إحدى مواقفي الفصلية من مقتضيات تدريس الفلسفة.

التصنيف

 

إحدى مواقفي الفصلية من مقتضيات تدريس الفلسفة.




هل مبررات المنتقدين لامكانية تفلسف المتعلمين بقدر استطاعتهم معقولة أم نابعة من جهل أو تجاهل خصوصية مرحلة المراهقة والتي تتناسب بشكل من الأشكال مع سن التفلسف بقدر استطاعة المراهقين.؟

كم أتأسف على عدم توفر الامكانات الرقمية لما بدأت تدريس مادة الفلسفة حتى أسجل تفاعل المتعلمين مع قضية : ما العلاقة بين المراهقة وبداية الانفتاح على تعلم الفلسفة. من خلال سؤال: لماذا تم تأخير تدريس مادة الفلسفة إلى مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي ،وهل كان من الممكن تدريسها في مراحل تعليمية سابقة؟

سأأجل الحديث عن  مطلب إمكانية جعل الاطفال في سن معين الانفتاح على الفلسفة، وأركز على تجربتي مع متعلمين في "قرية "أفورار ،وتعلمون واقع الهوامش، ولكنهم مع توالي الاجيال كانوا يظهرون قدرة على التفكير، بشرط أن تكون الاسئلة الموجهة لهم دقيقة ومساعدة على التفكير، وكاشفة عن زيف مجموعة من البداهات.أسئلة صادمة ومن واقع المتعلمين.

ويمكن الرجوع ٱلى مقالي المعنون ب" الفلسفة والمراهقة أية علاقة؟"

طيب. إذا كانت فترة المراهقة تتميز ، بالأخذ في الحسبان بالفوارق الاجتماعية والمجالية والزمنية، بخاصيتين،الاولي تمركز المراهق(بفتح حرف الهاء) حول ذاته وتحويلها إلى موضوع للتفكير  والتأمل ، وما يرافق هذا من تكوين مواقف جنينية ،من الذات والاخر...والثانية الميل الطبيعي للمراهق والمراهقة إلى الاستقلال الذاتي والرغبة في تحمل المسؤولية ( مع الاخذ بعين الاعتبار الفروقات في التكوين النفسي والجسدي للمراهق)

أليست هاتين الخاصيتين إمكانيتين أو تربة خصبة لممارسة تفكير خاص يجعل المراهق يرغب في المناقشة والمشاكشة،بخلاف الطفل الذي يميل إلى اللعب؟

أتذكر اندهاش المتعلمين بداية تعرفهم على الفلسفة وأسئلتها المحرجة والمزعجة.ذات مرة سألني تلميذ عن مثال للأسئلة الفلسفية المزعجة.أجبته بأن الازعاج درجات ويرتقي من البسيط إلى المعقد.لننطلق من اليوماني للمتعلمين،ونترك تقيدات الفلاسفة ليحينها.كيف نفسر أن الناس لما يجدون قطعة خبز في الطريق، يأخذونها ويقبلونها ويضعونها جانبا.لكن لا يتم التعامل بنفس التقدير مع الطماطم  أو البططا.....؟

وتطور النقاش من قطعة خبز إلى قضية القيمة في بعدها الاجتماعي وما محددات التعامل مع الاشياء ،وما دور العادات والتقاليد في تحديد سلوك الانسان وعلاقته بغيره من الأشياء والناس، وقضية التقبل دون تفكير ومتى يمكن إعمال العقل في الموضوعات.... ؟

وذات مرة كان الموضوع يتعلق بالفلسفة والحياة في مقرر فلسفي سابق...  وفي سياق مائدة مستديرة حول موضوع الفلسفة واليومي،طرحت سؤالا على تلميذ ادعى أنه يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة،سألته ،من يغسل ملابسك الداخلية؟ أجاب :أختي أو أمي.فسألته لو طلب منك غسل الملابس الداخلية أو الجوارب لاختك او أمك هل ستغسلها؟أجاب بكل ثقة :لا يمكن.وبرر حكمه أن الرجل في مجتمعنا لا يغسل ملابس أمه او أخته وأن القبول بغسلها يعتبر إهانة للرجل والحط من قيمة رجولته.... ركزت النقاش على مفهوم الاهانة والرجولة  وتقسيم العمل داخل البيت...وتطور النقاش إلى طرح إشكالات حول الموقف من المرأة ومدى تغيير الوضعية الحالية وما يستتبع ذلك من إجراءات معقدة...فقط أشير إلى أن النقاش داخل حلقة المائدة المستديرة، والتي كنت أعقدها عند نهاية وحدة دراسية.كانت تتسم بالجدية والحزم كي يثمر النقاش عن مخرجات قد تتحول بدرها إلى إشكالات متولدة عن إشكالات سابقة.وأتمنى من تلامذتي الذين عايشوا مختلف الموائد المستديرة أن يعطوا رأيهم في هذه التجربة ومدى استفادتهم منها. إن كانوا اطلع ا على هذه التدوينة.

دعونا من بعض ما يشاع أن هذا الجيل فارغ وفاقد لشروط الارتقاء الفكري كما تقدمهم بعض قنوات التغليط والافتراء. وأستغرب من بعض الزملاء  يخلطون بين الطفولة والمراهقة ويعتبرو  السن الخامسة عشر سنا لا تؤهل المتعلم للتفكير والاستقلال في اتخاذ المواقف.( قاليك باقين براهش!!!!!!! وهذا هو التمثل الخاطئ حول المراهقة)

مع الاسف حاليا بعض القنوات الرقمية تظهر المتعلمين في صورة  تبخيسية، الهدف من ورائها انتقاد المدرسين والمدرسات  وتحميلهم مسؤولية تردي الوضع التعليمي وكأنها تقول ،هذا منتوجكم أيها المدرسون!!!!!!!في حين أن الواقع غير هذه الحالات الشاذة. صحيح المنظومة التعلمية تعرف عدة مشاكل وهذا لا يعني أن المدرسين والمدرسات "انبطحوا" واستسلموا لما نعتبره تردي وتأزم الوضع التعليمي. فعدد من المدرسين  يقاومون من داخل واقع الازمة ويطورون  ممارستهم الفصلية ويبدعون بقدر الاستطاعة بالموازات مع نضالهم الحزبي والنقابي والجمعوي، وكثير منهم ليس لديهم صفحة على الفيسبوك.وهم مناضلون يشتغلون في الظل،ونحن نعرف من له مصلحة في تحميل المدرسين والمدرسات مسؤولية فشل المنظومة التعلمية وحصرها في فصولهم الدراسية!!!!!

بالمحصلة إذا كنا لا ندرس الفلسفة التي تم تحويلها ديداكتيكيا كي تكون قابلة للتعلم،فماذا كنا ندرس؟ من يبرهن  بالدليل على أن مقاربة المدرسين للفلاسفة ليست بالشروط الفلسفية والديداكتيكية المطلوبة وهذا واجب مهني غير قابل للمزايدة؟لا أتحدث عن بعض الظاهر المعيبة  فهي لا يقاس عليها.وليست طريقة تدريس الاستاذ المعجزة هي السائدة في التعليم العمومي والخاص.  أقول لسنا فلاسفة،وهذا لا يحتاج ٱلى مزايدة أيضا،ولكننا لسنا غرباء على الفلسفة ولم نكن ندرس شيئا شبيها بالفلسفة اي شبيها بديكارت وسبينوزا وهيجل وكانط...وسارتر وفوكو..... ،والبرنامج نفسه ليس مضادا للفلسفة بالمطلق.ويحز في نفسي أن مدرسين لمادة الفلسفة ، مع الاسف، انخرطوا في هدم تدريس الفلسفة وكأن النقد بالنسبة لهم معول للهدم  وتصفية الحسابات وليس لطرح البدائل والنضال من أجل تجويد درس الفلسفة والكف عن البكائيات والرؤية بنظارات سوداء.لنحاول انتزاع الممكن من المستحيل ،ونكون أوفياء للفلسفة ما استطعنا لمواجهة تخريبها من الداخل وفي ظل واقع يتطور في التخلف والتفاهة والبلاهة.اذا قاموا (..... اصحاب الحال) بسرقة عقل المتعلمين فلنقم نحن المدرسين بمساعدة المتعلمين على استرجاع عقولهم بقدر الاستطاعة.

وأعيد ما قلته سابقا. ليتحمل المكتب الوطني  للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة ومختلف فروعها مسؤولية الدفاع عن تدريس الفلسفة والتي أصبحت تتعرض لنيران صديقة ومن الاعداء التقليديين للفلسفة. كما أن الانخراط في التغيير موقف يحدده الانخراط الحقيقي في العمل الحزبي والنقابي والجمعوي بالموازاة مع الاجتهاد في الممارسة الفصلية.


شاركها على حسابك في :

مدرس مادة الفلسفة مُتقاعد .

مواضيع ذات الصلة: