متى ينتهي الكلام عن الفلسفة على جهة الفرض والتقدير؟

التصنيف

 

متى ينتهي الكلام عن الفلسفة على جهة الفرض والتقدير بدل التفكير في عوائق أرضنتها؟

 





بمناسبة التدريس عن بعد،ما حظ الفعل الفلسفي  من الإلقاء المدرسي ؟

أتساءل، ما مكانة تغيير ذهنيات المتعلمين وتمثلهم لهذه الفلسفة أو تلك في الممارسة اليومية بعد رحلة السفر عبر تاريخ الفلسفة وحتى لا تكون مجرد " سياحة فلسفة"، أتساءل ماذا بعد انتهاء حصة من الدرس الفلسفة وعودت المتعلمين إلى بيوتهم والفضاءات العامة؟

بمعنى آخر متى ينتهي الكلام عن الفلسفة على جهة الفرض والتقدير بدل العمل على أرضنتها؟وهل بالفعل الفلسفة نخبوية في جوهرها وتمارس سلطة النقد نظريا في فعل التأمل الأكاديمي؟ وأنت الفيلسوف والباحث في مجال الفلسفة يكتبون للنخب أمثالهم ويستمتعون فكريا بالتواصل الفلسفي التأملي الأكاديمي في حلقات خاصة تستثني رهان التقدير الأسطوري للفلسفة في تغيير الذهنيات،وهنا المفارقة ، إذا كانت الفلسفة نخبوية فلماذا يتم تدريسها بالثانوي التأهيلي والجامعي؟ ما الموقف من الفلسفة في الزنقة والمقاهي الفلسفية وتمطلب تدريس التفكير الفلسفي للأطفال والجامعات  الفلسفية  الشعبية المفتوحة لكل الفئات ؟ باختصار نقل التفكير الفلسفي إلى الفضاء العمومي إذا سلّمنا بأن الفلسفة أو التفلسفة أو فعل التفكير الفلسفي ليس " ترفا فكريا "  يطلبه ويمارسه المشتغلون بالبحث الفلسفي؟لماذا يُحرج بعض الباحثين من تعميم الفلسفة وأرضنتها كما مارسها سقراط وأفلاطون في الجمهورية والقوانين وغيرها ...؟ سؤال بسيط : بأية غاية تُدرّس الفلسفة ؟ ولماذا افتقدنا إلى المدرس المناضل المُحرّك لتفكير ووجدان المتعلمين والمستفز لما يعتنقوه من دون تمحيص وتحليل ونقد؟وهل يمكن تطبيق رهانات المنهاج الفلسفي في مختلف ديباجاته التي تُلزم بانتقال ذهنية المتعلمين إلى عالم النقد والحداثة والانفتاح على الاختلاف وإتاحة الرشد الفكري والنضج الوجداني مع إمكانية تعلم وممارسة التفكير الحر ر ارتياح الباحث الفلسفي والمستقل والتخلص من سلبية التلقّي..... والبقية تعرفونها..

شتان بين التنظير وواقع الحال.وهذا يجرني إلى طرح  آخر سؤال : كيف نفس ارتياح الباحث الفلسفي المغربي في فضاء الندوات الأكاديمية والتأليف الفلسفي، لكن نفس الباحث هو مدرس جامعي أو مفتش تربوي ينزعج من فعل تدريس مادة الفلسفة وخاصة بالثانوي التأهيلي؟

جان بول سارتر :" تبدو الفلسفة للبعض وكأنها وسط متجانس تنشأ فيه الأفكار وتفنى، وتبنى فيه الأنساق لكي تنهار. ويعتبر آخرون أن الفلسفة موقف ما نكون دوما أحرارا في اتخاذه . أما .لغير هؤلاء، فتمثل الفلسفة قطاعا معينا من الثقافة. وفي نظرنا، فإن الفلسفة لا وجود لها، بأي صورة تفحصناها، فهذا الظل للعلم أو هذا الوجه الخفي للإنسانية ليس إلا تجريدا اقنوميا. وفي الواقع هناك فلسفات ، أو بالأحرى تتكون فلسفة ما في بعض الظروف المحددة بدقة لكي تجد فيها حركية المجتمع العامة تعبيرا عنها، ذلك انه لا يوجد أبدا في الوقت نفسه أكثر من فلسفة واحدة تكون حية - وطالما بقيت حية، فهي التي تصلح لأن تكون مناخا ثقافيا للمعاصرين لها. إن هذا الموضوع المحير يتبدى في الآن نفسه في مظاهر عميقة التميز يوحدها باستمرار.

