية للنص و الوقوف عند البحث عن المضمون و تلخيصه كما أكد " ميشيل گورينا" على ذلك في أبحاثه حول النص الفلسفي، بل
والكتابة الفلسفية معا
.
لكن هذه المعطيات و إن كانت كما يلاحظ لاتخرج عن حدود كونها مجرد مبادئ عامة
لمعالجة النص الفلسفي وحسب، فإنها مع ذلك قد تجد ترجمتها الإجرائية كتقنية في
المعالجة إذا ما رجعنا إلى بعض الاستراتيجيات التي تنظر إلى تعليم الفلسفة بواسطة
النص الفلسفي كما نجدها لدى الباحثين البارزين في ديداكتيك تدريس الفلسفة بواسطة
النص في فرنسا ك/ " ميشيل گورينا"Michel
Gourinat" و "فريدريك كوسيطا"
" " Frédéric Cossutta" و "برنار سيڤ"
Bernard Séve " و" فرانس رولان
" France Rolin" (1) وغيرهم... وهي استراتيجيات تلتقي في
تحديدها لمفهوم النص الفلسفي، و في حديثها عن مكوناته و وظائفه، تلتقي في انطلاقها
من الفلسفة و في النظر إلى تاريخها لا باعتباره مصدرا للأفكار و المضامين، و إنما
كمصدر لاستقراء أساسيات أفعال التفلسف، و هي أساسيات ينتظر _حسب هذه الاستراتيجيات
_ الكشف عنها في النصوص الفلسفية المقترحة للمعالجة و ممارستها خلال المناقشة
الفلسفية لتلك النصوص وبيان قيمتها، الأمر الذي يجعل هذه الممارسة أكثر تنظيما و
ضبطا و عقلنة...
لهذا و بالنظر إلى نقط الالتقاء بين هذه الاستراتيجيات، فإن الحديث عن
استراتيجية تركيبية للمستويات و المقتضيات الإجرائية لتلك الاستراتيجيات يعد أمرا
مشروعها هنا، استراتيجية تصدر عن نفس مفهوم النص الذي تقدمه الاستراتيجيات السابقة
الذكر، أي باعتباره بنية داخل بنيات أشمل منها هي النسق الفلسفي و تاريخ الفلسفة،
بل الثقافة الإنسانية عامة، بنيةيتجسد فيها الفلسفي بحكم ما يربط الشكل و المضمون
من علاقات، و ما تخلقه دينامكيتها من تحولات تضمن وحدة النص وانسجامه، و تستدعي
إعادة التفكير في مكونات النص ككل سواء أعلى
مستوى المضامين أم على مستوى الأدوات المقالية الخطابية المعتمدة في بنائه.
وعليه، فإن هذه الاستراتيجية التركيبية بخصوص المعالجة الإجرائيةللنصوص الفلسفية
تسهدف في مرحلة أولى الكشف عن مكونات النص الصريحة و الضمنية (الدراسة المنظمة للنص)
، والعمل في مرحلة ثانية على بيان قيمتها (بيان القيمة الفلسفية للنص و ما إليه
...) ،والعمل في مرحلة ثالثة على مناقشة النص حسب مطلب سؤال المناقشة المرافق للنص ....
2 _ مستوى المقتضيات البيداغوجية و الفلسفية للامتحان في مادة الفلسفة : وهي مقتضيات من منطلق التصور العام الذي
يصدر عنه تعليم الفلسفة تؤكد على ضرورة وجود علاقة استمرارية بين درس الفلسفة و
الامتحان عبر مستويات تتحدد في المهارات و الأدوات المنهجية، و في الكفاءة النظرية
و طرق الامتحان، أي في منطوق السؤال..، بحيث لاتأتي صيغ الامتحان مفاجئة للممتحنين
من التلاميذ (آت) ولا تطلب منهم (هن) ما لم يقوموا (ن) به خلال ما تعلموه (نه) في
أقسام تدريسهم (هن) .. ، كما أنها
مقتضيات ترى أنه لابد من وحدة تسري على طرق العمل بحيث يكون الامتحان استجابة
للدرس، كما يكون ممارسة تهيئ و تمهد له . و هو بذلك يأخذ شكل تقويم السلوكات
الأساسية لعملية التفكير _فلسفيا
_ من قراءة وفهم وتحليل (أشكلة وغيرها) و مقارنة وتركيب و نقد..، كما ينصب على
المعرفة التي تمثل المحتوى لممارسة تلك السلوكات....، و مستوى تركيب العملية
الذهنية المطلوبة من خلال المحتويات ، و تحليل مفهوم أو مجموعة مفاهيم .
واضح إذن ، أن ما تؤكد عليه هذه المقتضيات المشار إليها أعلاه هو ما يفسر
بيدغوجيا هنا بتحديد الهدف من الامتحان ، وحسب هذا التأكيد فإن الهدف يتحدد في
قياس السؤال _ أداة الامتحان
_ لمدى تحقق أهداف التعليم ، وبالتخصيص الأهداف الخاصة بوحدات المقرر الدراسي، و
هي أهداف ينتظر من الممتحنين من التلاميذ (آت) الكشف عن مستويات تحققها لديهم (هن) باتباع مراحل معينة في إنجاز الامتحان من
مقدمة و عرض و خاتمة، يمارسون (ن) من خلالها أنشطة ذهنية متفلسفة، أي يمارسون (ن)
أفعال أو آليات التفلسف ممثلة بكيفية عامة في الأشكلة و المفهمة و الحجاج ... ، و
يكشفوا (ن) عن ذلك كله من خلال توظيفهم (ن) الإجرائي للمحتويات المعرفية المناسبة
عبر تلك المراحل و بواسطة تلك الأنشطة الذهنية المتفلسفة ، ليبرزوا (ن) مدى فهمهم (ن) لمضمون السؤال في
صيغته التي تم اختيارها في الامتحان، و مدى قدرتهم (
هن) على استثمار معطيات النص في إنجازهم ( هن) للإجابة عن السؤال، واستعمالهم
( هن) الفلسفي للغة ، و مدى أيضا قدرتهم (
هن) على ترجمة كل ذلك إلى كتابة متفلسفة
.
وتجدر الإشارة هنا ، إلى ضرورة الحرص على عدم تضمن الامتحان لما من شأنه أن
يغني التلاميذ (آت) عن الرجوع إلى النص أوالانطلاق منه ، ما دام الهدف من الامتحان
هو قياس ما تحقق لدى الممتحنين (آت) مما تعلموه (نه) على مستوى الكتابة
المتفلسفة على صيغة النص للتحليل المناقشة
...
وعلى العموم فإن ما ينبغي أن يتوفر بيدغوجيا و دوسيمولوجيا في الامتحان يتلخص
في شروطه الكلية الممثلة في معياري الصدق و الصلاحية أساسا ، أي أن تصاغ الأسئلة
في الصيغ المعتمدة في الامتحان بكيفية و اضحة و دقيقة لاتدع مجالا للتأويل أو
الاختلاف في فهمها ، و تكون متضمنة للأفعال السلوكية و الكفايات المراد قياسها لدى
التلاميذ (آت) في الامتحان ، وفي ذلك يكمن صدقها
....
أما عن صلاحيتها فتكمن في مدى قدرة الأسئلة امتحان مادة الفلسفة على قياس
الأهداف المراد اختبار مدى تحققها ، و في تضمن أسئلة الامتحان لحد من الصعوبة يسمح
بالتمييز بين التلاميذ الممتحنين (آت) ، و الكشف عن
الفروق الفردية بينهم (ن)
تبعا لدرجة تحقق الأهداف لديهم (هن) ، و في مراعاة
تناسب مستوى وضع أسئلة الصيغ المعتمدة في الامتحان مع مستوى التلاميذ (آت) ، و مع
المدة الزمنية المخصصةلإنجازالامتحان، والصعوبة المطلوبة في تلك الأسئلة.
_3:مستوى الكتابة المتفلسفة لدى التلميذ/ة :
إذا كان تعليم و تعلم الفلسفة، حسب التصور العام الذي يصدر عنه ، يؤكد على
اعتبار الامتحان الوطني هو أحد أشكال التقويم الإجمالي في مادة الفلسفة ، وإذا كان
كذلك تعليم و تعلم الفلسفة يؤكد على العلاقة الاستمرارية بين درس الفلسفة
والامتحان، بحيث لا يأتي هذ الأخير في صيغه الثلاث مفاجئا للتلاميذ(ت)، و لا يطلب
منهم (هن) ما لم يقوموا (ن) به خلال تعليمهم (هن) و تعلمهم (هن).، فإن كتابة
التلاميذ (ت) المنتظرة في الامتحان تبعا لذلك تقتضي المزاوجة بين دراسة النص و
الإنشاء الفلسفيين، الشيء الذي يعطي لهذه الكتابة شكلها الخاص المميز لها عن أشكال
الكتابة في مادة أخرى غير الفلسفة، ويجعل منها كتابة تعكس بالفعل العلاقة بين
الامتحان و درس الفلسفة، وتحقق بعمق استجابة الامتحان لدرس الفلسفة، كما تؤكد
توجيهات النظام التعليمي للفلسفة على ذلك.، غير أن هذا لا يعني أن مهمة الكتابة في
الفلسفة التي نقصدها هنا هي تلك المهمة التي تركن إلى إعادة الدرس، و في اجترار
خلاصات نتائج دراسة محتويات نصوص المقررالدراسي للفلسفة . لأن مهمة كهذه لم يعد
لها ما يبررها مادام الدرس في وضعه الراهن ضمن النظام التعليمي للفلسفة لم يعد هو
مجال ممارسة المنطق الخاص فقط بمادة الفلسفة، التي يتعين تبليغها و تلقينها ،
وإنما هو مجال الممارسة البيداغوجية لمدرس الفلسفة، ممارسة بنفسها متفلسفة، إذ أن
الأمر لم يعد يتعلق بالنسبة إلى مدرس الفلسفة _ ما أمكن على الأقل _ بالحديث عن
الفلسفة و الفلاسفة ، بل بأن يكون حديثه و فعله متفلسفين
.
لعل التعبير المستعمل هنا قد يبدو غامضا، إلا أنه لايعني فقط سوى البحث
بالنسبة إلى الفلسفة عما ألفنا بتسميته حاليا ب/ "بيدغوجيا التعلم" المتمركزة حول النشاط المشترك للتلميذ (ة)
و الأستاذ (ة) عوض "بيدغوجيا التعليم" المتمركزة حول المنطق الخاص فقط
بمادة الفلسفة التي يتعين تبليغها كما تقول بذلك أستاذة الفلسفة الباحثة الفرنسية
"فرانس رولان" في كتابها اليقظة الفلسفية". (3)
وهكذا ، و تبعا لذلك فإن مجال الكتابة المنتظر في ا لامتحان سيكون بدوره هو
مجال ممارسة النشاط المتفلسف، فتذوب بذلك الهوى بين الدرس و الكتابة ..
و الجدير هنا ، في استعمال "عبارة النشاط المتفلسف"، الإشارة إلى
التمييز في ذلك بين تعبيرين : "الإبداع الفلسفي" و" النشاط
المتفلسف"، فالتعبيرالأول يحيل على أولئك الذين نسميهم بالفلاسفة ، فحين أن
التعبير الثاني يشير إلى النشاط المنتج التفكيري للتلميذ
.
وإذا صح هذا ، فإن ما يعزز الحديث عن كتابة تزاوج بين بعض مقتضيات دراسة النص
و الإنشاء الفلسفيين و تركب بينهما، هو وجود قرابة بينهما و عدم اختلاف المنهج في
كل منهما ، و لأنهما يحيلان معا على وحدة المشروع الفلسفي
...
فما يهم إذن في دراسة النص الفلسفي ليس هو أن نعلن بالصدفة دون سابق تفكير و
دون اتباع قواعد مختلف حجج كاتب النص بتفاصيلها ، ولكن أن نصف كيف تتمفصل الأفكار
وتبنى، و هذه المنهجية تذكر في كثير من مظاهرهابالمنهجية المعتمدة في الإنشاء
الفلسفي. ، ذلك أن الصياغة الجيدة للإنشاء الفلسفي تقتضي أن ننطلق من إشكال عناصره
محددة ، والعلاقات بين تلك العناصر واضحة، و أن نسير موجهين بفكرة مركزية خلال
العرض كله ، و ملتزمين بمنطق صارم
...
و هكذا تبدو الطريقة من زاوية معينة مشابهة للطريقة المعتمدة في الإنشاء
الفلسفي، و هذا التشابه لاينبغي أن يفاجئنا ، فالفلسفة تشكل كلا ، إنها تشكل نمطا
من التساؤل الصارم، و سعيا أداته المفاهيم الذي تجسده كل مظاهر التفلسف ...
تقول أستاذة الفلسفة والباحثة في ديداكتيك الفلسفة الفيلسوفة الفرنسية
"جاكلين روس" J. Russe في كتابها
"المناهج في الفلسفة"
:
"إن التمرينين : دراسة النص و الإنشاء الفلسفي يتكاملان...ويصلحان لقياس نفس مقتضيات
الكتابة في الفلسفة، فالأمر يتعلق دائما بالتساؤل عن إشكال ، و بناء تحليل صارم
وحجاج منسجم يمكنه أن يقود إلى خلاصة مبنية كتعبير عن حرية في الحكم . فهذا العمل
يتمفصل بالإضافة إلى ذلك في دراسة النص ، و ذلك عند تفسيره الذي يقتضي إبراز توجهه
وأطروحته و حججه ...
فإذا كان تصميم الإنشاء الفلسفي _ينقسم إلى ثلاثة أقسام
(مقدمة و عرض و خاتمة) _، فإنه يقتضي قبل كل شيء أن يكون منسجما ، و أن يستجيب
لمتطلبات البرهنة الصارمة و الواضحةفإن دراسة النص _ و إن كانت تمنح التلميذ مرونة
أكثر في التنظيم _ تقتضي التزام نفس متطلبات الصرامة و الوضوح عند البرهنة. "
(2)
4 : مستوى الرصيد المعرفي الفلسفي للتلميذ :
إذا كان تعليم الفلسفة في نظامنا التعليمي، من خلال منهاجه ومقرراته واتجاهه
البيداغوجي و كتبه المدرسية في تصورها و بنيتها ، يهدف بالأساس إلى تعليم فعل
التفلسف بكل ما يعنيه من أشكلة ومفهمةوحجاج، ومعرفة دقيقة بالمكونات
الإبيستيمولوجية للنص الفلسفي ، و منها مقتضيات الفكر التحليلي النقدي، لأن ذلك
شرط الفهم السليم للفكر الفلسفي المنتج لكل تلك الأدوات و تحويلها إلى التلميذ ، لتصبح
أداة إنتاج فكري لديه .، علما أن تعليم التفلسف ليس فعلا ذاتيا إبداعيا ، بل هو
نشاط قابل للفهم و الاستيعاب و التعقيد و التحويل . وإن تحليله للوقوف على مكوناته
_ لكن في إطار الكل دائما _ يمكن أن يساهم في تأسيس قراءة واعية للفكر الفلسفي . (4(
وإذا كان الاعتماد على النص كمادة معرفية في الدرس و نهج مقتضيات المعالجة
الشمولية في دراسته يكون من نتائجه استيعاب المكونات الإبيستيمولوجية للفكر
الفلسفي و مقتضيات الفكر النقدي .، وكان امتلاك الرصيد المعرفي الفلسفي ، و كيفية
استعماله عنصرا من عناصر الاستراتيجية الديداكتيكية التي ينتظر اعتمادها لتعليم
الفلسفة وتعلم فعل التفلسف .
وإذا كان الرصيد المعرفي الفلسفي يقصد به عناصر المعلومات و التفكير النقدي
المستوعب خلال الدراسة و عبرها في إطار درس الفلسفة و القراءات التي يستلزمها .
وإذا كان كل ذلك كما هو ، فإن الخطاب التشريعي لتعليم الفلسفة يعطي بدوره
أهمية بالغةللرصيد الفلسفي في درس الفلسفة ، بل إنه يضع خطة لاستيعابه و تحويله
إلى التلميذ ليصبح أداة إنتاج فكري نقدي لديه ، وهي خطة تؤكد من جهة على إدراج
الرصيد المعرفي الفلسفي في العمليةالتعليمية التعلمية للفلسفة ، وتخصيص مدة زمنية
محددة لإنجاز مقتضياته إلى جانب إنجاز المقرر الدراسي للفلسفة،و من جهة أخرى تؤكد
على اتباع طريقة في الإنجاز ، طريقة تقوم أساسا على تفسير مكونات الرصيد المعرفي
الفلسفي ، أي تفسيرمجموع آليات /أفعال التفلسف أو مهارات الكتابة في الفلسفة كما
جاء في عبارة المشرع ، أي كما جاء في المذكرات المنظمة لتدريس الفلسفة .، إضافة
إلى إجراء التمارين و الأمثلة الممكنةمن توضيح و استيعاب تلك المكونات ...
و تجدر الإشارة هنا ، إلى أن أهم تلك المكونات _ أي آليات أو أفعال التفلسف ، أو المهارات أو القدرات أو الكفايات بتعبير المشرع _ تتحدد في التعريف بجملة المفاهيم الأساس التي تستخدم في دراسة النص ، و في الكتابة في امتحانات مادة الفلسفة بمختلف صيغها الثلاث(النص للتحليل و المناقشة / القولة السؤال / السؤال الإشكالي المفتوح )، و في المراقبةالمستمرة، و هي : القضية أو الموضوع ، السؤال، الإشكال، الإشكالية ، الأطروحة ، الحجة ، البرهان /البرهنة ، الدليل ، المثال ، المقارنة و التشبيه ، استعمال التقابلات المفاهيمية /أو العلاقات بين المفاهيم ، القيمة الفلسفية) L'intérêt Philosophique , التفنيد Réfutation ، النقد Critique ،التحليل التاريخي .....
الملاحظ أن الخطة التي يدعو إليها المشرع وإن كانت لاتخلو من أهمية من حيث
تأكيدها على العلاقة بين الرصيد المعرفي الفلسفي و العملية التعليمية التعلمية
للفلسفة ، و على شروط إنجاز ذلك الرصيد ، فإنها تبقى على الرغم من ذلك خطة محدودة
، و لا ترقى إلى الخطة الشموليةالمعقلنة الكفيلة باستيعاب الرصيد المعرفي الفلسفي
و تحويله إلى التلميذ ، و ذلك لعدم إعلانها و تعيينها على الأقل للأهداف التي يمكن
اعتمادها في تحقيق ذلك الاستيعاب
.
وإذا صح هذا ، و حتى يمكن الوقوف على خطة شمولية و معقلنة تسد الفراغات التي تركها المشرع ، نشير إلى وجهة النظر البيداغوجية _ الفلسفية في الموضوع للفيلسوف الفرنسي "هنري بينارويز" Henri) Péna_Ruiz ) 5
مركزين بالخصوص على أهم الأهداف الأساسية التي تقترحها هذه الوجهة من النظر بصدد ذلك، وهي : _ تحديد المفاهيم المفتاح، لأنها تشكل الحد الأدنى من المفاهيم لتحقيق خطة فلسفية.، فتحديدها بمعرفة طبيعة عناصر المحتوى (6) والعمليات المطلوبة بكيفية وجيزة و واضحة، بالإضافة إلى مستويات التفكير وأنماط التحليل التي ينتظر العمل على تطويرها ، و ذلك لوضع حد للألفاظ الفضفاضة التي تحجب فراغ المحتوى .
_ تحديد خلاصات منهجية تبين كيفية تسخير تلك المكتسبات في إطار ديناميكي منطقي .
_ تقديم أمثلة من إنتاج الفلاسفة كنماذج لتوضيح تلك التوجيهات المنهجية
لتمثيليتها وتنوع مجال تدخلها(7).
و في هذا الإطار نحيل على العمل البيداغوجي _الفلسفي للفيلسوف
"هنري بينارويز" ضمن كتابه :"Philosophie
:Exemple Exércices_Dissertation. الذي نعتبر تناوله و مقاربته لجملة
أساسيات المفاهيم المفتاح في الاشتعال على النص بمثابة دليل عملGuide du travail يترجم إمكانية تحقيق
تلك الأهداف المشار إليها التي تعتبر في نظرنا أساس كل خطة شمولية لاستيعاب الرصيد
المعرفي الفلسفي و تحويله إلى التلميذ ليصبح أداة إنتاج فكر نقدي لديه . هذا
بالإضافة إلى قيمته ( أي قيمة استيعاب الرصيد المعرفي الفلسفي) كأداة إجرائية في
عقلنة دراسة الخطاب الفلسفي ، و التعريف بمكونات النص الفلسفي و مقتضيات المعالجة
الشمولية له و مستلزمات الكتابة المتفلسفة ، و إنتاج دلائل تصحيحها و تأسيس معجم
وصفي تفسيري نقدي لمكوناتها ، فمن تمييز القضية /الموضوع إلى التمييز بين السؤال و
الإشكال و الإشكالية و الأطروحة ، و من تمييز جوانب قيمة أطروحة معينة إلى التمييز
بين جوانب النقص التي يمكن الكشف عنها وإلى وسائل الكشف عن ذلك ، هذا فضلا عن
الحديث التفسيري النقدي عن وسائل الإثبات من البرهنة إلى الدليل، فإلى الحجة و
المثال و التقابلات المفاهيمية و التفنيد و النقد و التحليل التاريخي .
5 : مستوى سلم التنقيط في دليل التصحيح :
إن اعتماد سلم التنقيط
في دليل التصحيح يشكل عنصرا له قيمته البيداغوجية في بناء الدليل،
بناء يوفر درجة كبيرة من الموضوعية في عملية التصحيح ، لأنه بدون عمل التفكير
المكمم الذي يشير فيه سلم التنقيط على المصححين في التعامل مع الإنجازات الكتابية
للتلاميذ(ت)واستحققاتهم (هن) في الامتحان ، فإن دليل التصحيح يبقى غير ذي قيمة
عملية أو وظيفية فعالة في عملية التصحيح
.
إن الموضوعية ليست الخاصية الوحيدة لدليل التصحيح ، ولكن البحث عنها عمل مجد
في كل الأحوال، فخلال كل امتحان يتم إعداده يتم إعداد سلم للتنقيط في دليل تصحيح ،
أي إذا كان التصحيح يرتكز على سجل من التوجيهات العامة و المعايير و عناصر
الإجابات التي يتوجب مراعاتها في عملية التصحيح، فإنه بدون إعداد سلم للتنقيط
مطابق لذلك السجل ، فإن دليل التصحيح لن يكون إلا عملا خارج البحث المجدي عن
موضوعية الدليل .
إن سلم التنقيط تبعا لذلك يشكل في بناء دليل التصحيح قاعدة وازنة كأداة و كعملية قياس تعتبر النقطة ضمنها "وحدة القياس اصطلاحا". هذا بالإضافة إلى أن سلم التنقيط الذي ينحو منحى التكميم من شأنه أن يحقق عدالة تقديرية لإنتاجات التلاميذ (ت) في امتحانات الفلسفة، حيث تكون النقطة بموجبه مقابل الاستحقاق أمرا ممكنا . علما أن سلما تنقيطيا مكمما يتوخى اختيار التصحيح "التحليلي Analytique" أوالذري انطلاقا من مبدإ النظرية الترابطيةالسيكولوجيةAssociationisme Psychologie القائل : "بأن مجموع العناصر يعد مساويا للكل" من شأنه عند تطبيقه أن يوفر إمكانية أكبر من الموضوعية في التصحيح .، فضلا عما له من انعكاس إيجابي على واقع كتابة التلاميذ (ت) في امتحانات الفلسفة، على العكس تماما من جور سلم التنقيط الكلي أو الإجمالي القائم على مبدإ نظريةالجشطلت السيكولوجية Géstal Psychologie القائل : " بتجاوز الكل لمجموع عناصره "، أو "أن مجموع كل الأجزاء أقل من أداء الكل " ...
6 _ : مستوى الأطر المرجعية المنظمة
لموضوعات الامتحان في الفلسفة : يعتبر الامتحان في الفلسفة شكلا من
أشكال تقويم الحصيلة التعليمية التعلمية للتلاميذ/ات) خلال امتحانات البكالوريا ،
و بعبارة المشرع (أي منطوق نصوص الأطر المرجعية) تعتبر الامتحانات في البكالوريا
مطابقة لما اصطلح عليه بالتقويم الإجمالي الهادف إلى تقويم الحصيلة النهائية
لمرحلة تعليمية ... (و المقصود هنا مرحلة التعليم الثانوي )
و منذ سنة 2003 صدر قرار و زاري بإحلال الامتحان الوطني الموحد و بإشراف لجنة وطنية مركزية من المفتشين لإعداد موضوعاته ، محل الامتحان الجهوري الذي نظمته الأكاديميات الجهوية منذ سنة 1987 بإشراف لجن المفتشين المكلفين بإعداد ووضع موضوعات الامتحان الجهوي ....
و انطلاقا من سنة 2007 سيعرف تعليم الفلسفة مقررا جديدا من وضع مديرية البرامج و المناهج و المفتشيات المركزية ، كما سيعرف أيضا إقرار كتب مدرسية جديدة من إنتاج لجن حرة و مستقلة في تأليفها الفلسفي المدرسي . علما أن هذا المقررالجديد للفلسفة سيتخذ من الكفايات وسائطه البيداغوجية ، و من التدريس بواسطة النصوص الفلسفية محتوياته وديداكتيكه، ومن المجزوءات و المفاهيم عناصر بنائه، و من تحيين وتنقيح نص المذكرة رقم:133/04أداته المنهجية في صيغة أطر مرجعية منظمة لمقتضيات إعداد موضوعات الفلسفة في الامتحان الموحد ، و كيفية الكتابة في شأنها، وحتى في عملية تصحيحها .
وفي هذا السياق ستستقر صيغ موضوعات
امتحانات الفلسفة في البكالوريا ، و كذا في المراقبة المستمرة في الوضعية التي هي
عليها الآن ، لامن حيث أهدافها ولا من حيث طبيعتها و كمها المحدد في الصيغ الثلاث
(النص للتحليل و المناقشة، و القولة السؤال ، و السؤال الإشكالي المفتوح ) و هي
صيغ وإن كانت سارية المفعول منذ ما قبل سنة 2007 ، إلا أنها كانت من جهة تعرف بعض
التعديلات و التغييرات في طبيعة الأسئلةالمرفقة بالنص من قبيل صيغة النص بالنسبة
إلى مستوى السنة الثالثة علمي التي
كانت ترفق بسؤال مركب من مطلبين : يحيل الأول على داخل النص ، وينفتح الثاني على
خارج النص ، أما بالنسبة إلى مستوى السنة الثالثة أدبي فكانت صيغة النص ترفق بسؤال
إشكالي في مطلبه، ومن جهة أخرى كان هناك تغيير على مستوى اختيار الصيغ في موضوع
امتحان الفلسفة،
فبعدما كانت لجنة إعداد ووضع موضوع
الامتحان هي التي تختار صيغة واحدة من الصيغ الثلاث وتقررها في الامتحان، أصبحت
هذه اللجنة تقرر الصيغ الثلاث _ منذ إقرارالعمل بالامتحان الوطني الموحد _ و تترك
للتلاميذ (ات) حق اختيار صيغة واحدة من الصيغ الثلاث المقررة للكتابةفي الامتحان.
الجزء رقم (12) و الأخير من الموضوع المتعلق ب / دليل
التصحيح .... من منظور شمولي.
وهكذا كان تاريخ امتحان الفلسفة في
البكالوريا، تاريخ تعديلات و تغييرات يمكن تسميته من خلالها بتاريخ تجريبي، تاريخ
تم فيه تجريب العديد من الفرضيات المتعلقة بصيغ أسئلة الامتحان كشفت عما فيها من
مطعن ، نتيجة ما أثارته من صعوبات ديداكتيكية_ تقويمية لم تكن معها تلك الفرضيات
كافية لتجاوزها ....
والسؤال الإشكالي الذي يطرح هنا:
هو : هل نتائج امتحانات الفلسفة تعكس ما يبذله الأساتذة(ات) من مجهودات من أجل تطويرها و تحسينها ، أم أنها تتعلق بطبيعةالمقررات الدراسية ، وما تخضع له من توجيهات ديداكتيكية و بيداغوجية و مؤسساتية ، أم أن عدم تحقيق تعليم
الفلسفة لأهداف الفلسفة ، باعتبارها أداة تفكير بالفكر والعمل، لامجرد مادة لمعرفة الفكر من المعرفة ، أم أن مستوى القراءة لدى التلاميذ(ات) و رصيدهم (ن) المعرفي لايساعد على تعزيز تعليم وتعلم الفلسفة ؟؟؟
إن من يفكر داخل هذا الإشكال و يعتقد بأن حله يتم عن طريق تعديد و تنويع صيغ الامتحان، و تمكين التلميذ(ة) من حرية اختيار صيغة الامتحان في الكتابة المناسبة له، مع الالتزام بالمقتضيات المطلوبة في الكتابة، كما اوصت بها المذكرة المنظمة رقم 159.( 8 )إن من يعتقد بأن ذلك يشكل حلا لما يواجهه التلاميذ(ات) من صعوبات الكتابة في الامتحان، و يعتقد أيضا أنه يضع حدا لمعاناة أساتذة الفلسفة أنفسهم من عدم تمكنهم(ن) في الظاهر من الارتقاء بكتابة تلامذتهم(ن) إلى مستويات عليا.
إن من يعتقد ذلك، فهو واهم، لأن تجاوز
صعوبة الكتابة في امتحان الفلسفة ككتابة متفلسفة لن يتحقق عبر قرارات إدارية
تترجمها مذكرات توجيهية لصيغ موضوعات الفلسفة في الامتحان، و تعديدها و تنويعها، و
بيان المقتضيات المطلوب في الكتابة في شأنها، إنما يقتضي الرجوع إلى تعليم الفلسفة
في إطاره الأشمل من مدخلاته إلى مخرجاته ....
هذا وإذا كان نظام تعليمنا للفلسفة قد اختار التدريس بواسطة الكفايات، وهي بيداغوجيا تنتقل بنامن مستوى تعلم الأفكار الفلسفية ، إلى مستوى التفكير بالأفكار والعمل بها،فهل ترقى موضوعات الفلسفة في امتحانات البكالوريا في صيغها الثلاث إلى اختبار قدرة التلميذ (ة) الممتحن(ة( على تعبئة مكتسباته المختلفة في حل إشكالات جديدة، أم أن الإشكالات التي تطرحها موضوعات الفلسفة في امتحان البكالوريا وينتظر من التلاميذ(ات) الإجابة عنها إن هي إلا الإشكالات المتناولة في دروس المقررالدراسي، و يكفي الاستظهارلتقديم الإجابة عنها ..... وهذا ما أكده و قصده أحد النبغاء_ ممن مارسوا الدرس الفلسفي ، وخبروا الامتحانات في إعداد ها ووضعها،وألفوا الكتب المدرسية ، وشغلوا منصب الأستاذية كمدرس للفلسفة بالتعليم الثانوي ، و كمفتش تربوي وكأستاذ جامعي للفلسفة _ حينما قال : " أعتبر أسئلة الامتحان التي تطرح من داخل ما درسه التلميذ (ة) في المقرر الدراسي ، تجعل التلميذ (ة) تحت رحمةصاحب الكتاب المدرسي ، و تحت رحمة من يضع السؤال في الامتحان" (9) وأخذا بهذا الاعتبار سيكون تعليم الفلسفة بعيدا عن بيداغوجيا الكفايات، و بعيدا عن تعليم فكر فلسفي نفكر ونعمل به، فكر يكون أداة إنتاج فكر جديد يبرز معه المجهود الشخصي المطلوب في الكتابة . وإذا تقرر هذا فمعنى ذلك من جهة أن قطيعة فعلية ينتظر أن تتم مع أشكال الامتحانات التي تكرس الاستظهار و الغش ، ومن جهة أخرى فإنه ستصبح للفلسفة _ باعتبارها ذلك الفكر الذي نعرفه و نفكر ونعمل به _ مكانة متميزة في نظام امتحانات البكالوريا في الفلسفة .
واضح أن تغييرا بهذه الكيفية في امتحانات الفلسفة يعتبر أمرا ليس بالسهل، و لكنه ضروري، فهو يتطلب قدرا كبيرا من الجرأة ، وإن كان غيابه يشكل مصدر معاناة للجميع . وفي تصورنا المتواضع أن جرأة البداية ، و الشروع في التغيير تقتضي الجرأة في التخلص من كل وصاية في وضع المقررات المدرسية وصيغ الامتحان ومضامينها ، و الالتزام بثقافة الفلسفة، ثقافة فكرىنعلمه و نتعلمه لنفكر و نعمل به بعد أن نشتغل عليه ، و ذلك شرط لنتجاوز الاستظهار والاسقاط ونثر النصوص، والكتابة الاحتجاجية والمسفة و الغش،وهو ما ينبغي أن يميز كل كتابة متفلسفة أسواء في إنجازالدرس_كمراقبة مستمرة، أم في إجابات التلاميذ(ات) في الامتحان ...ذلك ما ينبغي أن يكون، وشتان بين ما ينبغي أن يكون و ما هو كائن، فما هو كائن استظهار، و إسقاط إجابات، و نثر نصوص، وأخطاء لغوية ، وسطحية و تفكك في التعبير عن الأفكار، والكتابة الإحتجاجية والغش، وهي كلها علامات ضعف يعترف بها الأساتذة عبر تقديراتهم (ن)المتدنية لكتابةالتلاميذ(ات) الضعيفة ...
إن صعوبة الكتابة المتفلسفة لدى التلاميذ في امتحانات البكالوريا _ إن لم نقل أزمة هذه الكتابة _ و إن كانت بشكل مباشر ذات علاقة بما هو ديداكتيكي _ تقويمي ، فإنها بشكل غير مباشر ذات علاقة وثيقة بالثقافة المدرسية في مجتمعنا ، و علاقتها بأشكال الثقافة التي تتوزع التلميذ في الأسرة، و في المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وفي وسائل الإعلام ، وفي مجتمع الشباب ، و هي أشكال تجعل التلميذ أمام استعمال لغات مختلفة داخل نفس اللغة التي يتكلمها ، و أمام مبادئ مختلفة تتأرجح بين العقلانية و اللاعقلانية، و أمام استيعاب الثقافة المدرسية، و هي ثقافة لغتها العالمة، ومنطقها هو المنطق العقلاني الذي تكون معه كل الأفكار والمواقف و النتائج قابلة للتفسير العقلي،ومفاهيمها هي المفاهيم العقلانية التي انتهى إليها الفكر البشري عبر تراكمه التاريخي،مفاهيم تم بناؤها و التفكير فيها ، وأصبحت أداة للتفكير و العمل بها. إنها ثقافة زمانها في الظاهر، زمان ثلاثي الأبعاد : ماض و حاضر و مستقبل ، وفي العمق ثقافة زمانها متفاعل الأبعاد : فيه ماض يساهم في صناعة الحاضر، وفيه في نفس الوقت حاضر يغير من قراءتنا للماضي نفسه، وفيه مستقبل، أوعلى الأقل تصورلمستقبل يؤثر على استعمالنا لحاضرنا ، وعلى قراءتنا لماضينا .أما ثقافة التلميذ فهي ثقافة المباشر،ثقافة الآن L'instant ، و ثقافة الاستهلاك و المتعة المباشرة، وثقافة تراجع (بفتح التاء)التركيز والجهد لفائدةالسطحية و القفز، وبالتعبير الغربي"ثقافة الزابين Zapping".بهذا المعنى تكون الثقافة المدرسية مهددة بعائق خطير يحول دون استيعابها ، و دون التفكيروالعمل بها، وهو مايكشف أن التلميذ في مجتمعنا، يعيش تمزقا ثقافيا ينذر بانهيار ثقافي لفائدة الآن،والاستهلاك والمتعة المباشرة..... صحيح أن قبول التعدد و الاختلاف والانفتاح على ثقافات الغير ، هي مطالب نحن مدعوون جميعا إلى قبولها و فهمها و تفهمها ، إلا أن ذلك ينبغي أن يتم داخل مبادئ تشكل قاعدة لكل تلك الثقافات رغم تعددها و اختلافها في الظاهر ، أما التوزع الثقافي الذي يهدد الثقافة المدرسية ، و يؤدي إلى هيمنة ثقافة الآن و الاستهلاك و المتعة المباشرة، فهو توزع ثقافي ينذر بانحسار الثقافي، وفيه إعراض عن أغلب ما انتهى إليه الفكر البشري من مكتسباته، و العجز عن التفكير فيها، والتفكير بها والعمل بها والقفز عن حلقات هامة من تاريخ الثقافة البشرية قفزا يفسر وصف ثقافة البعض بثقافة " Zapping "،ثقافة نعجز معها على استيعاب التفكير و العمل به . وإذا صح ذلك، فإن مفهوم الحق في الاختلاف و التعدد ، وتفهم كل ذلك يحتاج إلى مراجعة على ضوء فكر نقدي وقائي توقعي يقنعنا بضرورة الحرص على وحدة مبادئ الفكر ، و مشروعية التعدد و الاختلاف في التفكير . ولكن داخل تلك الوحدة، ليكون الحوار ممكنا،والتقدم عبر ذلك الحوار محققا ... وإننا حين نجرؤ على التأكيد من خلال نظامنا التعليمي ، و من خلال امتحاناتنا صراحة و ضمنيا بأننا نتطلع و نكافئ القادر من التلاميذ على استيعاب الفكر،والتفكيروالعمل به_حين نفعل ذلك_ نساهم في وضع حد لثقافة الاستظهار و إسقاط الإجابات والمتعة المباشرة وثقافة تراجع التركيز و الجهد لفائدة السطحية ، و الغش.، مساهمة يكون لها دور في وقف تراجع تفكير تلامذتنا إلى مستوى يعجزون معه عن التفكيروالعمل بما راكمه الفكرالبشري من مكتسبات معرفيةو منهجية وتواصلية .... تلك كانت جملة هامة من مبررات اقتراح دليل تصحيح موضوعات الفلسفة في امتحانات البكالوريا....
و بناء عليه، تقودنا خلاصة هذا الموضوع _ أي دليل التصحيح من منظور شمولي يتعلق بامتحانات الفلسفة لصيغة النص للتحليل والمناقشة _إلى القول بأن اقتراح هذا الدليل بكل مكوناته الكلية و الموضوعية يؤكد تصوره لجملة من المفاهيم المؤسسةله و المبررة لبنائه كبناء يقوم على وعي بطبيعة الكتابة المتفلسفة المطلوبة من التلميذ (ة) ،وموقعها ضمن أشكال الكتابة الفلسفية التقويمية، و التعليمية _ التكوينية ، وعلى حرص تجسيد الانسجام و التماسك بين الشروط الشكلية و الموضوعية .، ويبقى اعتماد هذا الدليل على مستوى الممارسة و البحث في نتائجها معيارا أو محكا اختباريا لتأكيد مدى صلاحيتة كأداة لتحقيق وحدة القياس، وتجاوزالاختلاف لما يتضمنه اعتماده من تنظيم وعقلنة لفعل الكتابة المتفلسفة من جهة، و عملية قياسها أوتصحيحها من جهة أخرى، وهو ما يعلن و يبرز وصفه بدليل التصحيح الشمولي .....
الهوامش :
1_Michel Gourinat / Guide
de la dissertation et du commentaire
compose en Philosophie /Ed, Hachette Université , Paris :1976.
France Rolin / L'éveil Philosophique
_apprendre à Philosopher /Ed, Unapec _Paris:1982.
Frédérc Cossuta /Éléments pour La
lécture des textes
Philosophiques /Ed, Bordas _Paris:
1989.
Bérnard Sève /Exircices
Philosophiques /Ed, Hachétte Université_Paris : 1980.
2_France Rollin / L' éveil
Philosophique _P: 29
3_ Jacqueline Russ /Les méthodes en
Philosophie /Colléction Curcus , série Philosophie /Ed, Armant Colin _Paris
1992 : PP: 15o,151.
4 _ Henri Péna _ Ruiz /Philosophie :
Exemple _Exércices _Dissertation /Éd, Bordas _ Paris : 1986 : P : 177.
5 _ Henri Péna _Ruiz Philosophie
:Exemple_Exircices_Dissertation/ Éd,
Bordas _Paris : 1986.
6 _ 7 Ibid : P : 179.
_ 8 المذكرة الوزارية رقم 159 بتاريخ 27
دجنبر 2oo7 _ في موضوع : الأطر المرجعية لموضوعات
الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا :مادة الفلسفة .
وقد حينت منقحة بتاريخ 25 يونيو
2o14 في نفس الموضوع .
_ 9 د. "أحمد السطاتي" _"
حوار مع مجلة فلسفة _للجمعية المغربية
لمدرسي الفلسفة . العدد : 6 /1998
المطبعة المغربية إتقان " _سلا ،
المغرب . ص : 46 .
0 التعليقات:
more_vert