إن فلسفة ما هي قبل كل شيء طريقة معينة تمكن الطبقة الصاعدة من الوعي بذاتها، وقد يكون هذا الوعي واضحا أو معتما، مباشرا أو غير مباشر. ففي عهد النبلاء الجدد و الرأسمالية التجارية ، تمكنت طبقة بورجوازية من الحقوقيين و التجار و أصحاب المعارف من إدراك بعض الجوانب من ذاتها بواسطة الديكارتية. وبعد قرن ونصف ، وفي المرحلة الأولى من التصنيع ، اكتشفت طبقة بورجوازية من الصناعيين والمهندسين والعلماء ذاتها اكتشافا غامضا في صورة الإنسان الكلي الذي قدمته الكانطية.

لكن لكي تكون هذه المرآة فلسفية بحق ، لا بد أن تكون تجميعا للمعرفة المعاصرة. فالفيلسوف هو الذي يقوم بتوحيد كل المعارف ، مسترشدا ببعض الرسوم التخطيطية الموجهة و التي تترجم عن مواقف الطبقة الصاعدة وتقنياتها إزاء عصرها وأمام العالم . وفي مرحلة لاحقة، عندما سيقع الاعتراض على تفاصيل هذه المعرفة واحدا تلو الآخر وتحطيمها بسبب تقدم المعارف ، سيبقى المجموع بمثابة مضمون غير متميز. فبعد أن كانت هذه المعارف تابعة لمبادئ، تصبح هذه الأخيرة بدورها تابعة لتلك المعارف المحطمة والتي تكاد تكون مستعصية على الفهم . و عندما يرتد الموضوع الفلسفي إلى أبسط تعبير عنه ، فإنه سيبقى في " الروح الموضوعي " في صورة فكرة ناظمة تشير إلى مهمة لا متناهية. هكذا نتحدث اليوم عن " الفكرة الكانطية " عندنا. أو كما هو الأمر لدى الألمانيين عن " رؤية العالم " عند فيخته. ذلك أن فلسفة ما، عندما تكون في عنفوانها، ليست أبدا شيئا جامدا وكأنها الوحدة السلبية والمكتملة بعد للمعرفة

هذه الفلسفة التي هي وليدة الحركة الاجتماعية، تكون هي نفسها حركة وذات تأثير على المستقبل . إن هذا التجميع العياني هو في نفس الوقت المشروع المجرد المتمثل في مواصلة التوحيد حتى حدوده القصوى. وعلى هذا النحو، تتميز الفلسفة بأنها منهج بحث وتفسير. والثقة التي تضعها في ذاتها وفي نموها المستقبلي ليست إلا إعادة إنتاج يقينات الطبقة التي تحملها. فكل فلسفة هي عملية ، حتى تلك التي تبدو ولأول وهلة الأكثر طابعا تأمليا. فالمنهج سلاح اجتماعي و سياسي (...).

وهكذا تظل الفلسفة ناجعة طالما يبقى حيا البراكسيس الذي أنشأها والذي يحملها وتنير له الفلسفة السبيل . إلا أنها تتحول وتفقد فرديتها وتتجرد من محتواها الأصلي والمحدد زمانيا بقدر ما تتغلغل شينا فشينا في الجماهير لتصبح فيها وبها أداة جماعية للانعتاق .

ج - ب . سارتر

                                                                    " مسائل في المنهج "

إذا سلّمنا مع جان بول سارتر بأن لا وجود لفلسفة بل توجد فلسفات، السؤال أي فلسفة يمكن أن تكون قيمة مضافة ومعينا لمجتمع في ظرفية تاريخية محددة في فهم ذاته وواقعه وطبيعة علاقته بالاخرين وبالطبيعة؟ سبق للمفكر قتحي المسكيني ( في شريط على اليوتوب أن صرح بأن فلسفة باسكال أقرب إلينا نحن العرب في الظرف الحالي من فلسفة ديكارت. ومن المدهش قيام حرب تعريفات الفلسفة التي أصبحت نوعا من الموضى الفكرية بسبب الفسيفساء الفلسفية، وأضحى تاريخ الفلسفة أشبه بسوق فكري مسموح لزبنائه باختيار السلعة التي تناسبه، وأشهر الموضات الفلسفية في تعريف الفلسفة  إحدى تعاريف جيل دولوز كون الفلسفة "إبداعا للمفاهيم".السؤال ما سبب رواج هذا التعريف مقارنة مع باقي التعاريف اأخرى؟ هل يجوز اقتناع تعريف من تاريخ الفلسفة وفق الظرفية التاريخية والاجتماعية للباحث عن نعريف، مثلا الفلسفة صراع طبقي على مستوى النظرية ( وفلسفة أفلاطون خير مثال على مصداقية هذا التعريف لألتوسير. لسارتر تعريفه الخاص أعلاه والذي يربطه بمفعوله الفكري والسلوكي.

وهذا يفتحنا على إشكال العلاقة المضطربة بين التأمل والممارسة .هذا الإشكال يطرح سؤال : ما الحاجة إلى الفلسفة؟ أو فيما تفيد الفلسفة ؟ وكيف نفسر انحسارها في إطار النخبة ، وحتى تدريسها في المدرسة لم يحقق الرهانات من التحويل البيداغوجي والديداكتيكي للفلسفة كمنهج في التفكير والبحث يتميز عن باقي أشكال الوعي الإنساني الأخرى. يقول الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي :" يبدو أن الفلسفة بحكم نخبويتها وإغراقها في التجريد،أبعد من أن تعكس بسهولة صدى حركات الشارع العربي، وعلى رغم ذلك فإن ما ترتب على مخاض " الربيع العربي" لم يكن يخلو من مفعول على الفلسفة وعلى ممارستها، على الأقل كونه برهن من جديد أعمية الفلسفة وضرورتها، ذلك أم من أهم الأمور التي كشف عنها الربيع العربي أن التغيير لا يكون باستبدال أنظمة وإحداث هزات سياسية فحسب، وإنما رهين بتحول ذهنيات، ذلك التحول الذي لن يأتي نتيجة سهلة لاستبدال نظام سياسي بآخر".( الفلسفة بعد الربيع.جريدة الحياة 19 نونبر 2012) .لكن هناك فرق بين التعامل مع قضية  "الفلسفة واليومي" كقضية للتأمل الفلسفي وبين تفعيل الفلسفة ،وأية فلسفة، في واقع الناس.  السؤال من الوسيط القادر على التواصل مع عموم الناس الذين هم المعنيون بتفعيل الفلسفة في واقعهم.وهذا يجرنا إلى دور الفلسفة المدرسية في تحقيق التفعيل، وأتساءل، ما مكانة تغيير ذهنيات المتعلمين وتمثلهم لهذه الفلسفة أو تلك في الممارسة اليومية بعد رحلة السفر عبر تاريخ الفلسفة ،وحتى لا تكون مجرد " سياحة فلسفة"، أتساءل ماذا بعد انتهاء حصة من الدرس الفلسفة وعودت المتعلمين إلى بيوتهم والفضاءات العامة؟ ما حظ البعد المنهجي وسط غلبة الشرح والتفسير والإلقاء؟هل يتم تحضير الدروس حاليا ليس بهدف إتمام البرنامج الفلسفي والإستعداد للأمتحان الوطني؟ ربما لهذا السبب يغلب على الدروس طابع إعادة ما قاله الفيلسوف بلسان المدرس؟ كيف نفسر غياب لحظة مناقشة الأطروحات  وتقييمها ونقدها ؟ لماذا يغيب استحضار النصوص الفلسفية، ويتكلف المدرس بالوصاية على النص وكأنها يقرأ النص عوض المتعلم؟ أليس من الممكن أن تحدث هذه الدروس في هذه اللحظة الاستثنائية تشويشا لدى المتعلمين وهم يقارنون التجربة الفصلية مع الدروس الاستثنائية؟ هل من الصعب في ظل هذه الظروف أن مقولة " علمه الصيد ولا تعطيه سمكة" هي الطريقة المناسبة لتخفيف الضغط على تعلمات التلاميذ؟إذا تحدثنا عن علاقة الفلسفة بالممارسة، هناك أيضا ممارسة فكرية تتمثل في تفعيل المتعلمين لمقتضيات التفكير الفلسفي ليس فقط في الكتابة الإنشائية، بل كنمط حياة ربما يرافق المتعلمين طيلة حياتهم.فالفلسفة ليست مجرد معلومات وأطروحات بل هي نمط حياة مستقى من تجارب الفلاسفة في طرائق تفكيرهم ومقارباتهم لمختلف الموضوعات. إذن الممارسة لا تعني بالضرورة تمثل لذاته  لما يقدم من أطروحات، بل توظيفها أيضا بطريقة شخصية في الكتابة الفلسفية والممارسة الحياتية. أقول هذا دفاعا عن ما تعاقدنا عليه أنه من مطلوبات التفكير الفلسفي وآليات اشتغاله/ وهذا ما يغيب في الدروس الخصوصية التي تقوم بشحذ وشحن أدمغة  المتعلمين بغاية الحفظ وبضاعتنا ردت إلينا.

أعترف أن ما طرحته قد لا يتناسب مع الظرف الاستثنائي، أو من الصعب الألتزام بنفس وتيرة التدريس العادي بسقفه الزمني المعروف مقارنة مع الاستثناء الحالي، لهذا من الممكن التفكير في تحاشي أكثر الأضرار وتقديم الأفضل من خلال  مبدأ الاقتصاد في التدريس بما يتناسب مع المرحلة .


 


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: